السياسية:

مع اشتداد جرائم الكيان الصهيوني في قطاع غزة ومحاولة اجتياح هذه المنطقة براً، يبدو أن نطاق الحرب لا يقتصر على الأراضي المحتلة، بل اتخذ أبعاداً إقليميةً.

بعد هجمات حزب الله اللبناني على مواقع الصهاينة في الأراضي المحتلة، وهجمات الجماعات العراقية على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا، فتح اليمن جبهةً ثالثةً ضد الكيان الصهيوني.

حركة أنصار الله اليمنية، التي كانت دائماً المدافعة عن الشعب الفلسطيني المظلوم، وأعلنت استعدادها لتحرير الأراضي المحتلة، دخلت رسمياً هذه المعركة للدفاع عن الفلسطينيين ضد الاحتلال الصهيوني مع بدء الحرب في غزة.

ورداً على عدوان الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة، أصدرت القوات المسلحة اليمنية، الثلاثاء الماضي، بياناً أعلنت فيه هجوماً صاروخياً على مواقع الكيان الصهيوني.

وأعلن المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية يحيى سريع في هذا البيان: “أطلقنا عدداً كبيراً من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، وعدداً كبيراً من الطائرات دون طيار على أهداف مختلفة للعدو الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة”.

وجاء في هذا البيان “إننا نؤكد على أن هذه العملية هي العملية الثالثة لنصرة إخواننا المضطهدين في فلسطين، وسنواصل تنفيذ هجمات أكثر دقةً بالصواريخ والطائرات دون طيار حتى يتوقف عدوان الكيان الإسرائيلي”.

وأكد يحيى سريع: “أن موقف الشعب اليمني تجاه قضية فلسطين ثابت ومبدئي، ومن حق الشعب الفلسطيني الدفاع عن نفسه واستخدام حقوقه كاملة، کما أن الغزو الإسرائيلي لغزة يتم بدعم من أمريكا وتواطؤ بعض الأنظمة، وقواتنا أدت واجبها في دعم غزة، وأطلقت الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز على أهداف العدو في الأراضي المحتلة”.

ويأتي هذا الهجوم الصاروخي فيما سبق أن أعلن البنتاغون أنه اعترض عدة صواريخ متجهة إلى الأراضي المحتلة في البحر الأحمر، وزعم أنها أطلقت على الأرجح من اليمن.

وفي الأسابيع الأخيرة، حذرت قيادات أنصار الله مراراً وتكراراً من مغامرات الكيان الصهيوني، وأنه إذا استمر في جرائمه، فإنهم سيدافعون أيضاً عن الفلسطينيين وفقاً لواجبهم الشرعي.

وقال عبد الملك بدر الدين الحوثي، زعيم جماعة أنصار الله، في خطابه الأخير، إن اليمن مستعد لحشد مئات الآلاف من الأشخاص للقتال إلى جانب الفلسطينيين، وحذّر من عواقب الإبادة الجماعية في غزة.

وأعلن محمد علي الحوثي، العضو البارز في المجلس السياسي الأعلى اليمني، الأسبوع الماضي، أن صنعاء تراقب عن كثب الوضع الراهن والتطورات في فلسطين المحتلة وغزة، ولن تقف مكتوفة الأيدي في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة.

وأكد محمد البخيتي، عضو المكتب السياسي لأنصار الله، الأربعاء الماضي، استعداد صنعاء لتوسيع نطاق هذه المواجهة، وقال إن أمامهم خيارات كثيرة في مواجهة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة.

لقد توصل قادة صنعاء، كغيرهم من فصائل المقاومة في المنطقة، إلى ضرورة وقف وحشية تل أبيب في فلسطين المحتلة، والإخفاق في هذا الأمر سيجعل الكيان أكثر غطرسةً، وهم ينتظرون أوامر غرفة العمليات المشتركة للمقاومة بالدخول في حرب واسعة النطاق ضد الكيان الصهيوني في حال اتخاذ القرار النهائي، وحسب الخبراء فإن كلمة السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله في لبنان، يوم الجمعة الماضي، مهمة لأنها رسمت خطةً لمواجهة الكيان.

وبما أن اليمنيين يعتبرون الكيان الإسرائيلي شريكاً في جرائم التحالف السعودي في بلادهم، فهم أكثر تضرراً من شعوب أخرى في المنطقة من هذا الكيان ، ويبحثون عن فرصة للرد على الصهاينة.

إن دخول صنعاء رسمياً في حرب غزة سوف يربك الكيان الإسرائيلي، الذي يركز اهتمامه على الغزو البري لغزة، علاوةً على ذلك، هناك مخاوف من دخول حزب الله والحشد الشعبي إلى المعادلات الميدانية، ما سيجعل عمل الصهاينة أكثر صعوبةً بكثير.

مكانة فلسطين في الفكر الديني والأيديولوجية السياسية لأنصار الله

فيما يتعلق بالمجال العقائدي والديني لأنصار الله، في الاهتمام بالشعائر مثل مناهضة الاستكبار ونصرة المظلوم والنهي عن المنكر، وكذلك الشروط التي تضعها للإمام بأنه يجب أن يكون من أبناء السيدة فاطمة (عليها السلام)، وأن يكون عادلاً، وأن يقوم بالسيف، وأن يحارب الاحتلال والاستكبار، فإن خطاب هذه الحرکة يتضمن دعم نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال والغطرسة.

كما أنه مع تأسيس “تنظيم الشباب المؤمن” بقيادة السيد حسين بدر الدين الحوثي منتصف التسعينيات، أصبح شعار دعم المقاومة الإسلامية الفلسطينية أحد الاهتمامات السياسية لهذه الحركة الناشئة.

حاليًا، تعتبر أنصار الله، كحركة دينية سياسية لها وجهات نظرها الأيديولوجية، جزءًا من خطاب المقاومة في المنطقة، ولهذه الحركة تقارب مهم مع جبهة محور المقاومة وأطرها الأيديولوجية والسياسية.

ومن حيث الانتماء إلى المذهب الزيدي، فإن أنصار الله قريبون بشكل أساسي من الشيعة، لكن النقطة الأهم هي التأثر الأيديولوجي والسياسي لهذه الحركة من الثورة الإسلامية في إيران.

وتظهر شعارات أنصار الله الخمسة (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، النصر للإسلام) مدى التقارب الجاد لهذه الحركة من أهداف وشعارات خطاب المقاومة الإسلامية.

وفي مجال العمل أيضًا، إضافة إلى الارتباط الفكري السياسي والموضوعي، تبدي هذه الحركة سلوكيات تتناسب مع إطار الأهداف والخطط الإقليمية لمحور المقاومة، واعتبر كثيرون ارتباط أنصار الله بخطاب المقاومة، بمثابة ظهور حزب الله جديد في مجال التطورات الإقليمية.

في العقود الماضية، كان حزب الله اللبناني أهم حركة إسلامية نتجت عن الثورة الإسلامية في إيران، والتي أدت إلى تغييرات استراتيجية في المعادلات الإقليمية والصراعات العربية مع الكيان الصهيوني، وتعتبر حركة أنصار الله أحدث هذه الحركات، والتي تتمتع بقدرات مهمة على تعزيز هدف إنهاء احتلال فلسطين والتدمير الكامل للكيان الصهيوني.

وعلى عكس الحكام العرب المتصالحين الذين أداروا ظهورهم لقضية القدس في السنوات الأخيرة، بانضمامهم إلى مشروع تطبيع العلاقات مع تل أبيب، وأغمضوا أعينهم عن جرائم الصهاينة في غزة والضفة الغربية، لكن جماعة أنصار الله في اليمن لم تدر ظهرها للفلسطينيين قط، بل دعمت على الدوام نضال إخوانها في الأراضي المحتلة.

وعلى الرغم من المسافة الجغرافية، فمن الواضح أن الرابط بين اليمن وفلسطين غير قابل للكسر؛ لدرجة أنه تجاوز الحدود الجغرافية، ولذلك، يمكن حالياً ذكر اليمن كأحد أقوى أطراف محور المقاومة، وهذه القضية نجدها في مواقف اليمنيين؛ وهي مواقف واضحة ومؤيدة لمحور المقاومة، وخاصةً قضية فلسطين.

وحتى في خضم أزمتهم، لم ينس اليمنيون الفلسطينيين، ومن خلال تنظيم احتجاجات ضخمة مناهضة للصهيونية في السنوات الأخيرة، أظهروا مدى أهمية قضية القدس بالنسبة لهم.

وفي مايو 2021، قال زعيم أنصار الله: “إن شعب اليمن لن ينسى قضية القدس وقضية تحرير القدس، إن شعبنا يعتبر العدو الإسرائيلي خطراً على الأمة بأسرها، وعلی الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي، “إسرائيل” كيان غاصب لا شرعية له، وورم سرطاني يجب استئصاله”.

وأشار عبد الملك الحوثي إلى الصراع الدائر بين الشباب الفلسطيني والصهاينة في باحات المسجد الأقصى، وأشاد بعملهم وخاطب السلطات الصهيونية قائلاً: “أنتم الآن في أزمة كبيرة، وأولئك الذين يثقون بالله ويسيرون بصدق في طريق الله، سيقومون بمواجهتكم”.

كما أدان مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى اليمني، اعتداءات الصهاينة على المسجد الأقصى وضربهم للمصلين الفلسطينيين في إبريل من العام الجاري، وأكد: “أن دعم اليمن للشعب الفلسطيني ووقوفه إلى جانب أبناء الأمة الأحرار، هو موقف مبدئي وإنساني وسياسي وديني وغير قابل للتغيير، وعلى الرغم من الوضع الحالي في اليمن، إلا أننا حريصون على لعب دور فعال وعملي من أجل تحرير فلسطين”.

وقال أبو الفتح الجنيد، أحد كبار أعضاء أنصار الله، في كلمة ألقاها العام الماضي: “نحن في اليمن ندعم فلسطين بكل ما أوتينا من قوة، وفي السنوات العشر الماضية واجهنا العدوان السعودي والإسرائيلي والأمريكي ونواجه مذبحة، ومع كل هذه التطورات نحن ندعم فلسطين والنصر لنا إن شاء الله”.

بهذه المواقف الداعمة لقادة صنعاء لفلسطين، يمكن القول إن اليمنيين مستمرون في دعم إخوانهم في فلسطين دون أي خوف من تحذيرات السلطات الصهيونية والأمريكية، وإذا خرجت أوضاع التوتر في المنطقة عن السيطرة، فإنها يمكن أن تتحمل جزءاً من واجبات محور المقاومة، وتلحق أضراراً جسيمةً بالكيان الإسرائيلي وداعميه في المنطقة.

قدرات أنصار الله وتجربة حرب السنوات التسع

تحذيرات قيادات أنصار الله للتعامل مع وحشية الكيان الصهيوني، تعتمد على القدرات العسكرية التي حققتها في مجال الصواريخ والطائرات المسيرة، وحتى مؤخراً في المجال البحري، رغم الحصار الاقتصادي والعقوبات القاسية.

لقد عززت جماعة أنصار الله قدراتها القتالية منذ بدء حرب اليمن في عام 2014، من الصواريخ الباليستية إلى الطائرات دون طيار، وقد استخدمت مراراً وتكراراً الصواريخ الباليستية لاستهداف مواقع في عمق السعودية والإمارات، ويمكنهم أيضاً استخدام القوة الصاروخية لمهاجمة الأراضي المحتلة.

في عام 2018، قال توفيق الحميري، عضو لجنة أنصار الله الثورية، في حوار مع سبوتنيك حول قوة صنعاء الصاروخية: “معظم الصواريخ التي أطلقت في الحرب مع التحالف السعودي استهدفت المناطق المشتركة بين الولايات المتحدة والسعودية، بما في ذلك شركة أرامكو. وعندما يتحدث زعيمنا عن قصف ما بعد الرياض فهو يقصد إسرائيل، وقد قمنا بتحديث صواريخنا، وعلى الإسرائيليين أن يتأكدوا من أن صواريخنا ستصل إليهم”.

وفي العامين الأخيرين، أظهرت أنصار الله قوتها للأعداء من خلال إجراء تدريبات عسكرية كبيرة والكشف عن أسلحتها الجديدة، ولا يمانعون في اختبار القوة التدميرية لهذه الأسلحة في الأراضي المحتلة.

يمكن للصواريخ اليمنية، والتي يبلغ مداها 2000 كيلومتر، أن تستهدف الأراضي المحتلة بسهولة، وهو ما أثار قلق الصهاينة، وخلال تسع سنوات من الحرب، أصبحت أنصار الله أكثر استعداداً من غيرهم للدخول في صراعات إقليمية، من خلال اكتسابهم خبرةً واسعةً في الميدان.

وبسبب الأوضاع المعيشية الصعبة في السنوات الأخيرة، لا يخشى اليمنيون من صراع محتمل مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، وقد ذكر كبار المسؤولين في صنعاء مراراً وتكراراً أنهم مستعدون لأي سيناريو ضد الأعداء.

وفي العام الماضي، في خضم التوترات بين حزب الله والكيان الإسرائيلي بشأن حقل “كاريش” للغاز، أعلنت صحيفة هآرتس في تقرير لها أنه رغم أن احتمال الدخول في صراع مع حزب الله أمر مرعب في الوقت الحالي، إلا أن التهديد الأكبر هو القوة العسكرية المتنامية لأنصار الله، والتي يمكن أن تسبب الكثير من الضرر لـ”إسرائيل” في المستقبل.

موقع صنعاء الاستراتيجي للسيطرة على باب المندب

إضافة إلى القدرات العسكرية، فإن الموقع الاستراتيجي لليمن يسمح أيضًا لأنصار الله بإلحاق أضرار كبيرة بالكيان الصهيوني والولايات المتحدة.

وتمنح سيطرة صنعاء على مضيق باب المندب الاستراتيجي، وهو أحد طرق التجارة البحرية المهمة، موقعاً جيداً لأنصار الله لاستهداف السفن التجارية الإسرائيلية المتجهة إلى شرق آسيا.

وحسب الإحصائيات، فإن 50% من تجارة الكيان الصهيوني مع العالم الخارجي، تتم عبر البحر الأحمر مروراً بباب المندب. وبمعنى آخر، يعتبر هذا الطريق البحري شرياناً حيوياً لاقتصاد هذا الكيان، وإذا تم تعطيل هذا الطريق فإن الصهاينة سيكونون في وضع سيء اقتصادياً.

ولهذا السبب، نشرت أمريكا 3500 جندي من القوات العسكرية في البحر الأحمر في الأشهر الأخيرة، للدفاع عن أمن الشحن الدولي ضد التهديدات المزعومة من إيران وأنصار الله.

لذلك، مع قطع عائدات التجارة الإسرائيلية عبر البحر الأحمر وعدم وجود طريق بديل، سيكون من الصعب على تل أبيب مواصلة قتال الفصائل الفلسطينية دون دعم اقتصادي، إذا طال أمد الحرب في غزة.

کما أنه بعد مرور أسبوعين على بدء الغارات الجوية على غزة، طلبت تل أبيب مساعدات بقيمة 10 مليارات دولار من الولايات المتحدة، ما يدل على أنها ستواجه تحديات خطيرة في المستقبل إذا استمر الصراع، ولذلك، تحاول الولايات المتحدة تخصيص 14 مليار دولار لمساعدة الصهاينة حتى لا يواجهوا أزمةً في مواجهة فصائل المقاومة.

أظهرت هجمات أنصار الله بالصواريخ والطائرات المسيرة على الأراضي المحتلة، أن عصر “اضرب واهرب” قد انتهى بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي، ونظراً لقوة الردع التي يتمتع بها محور المقاومة، فلا يوجد الآن مكان آمن في المنطقة للصهاينة، وإذا استمرت جرائم الكيان الإسرائيلي في غزة، فإنه سيتلقى ضربات موجعة من مختلف أذرع المقاومة.

* المصدر: موقع الوقت التحليلي

* المادة نقلت حرفيا من المصدر