كيف سيكتب التاريخ المواقف لثورة طوفان الأقصى المبارك في سجلّه الخالد؟
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
اليوم هو الخميس 23 نوفمبر 2023 م، ومع مرور 49 يوم منذُ انطلاقة بطولة طوفان الأقصى في فلسطين المحتلة، وآلةُ القتل والدمار الصهيونية الإسرائيلية تحصد في كل لحظة من لحظات الزمن الذي مر على أهلنا في فلسطين، تقتل منهم دون رحمة ولا إنسانية آلاف الأطفال والشيوخ والنساء والعجزة، وتدمر تدميراً كاملاً أحياء سكنية بكاملها، تدمر جميع مقومات الحياة المعيشية للإنسان الفلسطيني دون أدنى اعتبار لا للرأي العام العربي، ولا الإسلامي ولا الدولي بالرغم من خروج أزيد من 5000 آلاف مظاهرة ومهرجان حاشد حول العالم، تدين وتستنكر وتطالب بمحاكمة الطغمة الحاكمة الصهيونية الإسرائيلية في تل أبيب وحماتها القتلة في عواصم حِلف شمال الأطلسي من واشنطن ولندن وباريس وبرلين … الخ من عواصم الحلف المعادي للإنسانية من حول العالم.
الطغمة الصهيونية الإسرائيلية القذرة لم تحترم ولم تراعي ولم تقر بتلك القوانين المقرة للأمم المتحدة التي تحرم قتل الأبرياء من المواطنين العزّل ولا تمس مصالحهم الحياتية من مدارس، ومستشفيات ومخابز وأفران، ومحطات الكهرباء ومحطات توليد الماء، لقد اختلقت الأكاذيب والمغالطات الساذجة لتبرير أعمالها الوحشية غير الإنسانية في تدمير كل شيء يخدم الإنسان في قطاع غزة ويبقيه حياً بعد الانتهاء من المهرجان الدموي للعدوان، لكنهم أبَوُء إلا أن يتركوا الأرض من بعد عدوانهم خراباً يباباً غير قابل للحياة الآدمية، بهدف ارتكاب الجريمة الثالثة لتهجير وطرد الفلسطينيين من ديارهم، بعد هجرة النكبة عام 1948 م، وهجرة النكسة عام 1967م، واليوم يرغبون أن يكرّر الصهاينة مرساة الشعب الفلسطيني في تهجيره من وطنه.
كل قطرة دم تراق اليوم في فلسطين، وهم أزيد من000’44 جريح، وكل روح فلسطينية طاهرة تُزهق هم بأزيد من 14128 شهيد، منهم عدد الأطفال الشهداء أزيد من 5840، وعدد النساء من الشهداء أزيد من 3920، أما المفقودين وهم تحت الأنقاض يتجاوز عددهم 6400 مفقود.
جميعهم شركاء في الجريمة النكراء شركاء في القتل حد الاستشهاد، شركاء في تعذيب الجرحى الذين يتألمون في كل لحظة من لحظات إصاباتهم البليغة، فالسلاح أمريكي والذخائر أمريكية من طلقة البندقية حتى الصاروخ الذي يصل زنته آلاف الأطنان، والمال المدنس الذي تم به الشراء من دول حِلف شمال الأطلسي من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وحتى دولة اليابان البعيدة، جميعهم شركاء في إهدار الدم العربي الفلسطيني، صحيح أن الذي يضغط على الزناد هو مرتزق صهيوني حقير تم جلبه من جميع أقطار العالم كي يقتل الطفل الفلسطيني بدم بارد، ويحتل أرضه ومقدراته، ويستمتع بدفئ رمال شواطئه الناعمة على البحرين الأبيض والميت، لكنّه في الآخر هو مستأجر رخيص من الحركة البرجوازية الصهيونية القذرة.
تتوالى المواقف والآراء للدول والشعوب تجاه ما يحدث من جرائم نازية / فاشية / صهيونية ضد الفلسطينيين وبعد أن وصل عدد الشهداء المدونة في مقالنا أعلاه مع الجرحى تبرز المواقف في المؤشرات الآتية:
أولا ً: موقف شعوب وقادة دول محور المقاومة الذي يبدأ بإيران الإسلامية مروراً بالعراق العظيم، وسوريا التاريخ، ولبنان أيقونة الفكر والثقافة الإنسانية وفلسطين الحرة المجاهدة واليمن بعاصمتها صنعاء التاريخ والحضارة، كل شعوب هذه البلدان كانت عنوان للشرف الباذخ والرفيع وبمقاومة التضامنية الصادقة مع كل قطرة دم حره سألت على أرض فلسطين من أرض الجليل شمالاً وحتى قطاع غزة جنوباً، هذا المحور استطاع أن يلقّن العالم المتصهين دروساً بليغةً في التضحية والفِداء والمقاومة، وبفعل تضامني لا يقبل التأويل والتشكيك إلا من طمست ذهنه وعقله عمالة وخيانة وانحطاط يصعب ويستعصي مداواة علاج نفسياتهم المريضة.
ثانياً: موقف الدول العربية والإسلامية في مؤتمرهم بالعاصمة السعودية بالرياض الأخير، وهو اللقاء المخزي الباهت المفضوح الذي أعطى الشرعية المعلنة للعدو الصهيوني الإسرائيلي بمواصلة قتل أطفال ونساء قطاع غزة، ذلك المؤتمر الذي سُمّي [مؤتمر القمة العربية الإسلامية ـــ الفضيحة] الذي لم يستطع إلا بالخروج ببيان ضعيف هزيل تافه، وياليتهم لم يجتمعوا من الأساس، فقد أخزوا واضحكوا العالم كل العالم عنّا، وهم الناطقين زوراً عن شعوبنا الإسلامية وعددها مليار ونصف تقريباً، ليخرج قادتهم الضعفاء الهزّل ببيان ضعيف هزيل لا يساوي الخبر الرخيص الذي كتب به ذلك البيان المسخ في يومهم المشؤوم.
ثالثاً: أظهر موقف إدارات الولايات المتحدة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية انحيازه الكلّي إلى جانب العدو الصهيوني الإسرائيلي، وقد ركض الرئيس الأمريكي الخَرِف / جوُ بايدن ركضاً نحو تلّ أبيب لإنقاذ دولة الكيان الصهيوني من الانهيار والسقوط بعد أن أهتز وانهار وسقط كيانه معنوياً ونفسياً من جرّاء ضربات الفدائيين المجاهدين المقاومين الفلسطينيين في يوم 7 أكتوبر المجيد، وبدء ثورة طوفان الأقصى المقدّسة.
وتتابع بعده وزير خارجيته الصهيوني اليهودي بلنكن ووزير دفاعه ورئيس مخابراته وحشد هائل من إدارته، حضرت من واشنطن إلى تل أبيب لمؤازرة الكيان وتطمينه ودعمه وإسناده، علاوة على ذلك أحضر اسطوله الحربي وغواصته الذرية كي يسند ويطمئن قادة العدو الصهيوني، بأن أمريكا صهيونية حتى النِخاع فلا خوف عليكم يا صهاينة العرب ويهود إسرائيل الصهيونية.
أعطت الإدارة الأمريكية صك على بياض وبالضوء الأخضر والمباركة المطلقة للقيادة الصهيونية الإسرائيلية، بالإبادة الجماعية بقتل الفلسطينيين العزّل بالجملة، في شكل أحزمة نارية من قبل طيران العدوان، وفي شكل مجازر يومية وليلية متتالية في قطاع غزة طيلة زمن العدوان.
رابعاً: تقاطر رؤساء دول ورؤساء وزراء حكومات دول حِلف شمال الأطلسي من عواصمهم ذائعة الصيت والذكرى برفع يافطات وشعارات (مغرية) كحقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي، وحقوق الطفل، وحرية الفكر والصحافة والأديان، هذه شعارات كل من باريس ولندن وبرلين وروما وفيننا وبروكسل و و و هذه المدن التي ذاع صيتها ذات يوم بعصر (التنوير) الإنساني تنادت للسفر إلى العاصمة الصهيونية “تل أبيب” ليواسُوا الطغمة الحاكمة في الكيان الصهيوني، ويساندوها ويشدوا من أزرها، ويعطوها صك الغفران بقتل الأطفال حتى الخُدّج منهم والنساء حتى الحوامل منهن، وكذا شيوخ فلسطين وكهولهم العزّل، حضروا بقضهم وقضيضهم من عواصم أوربا كي يقدموا الدعم المادي والمعنوي من حكوماتهم إلى الكيان الصهيوني، ويقولوا لهم نحن مع كيانكم إلى الأبد واصنعوا ما شئتم بالفلسطينيين، لأنهم جميعاً إرهابيين ويبحثون عن المتاعب والقتل للإنسان الصهيوني الإسرائيلي المتحضر .
خامساً: أنا كغيري من الرأي العام العربي والإسلامي وحتى الدولي في حِيرة مطلقة، وفي صدمة مروّعة لموقف السلطة الوطنية الفلسطينية برئيسها المستر / محمود عباس أبو مازن وشلّته القابعة النائمة في إحدى مدن الضفّة الغربية الفلسطينية، ويستقبل كل يوم وأسبوع عدد من قادة دول العالم في مقر إقامته وحكومته، وتنقل وسائل إعلامهِ اخبارهِ وتحركاته بين مقرّاته ومكاتبه ومحل سُكناه، ويصرّح بتصريحات إخبارية حول ما يجري في (وطنه) فلسطين وكانه يعيش في جزر الباهاما أو جزر سورينام اللاتينية، وكأن من يقتلوا ويهجروا وتتمزق اشلائهم من الفلسطينيين في قطاع غزة ومدن الضفّة الغربية لا تربطهم به، لا رابطة الدم والعِرق والإنسانية وليس فلسطينيين يفترض له أن يكون هو من يمثلهم (كرئيس)، وكأنه لا يشاهد الملايين من حول العالم يتظاهرون من أستراليا وجاكرتا شرقاً وحتى مدن الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية، يخرجون وينددون بالهمجية الصارخة لآلة القتل الصهيوني ضد الفلسطينيين الأبرياء، هؤلاء الملايين من العرب والمسلمين والأجانب يتضامنون ويبكون ألم وحسره على ما يتعرض له الفلسطينيون في كل ساعة عدوان إسرائيلي همجي، عجباً من هؤلاء الكائنات شبه الآدمية والحقيرة الذين يتغافلون ويهملون مسؤولياتهم وواجباتهم القانونية والدينية والأخلاقية والإنسانية تجاه مواطنيهم، وتحت مبررات واهيه وتافهة وساقطه أمام تناثر أشلاء أجساد الأطفال الطاهرة وازهاق أرواح عشرات الآلاف من أهلنا في فلسطين، والله إنه عيب أسود يَلف جباههم الملطّخة بالعار والهزيمة والسقوط من اليوم إلى يوم القيامة، هكذا سيسجّل التاريخ الحي على صفحاتهِ مواقفه المشينة.
سادساً : كل الشكر والتقدير والإمتنان من أرواح وأنفس فلسطين المجاهدة العظيمة والعرب الأحرار وأحرار العالم الإسلامي وكل أحرار العالم أجمع والذي يقف على رأس هؤلاء مواقف الدول والحكومات التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية والتجارية والثقافية مع الكيان الإسرائيلي الصهيوني المجرم، وهم كوبا الإشتراكية، وفنزويلا البطلة، وجنوب أفريقيا الحرّة والعديد من البلدان الأفريقية واللاتينية، وجمهورية إيرلندا الديمقراطية، وسيلعن التاريخ والبشرية بعمومها مواقف الدول العربية والإسلامية المتصالحين والمطبعين مع الكيان الإسرائيلي الصهيوني.
سابعاً: بعد مرور كل تلك الأيام والليالي السوداء من زمن عدوان بني صهيون اللعين على قطاع غزة والضفة الغربية نلاحظ ويلاحظ معي المراقبين بأن معنويات أهلنا في فلسطين النفسية والإنسانية والمقاومة للاحتلال الصهيوني، هي معنويات عالية حد عنان السماء، نشاهد ونتابع العديد من القنوات الفضائية العربية الحرة والإسلامية الملتزمة والعالمية اللبرالية، نشاهد مدى صلابة وقوّة الإنسان الفلسطيني ومساندتهم لأبطال المقاومة الفلسطينية من حماس والجهاد وأبو علي والديمقراطية ومن أحرار فتح وغيرهم الآلاف من المجاهدين الفدائيين الأبطال، هذه الروح العالية والمتمسكة بقضية التحرير لأرض فلسطين من الاستعمار الصهيوني الاستيطاني هي الضمانة الأصيلة لمواصلة التحرير بالإرادة القوية والسلاح المؤمن بقضيته والتضامن الأكيد من محور المقاومة الصلب.
الخلاصة:
ستظل القضية الفلسطينية بكل أبعادها الإنسانية والمادية والروحية هي قضية العرب الأحرار والمسلمين الأخيار والإنسانية الأحرار الأطهار، هي القضية المركزية دونما أن تنازعها قضية أخرى في العالم، ودون أن تنازعها في التفكير والإهتمام والتناول السياسي والفلسفي والفكري والثقافي والأخلاقي، لأنها قضية مظلومية شعب عظيم في أرض مقدّسة هي [القدس الشريف] والأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى ومعراج رسولنا الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم، وأرض كنيسة القيامة مولد ومهبط النبي عيسى ابن مريم عليه أفضل الصلاة والسلام، أمام كل هذه القداسة الطاهرة للأرض والإنسان الفلسطيني الذي تم ظلمه وتهجيره وطرده ومحاولة قهره على مدى خمسة وسبعين عام من يوم النكبة العربية، ولأنها قضية آخر نظام إستعماري إستيطاني وعنصري قذر في العالم أجمع .
من هنا تتميز عظمة القضية الفلسطينية أرض وإنسان وتراث روحي موغّل في التاريخ والوجدان العربي والإسلامي والإنساني، وإن النصر المظفّر لا محالة هو للشعب الفلسطيني صاحب الأرض المقدّسة والتاريخ الرفيع.
[وَفَوُقَ كُلّ ذِيْ عِلْمٍ عَلِيمٌ]
*رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال في الجمهورية اليمنية / صنعاء