الجهاد والاستشهاد.. عطايا الواقع الإيماني
السياسية – تقرير: منى المؤيد
لا تأتي ثقافة الاستشهاد إلا بثقافة الجهاد، ولا يمكن مواجهة الشر والحقد والإجرام إلا بالمواجهة الحقيقية، ولهذا شرع الله سبحانه وتعالى الجهاد في سبيله – ليتحقق العدل والأمن في الأرض، ولن تنال البشرية العدل والقسط ودفع الظلم عنها إلا بالمعاناة، والأخذ بالأسباب، ومواجهة الظلمة والمتكبرين والطغاة على هذه الأرض، كيف لا وقد عانا الكثير من الأنبياء لما لهم من حرص شديد على مصلحة البشرية.
الحياة فيها ظلمة ومفسدون، والحل هو سعي المؤمنون والمستضعفون والأحرار لأن يكونوا قوة لمواجهة هذا التحدي الخبيث، ولن يتحقق ذلك إلا بالجهاد والاستشهاد، موقع صحيفة السياسية أجرى لقاءات مع أهالي الشهداء الأبطال سلام الله عليهم.
البداية مع زوجة الشهيد محمد علي حسين الغذيفي التي تحدثت عن الذكرى السنوية للشهيد وأشارت إلى أن أهمية المناسبة تكمن في ترسيخ المفهوم الصحيح للشهادة ودورها في إحياء مفهوم الجهاد والاستشهاد وإحياء هذه الأمة.
وتقول زوجة الشهيد الغذيفي “من المهم في هذه المناسبة هو الاستذكار للشهداء على نحو عام وتمجيد عطائهم وتقدير تضحياتهم وأثرها وجهودهم لصالح الأمة من حرية وكرامة وعزة وانتصارات، وفيما دفع الله به من خلال تضحياتهم”.
وتضيف أن الأهم في هذه المناسبة هو استشعار حجم المسؤولية في الوفاء لتضحيات الشهداء وأهدافهم والثبات على الحق، ومواصلة السير على الدرب..
وتابعت زوجة الشهيد الغذيفي حديثها بالقول “يكفينا فخرا كزوجات شهداء أن الله اصطفى أزواجنا شهداء، ويكمن هذا الاصطفاء كفضل زوجة الشهيد في الجنة وكم لها من أجر يتضاعف إذا صبرت وثبتت وربت أبناءها على نهج آبائهم، وأعظم رتبة وأعظم شرف يناله الإنسان هي الشهادة في سبيل الله”.
وعن حياته قبل استشهاده تحدثت زوجة الغذيفي وأعربت عن خوفها من عدم ايفائه حقه تقول “كان الشهيد متواضعا ساعيا لخدمة الجميع ومحسنا لكل من يعرفه فحاز على محبة وتقدير الجميع، واتصف بحبه العميق للمسيرة القرآنية والسيد القائد، وكان إنسانا خجولا جدا، وهادئا وتميز بالكتمان وإن تكلم فإن كلماته من ذهب وأكثرها حكم- وطبعه كريم جدا، ويمتلك قلبا رحيما يراعي به مشاعر الآخرين ويشفق على المستضعفين”.
وأشارت إلى أنه قبل استشهاده جرح في جبهة صرواح وبترت نص قدمه، ولم ينتظر شفاء جراحه، وكان يتوق ويتلهف للعودة إلى ميادين الجهاد.
وأردفت “بعد تلك البطولات المشرفة والآلام والجراح الموجعة التي تحملها محمد في سبيل إعلاء كلمة الله ومناصرة الحق، ودفع الباطل والظلم- أراد الله أن يصطفيه، ويختاره إلى جواره فاستشهد وهو لا يزال عريسا جديدا بعد خمسة أشهر”.
وتضيف زوجة الشهيد الغذيفي أن محمد نال الشهادة وهي كانت حامل بابنتها “أمة الرحمن” التي لم يراها حيث أوصاها بأن تسمي الجنين “مرضي” إن كان ذكرا أو”أمة الرحمن” إذا كانت انثى أسوة بأول شهيدة في المسيرة القرآنية والتي كانت تمد المجاهدين بالمدد.
ولفتت أن زوجها الشهيد طلب منها أن تمضي قدما في المسيرة وأن تربي جنينها على هذا الطريق وأن أجعل منها زينبية عظيمة.
وتابعت “لابد من حياة عظيمة لكل شهيد فلن ينال الشهادة إلا شخص عشقها وعشق كل الطرق التي تؤدي إليها ولم يحب الحياة قط فسلام الله على أبا القاسم -الشهيد المخلص في بيعته مع الله”.
أم الشهيد عبدالرحمن محمد محمد وافي هي الأخرى تحدثت عن الذكرى السنوية للشهيد بالقول إنها “مناسبة من أعظم المناسبات التي تحيي وتجدد فينا روح البذل والعطاء نتذكر ونستذكر شهداءنا العظماء الذين لولاهم ولولا تضحياتهم لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم، والواقع أكبر دليل”.
وتضيف أن هذه المناسبة تبعث فينا روح الجهاد والاستشهاد، والشهداء هم بالفعل كما قال السيد القائد مدرسة عظيمة تجسدت فيها القيم والأخلاق والمبادئ.
وتشير أم الشهيد وافي إلى أهمية لاستذكار سيرة الشهداء والحديث عنهم وعن استبسالهم وتضحياتهم وعطائهم وأخلاقهم كيف كانت، وسبب اصطفائهم حتى وصلوا إلى أعلى مراتب الإحسان، فاختارهم الله بجواره.
وتابعت “أنا كأم شهيد أفتخر وأعتز بأن الله سبحانه وتعالى اختار ابني عبدالرحمن شهيدا وهذه مسؤولية كبيرة أن نكون أسر شهداء رغم تجرع مرارة الأحزان، والفقد إلا أن ذلك لن يثنينا عن تحمل مسؤوليتنا، في الوفاء لهم والثبات على الحق والتمسك بالأهداف السامية والعظيمة التي ضحوا من أجلها”.
وتحدثت عن مسيرة الشهيد وقالت “انطلق ابني الشهيد عبدالرحمن إلى جبهات الشرف والبطولة في وقت كان الناس غافلين، وقليل جدا الذين كانوا يتحركون في سبيل الله”.
وتضيف “الشهيد كان يحاول اقناعي ويقول أضمني لي الجنة وأنا سوف أكمل تعليمي الجامعي، وكنت أقول ڵهٍ: يا ابني- إذا ضمنتها لنفسي فإني في خير، وكان يرد علي ويقول: خلاص أتركيني أذهب إلى من يضمن لي الجنة من أحب الحياة عاش ذليلا”.
وتابعت “انطلق شهيدي من باب المسؤولية في سبيل الله يدافع عن الدين والأرض والعرض باذلا روحه الطاهرة في سبيل الله”.
وعن مميزات الشهيد وصفاته وذكرت أم عبد الرحمن أنه كان ينصر الحق أينما كان وكيفما يكون ويواجه الظالمين دون تردد أو خوف، ولديه شخصية قوية وشجاعة وطايع لوالديه ومحبوبا بين أصدقائه، ومجاهدا في الساحات وفي الجبهات وحريصا على قراءة الملازم، وشديد الحب للسيد القائد.
وأشارت إلى أن الشهداء يذهبوا وتفوح عطرهم في الأرجاء كما تفوح رائحة بارودهم من بعيد.. مؤكدة أنهم سيضلون يتذكرون بطولات الشهداء وكل ما يتعلق بهم “كلما مر طيفهم بالقرب منا”.
وعن مواقف الشهيد قالت أم عبد الرحمن “تعددت مواقف شهيدي فكانت له عدة بصمات في عدة جبهات- خصوصا في جبهة صرواح وكان يجرح في كل جبهة ولا تثنيه جروحه عن مواصلة المشوار”.
وتضيف “وفي ليلة رحيله وعلى شواهق جبال نهم بشر بالشهادة كالليث الكاسر بعد إن تلا الآيات والنور ساطع من جبينه كالقمر يوم اكتماله، فلقد اكتملت مهمته وأدى تكليفه ونال أعلى الدرجات حتى توج بالفوز وارتدى تاج الشهادة فكانت النهاية الرحيل إلى دار القرار”.
عاشوا مجاهدين وظلوا ثائرين حتى وصفوا بالمؤمنين وبقوا من الآل سائرين فارتقت أرواحهم لأعلى عليين، وهكذا مروا بسلام وبدمائهم أحيونا وبوصاياهم هدونا وببنادقهم صاغوا مفردات التضحية، صدقوا وصادقوا وجاهدوا ورابطوا ووفوا بالعهد حتى استشهدوا فسلاما عليهم -سلاما سلاما.
وفي عمق كلمات الشهادة وتذكيرنا بهذه المحطة العظيمة حدثتنا الابنة الخامسة للشهيد منصور صالح عبده الحذاري البالغة من العمر 13 عاما وقالت سندس “استشهد والدي الحبيب وأنا في الثامنة من عمري، وكان يعاملني بكل لطف وحنان ويلقبني بفاطمة الزهراء ويخبرني بأنه يتمنى الشهادة في سبيل الله ويتحدث كثيرا عنها”.
وأضافت “كانت أهم غاية أبي هو التنكيل بأعداء الله ثم الشهادة في سبيله ليتحقق لهذه الأمة العزة والكرامة والاستقلال”.
أم الشهيد مختار سليم علي صلاح زهير عبرت عن الذكرى السنوية للشهيد وقالت “هنا نستلهم الدروس والعبر ونتعلم من تضحيات الشهداء هذه المحطة التربوية الإيمانية فهم مدرسة نموذجية تجسد لنا القيم الإسلامية لهذا نحن في أمس الحاجة لأن نحمل روح الجهاد والاستشهاد”.
وعن صفات الشهيد مختار اشارت إلى أنه كان يملك أخلاقاً راقية وطباعا ليست كسائر البشر وكل من يعرفه يشهد بذلك ويكثر من الاحسان الذي جعل منه إنسانا نادراً.
وتابعت ” أحمد الله كثيرا لأنه اصطفى ابني شهيدا في سبيله وهو الآن ضيف من ضيوف الله عز وجل فسلام على ابني الشهيد وسلام على جميع الشهداء”.
بدورها تحدثت أخت الشهيد أيوب محسن الشويع عن مناسبة الذكرى السنوية للشهيد مؤكدة أن هذه المناسبة تأتي في كل عام مع كثير من التطورات والأحداث والمتغيرات في الواقع.
وقالت “أصبحت المناسبة محطة مهمة لاستلهام الدروس والعبر والتزود منها طاقة معنوية تتمثل بقوة الإرادة والتمثيل والعزم على الثبات في طريق الحق والاندفاع أكثر وأكثر في المواصلة في المشوار في سبيل الله”.
واضافت أن المناسبة “تحمل في مشاعرنا قداسة القضية التي نضحي من أجلها وعظمة المسيرة التي ننتمي إليها، لأنها ذكرى العز والإباء والثبات والشموخ، وحينما نُحييها تحيا فينا روح الشهادة، وترسخ في واقعنا مبدأ الشهادة وإقامة العدل في مواجهة الظلم والطغيان والإجرام وخصوصاً ونحن في هذه المرحلة نواجه قوى الطغيان والاستكبار العالمية”.
وتابعت “ذكرى الشهيد ليست محصورة في ذكرهم فقط، بل إحياؤها دوماً في اروقتنا وبها نستذكر أبلغ ماسطروه من تضحيات عظيمةٍ وأساطير خالدةٍ تُنقشُ بطولاتها في ذاكرتنا وذكرانا”.
واردفت اخت الشهيد الشويع” يكفينا فخرا كأسر شهداء أو كأخت شهيد هذا الوسام العظيم أن الله اصطفى من آل بيت الشويع شهيداً وليس شهيداً واحدا بل شهداء وسنقدم المزيد والمزيد حتى النصر أو الشهادة”.
وأشارت إلى أن أعظم وسام شرف اكتسبته أنها أصبحت أخت الشهيد أيوب الشويع.. واعتبرت ذلك فضلا عظيما من الله ونسأله الثبات كي نسير على خطاهم كما علمونا وثقفونا.
واكدت أن أكبر نموذج ومدرسة تقتدي بها هي السيدة زينب الكبرى سلام الله عليها وموقفها الثابت في استشهاد الحسين عليه السلام عندما قالت ما اراهُ إلا جميلا وإن كان يارب هذا يُرضيك فخذ حتى ترضى.
وشددت على أنها ستمضي كما مضت السيدة زينب عليها السلام في صبرها وثباتها في مواجهة الطواغيت والمستكبرين.
وعن صفات الشهيد أيوب الشويع قالت اخته “كان عزيزاً حراً في الدنيا بطلاً شجاعا ومؤمناً تقياً ورعاً زاهداً مقداماً زاده الله من هداه وملكاً في السماء مع الشهداء والصالحين والأنبياء”.
وأوضحت أن بطولاته الجهادية بدأت منذُ صغرة وانه انطلق في المسيرة القرآنية المباركة في وقت مبكراً ولم يواصل دارستة الجامعية، وذهب إلى مدرسة الشهيد القائد السيد حسين رضوان الله عليه الذي تمتلك الرقي الإيماني الكامل من التثقيف والهدى الكامل ومعرفة الله المعرفة الحقيقية.
وأضافت انه جاهد في مناطق عديدة وجرح جروح كثيرة عدة مرات ولكنها لم تدعه يقف أو يستسلم بل كان يذهب إلى ميادين البطولة ولم تطب جروحه.
وعن حياته لفتت أخت الشهيد الشويع إلى أنه تزوج قبل ما يستشهد بسنة نزولا عند رغبة الأسرة ورزقه الله بطفلة أسماها رقية ولم يراها إلا مرة واحدة فقط.
ونوهت إلى أنه جاء ثاني يوم رمضان وزار جميع أخواته ودعا جميع أسرة الشويع إلى وليمة عشاء كبيرة وكان ذلك هو الوداع الأخير وسلم على الجميع وودع الجميع.