السياسية || محمد محسن الجوهري

 

لأول مرة، ومنذ نحو 400 عام، يتم استغلال موقع اليمن الجغرافي لنصرة قضايا الأمة الرئيسية، ما يعني أن المنطقة، والعالم برمته، على أعتاب مرحلة زمنية جديدة، تنتهي فيها هيمنة الصهيونية العالمية على منافذ البلاد العربية.
يشهد التاريخ الحديث لباب المندب أن اليمنيين لم ينجحوا في فرض هيمنتهم على الممر البحري إلا على فترات زمنية قصيرة، لم يكتب لها الاستمرار بسبب ضعف السلطة المركزية، وخضوعها لهيمنة القوى الإقليمية، لا سيما في الرياض، أبرز حلفاء الغرب في المنطقة.
ففي 11 يونيو 1971، نجحت مجموعة فلسطينية مقاتلة في استهداف سفينة “كورال سي” الإسرائيلية وهي تحمل نحو 70 ألف طن من النفط، أثناء عبورها للمياه الإقليمية اليمنية قرب باب المندب.
انطلق المجاهدون الفلسطينيون في عمليتهم تلك على متن قارب “لنش” من ساحل المخا، جنوبي اليمن الشمالي سابقاً، وعادوا إلى المنطقة نفسها بعد نجاح المَهَمَّة.
أدرك اليهود أهمية تواجدهم في جنوب البحر الأحمر، وبدأوا على الفور في تنفيذ مخططهم للهيمنة على المنطقة، وعبر حلفائهم في الرياض، والذي تكلل بالنجاح أواخر العام 1977 باغتيال الرئيس اليمني في حينها، الشهيد إبراهيم الحمدي.
وبمقتل الأخير ووصول نائبه أحمد الغشمي للسلطة، ومن بعده علي عبدالله صالح، خلت سواحل اليمن من أي أنشطة معادية لإسرائيل، وعادت المنطقة إلى مرحلة أقرب ما تكون إلى فترة الاحتلال البريطاني.
الأدهى من ذلك، مصادقة اليمن سنة 1984 على اتفاقية “مونتيغوباي 82” التي تحد من سيطرة اليمن على مضيق باب المندب لكونه ممر مائي طبيعي، رغم التحذيرات العراقية آنذاك، ما يؤكد تواطؤ الأنظمة السابقة مع مطامع الخارج على حساب المصالح الوطنية والقومية.
مؤخراً مع اندلاع العدوان الخارجي على اليمن، ركزت السعودية وحلفاؤها على أهمية الساحل الغربي وباب المندب فشنوا حملة عسكرية واسعة، بإشراف غربي وإسرائيلي معلن، لحرمان اليمن من ممارسة حقه في إدارة مياهه الإقليمية، ولضمان حركة السفن الإسرائيلية بسلام.
إلا أن تلك الحملة، رغم ضخامتها، لم تحل دون تمكن اليمن من القيام بدور قومي مشرف لصالح القضية الفلسطينية، وقد تجلى ذلك في احتجاز أول سفينة إسرائيلية بتاريخ 19 نوفمبر 2023، دعماً لصمود المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
ومن الواضح أن باب المندب خلال المرحلة القادمة سيكون يمنياً بامتياز، وسيخلو من أي هيمنة خارجية طالما واليمن يمتلك القرار والقوة لفعل ذلك، وهي مرحلة طال انتظارها من قبل اليمنيين وسائر شرفاء الأمة، خاصة في فلسطين.

* المقالة تعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع