بقلم : رباب تقي*

 

بعد ١٨ يوماً على بداية معركة طوفان الأقصى.. اختار الأمين العام لحزب الله سماحة السّيد حسن نصر الله أن يطلّ على جمهوره المشتاق بطريقة مختلفة. فالحدث استراتيجيٌ ضخم زلزل وهم القبّة الحديديّة لدى المحتلّ، والمعركة تتواصل بين مجاهدي المقاومة الإسلامية والعدو الاسرائيلي على الحدود اللّبنانية الفلسطينية.
لم تكن الإطلالة اتصالاً مباشراً يكشف عن مفاجأة عسكريّة بحريّة كانت كما التي وقعت في حرب تموز ٢٠٠٦ “أنظروا إليها تحترق وستغرق ومعها عشرات الجنود الاسرائيليّين الصّهاينة”، ولا حتى برّيّة أو جويّة.. كما أنّها لم تكن إطلالة عبر شاشة تنقل خطاباً فيه من التّحليل السياسي والعسكري ما يوضح مسار المعركة “نحن جيش وشعب ومقاومة، صنعنا أمننا في الجنوب والبقاع ولبنان بأيدينا وتحمّلنا أعباء أن يكون لبنان واحة أمن وسلام ولن نسمح بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء أو أن يصبح لبنان مستهدفاً وهذا الأمر بالنسبة إلينا خط أحمر”. كذلك، كانت بعيدة كلّ البعد عن محتوى الخطاب الجماهيري الذي قد يحمل وعداً بنصر جديد، أو تهديداً للعدو : “أقول لهذا العدو بالدليل والبرهان أنتم أيضًا سيتم إعادتكم الى العصر الحجري اذا ذهبتم الى الحرب مع لبنان”.

رغم احتدام المعركة، لم يطلّ السّيد إذاً بالصوت ولا حتى بالصورة.. لا الكترونيّاً ولا حضوريّاً؛ بل برسالة خطّها بيده بخطّ مرسوم ولون أسود وجمل متناسقة مع أن الصّفحة لم تكن مسطّرة.
بخطّ اليد كانت الرسالة وليست مطبوعة.. كتبت بحبر قلم كانت أمنيته الوحيدة أن لا يترك تلك اليد الشّريفة التي تتزيّن بخاتم طاهر.. اليد التي بإصبعها السّبّابة ترعب العدوّ وتطمئن الصّديق، اليد التي شرحت كيف ستبدأ نعوش الجنود والضّباط الأميركيين، بالعودة أفقيّاً إلى الولايات المتحدة.
رسالةٌ رافقها في اليوم نفسه صورة تجمعه مع الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد نخالة ونائب ‏رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، ضمن خبر ينقل زيارتهما إلى سماحته.
وطبعاً، للزيارة دلالات مهمّة وكذلك للصورة والتوقيت والحيثيّات تشمل معركة وحدة الساحات ورسالة أن التّنسيق جار بين الفصائل الفلسطينية والمقاومة الإسلاميّة.. وهذا مبحث آخر. الصّورة المرفقة بخبر الزيارة لم تأخذ حيّزاً إعلاميّاً كالذي فعلته رسالة الأمين العام.

هي رسالة من ١٢٨ كلمة مع احتساب أحرف الجر والأرقام والتّاريخ والتوقيع الشّريف.. فكل حرف فيها عبارة عن ساعات تفكير وتوجيه وخطط واستراتيجيّات ومعادلات.. عدت عدّ الكلمات مراراً وتكراراً، في كلّ مرّة يقع الخطأ.. فتارةً يُصَوَّب النّظر على “ميركافا” مدمّرة، وأخرى تجنح العين إلى “كورنيت” استهدف موقعاً معادياً.. فأعيد وأعيد العدّ ورغم أنّ العدد ليس بكثير لكنّه كان مربكاً.. إذ إنّ الخوف من نسيان حرف عطف قد يكون كارثة، كيف لا، والكاتب هذه المرّة من نسل الزّهراء ومن أرض الشهداء، من مَن يفرض المعادلات بصدقه ومن يحقّق الانتصارات التي بدأ زمنها.

رغم مرور أكثر من أسبوعين على الحرب، وفي ظلّ مطالبات محليّة وعربيّة وشعبية وغربية بضرورة ظهوره، واستغراب الكثيرين من عدم اطلالاته في هذا الوقت العصيب، اختار سماحة الأمين العام أن يظهر لهم عبر خطّه الرّزين. إلّا أنّ كلامه كان موجّهاً إلى الوحدات والمؤسّسات الإعلامية في حزب الله، بتوصية الإعلان عن شهداء المعركة بشهداء “على طريق القدس”، واصفاً عائلات الشهداء ب “الشّريفة”.

رسالة بمضامينها اعتدنا أن نتلقّاها من العلاقات الإعلامية في حزب الله عبر بيانات الكترونية تُنشر وتُوزّع كما جرت العادة؛ خصوصاً إذا كان طابعها صحافي إعلامي مهني. لكن هذه المرّة البيان الإعلامي لم يكن بياناً بالمطلق، ولم يكن طابعه الكترونياً، ولا من قبل قسم العلاقات الذي تبنّى حتى التنسيق والدّعوة لمناورة الحزب الأخيرة في معسكر عرمتى – ‏كسارة العروش بتاريخ 21 أيار 2023م.

كانت التوصية من قبل سماحة الأمين العام لحزب الله حفظه الله شخصيّاً ورسميّاً.. ولهذا الأمر دلالات كبيرة.. لم يخرج السّيد بتصريح إعلامي، ولا برسالة عسكرية أو حتى سياسية، بل برسالة إعلامية تكشف حجم أهمية هذا العمل وتأثيره في المعارك والحروب وكذلك أهمية اختيار المفردات والتّسميات في مثل هكذا أوقات دقيقة. لكن في نفس الوقت، ربطها الأمين بهويّة التضحيات على حدودنا اللبنانية الفلسطينية فطلب إطلاق تسمية “على طريق القدس” على كل شهيد ارتقى أو يرتقي أو سيرتقي في هذه المعركة. وهنا دلالة أخرى أيضاً على احتماليّة استمرار المعركة وتقديم التضحيات والشهداء في سبيل الله. وأوصى سماحة السّيد أن تبقى هذه التسمية حتى في ذكراهم السنوية، وهنا ملاحظة دقيقة على أن هذه التسمية لهؤلاء الشهداء يجب أن تُحفر وتُركَّز في الذّاكرة.

أعاد الأمين هذه التسمية مرّتين في رسالته ما يؤكّد على ضرورتها، ويكشف جليّاً أن المعركة ليست مرتبطة بزمان أو تاريخ معين ك “حرب تموز ٢٠٠٦”، أو ” تحرير عام ٢٠٠٠”، وليس مرتبطاً بمكان، كمعركة “القصير” .. هذه المرّة المعركة مختلفة بكلّ مقاييسها.. هي على طريق القدس.. هي على الطريق.. سائرة وغير محدّدة بزمن.. حتى ولو كان شهداؤها الأبرار يرتقون على الحدود.. لكنهم وكما يؤكد سماحة السيد على طريق القدس.

 

  • كاتبة وإعلامية لبنانية
  •  المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع