هكذا تحطّمت أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر”
فاطمة سلامة*
تكفي النظرة في الصور التي تلتقطها “عدسات” الكاميرا لاجتماع مجلس الحرب “الصهيوني” لاستطلاع حجم “ورطة” جيش الاحتلال.
وجوهٌ مكفهرّة لكبار القادة الأمنيين، خائبة، ترهقها قترة وذلّة. نكسة ونكبة كبيرتان أصابتا هيبة الجيش الذي قيل عنه في يوم من الأيام إنه “لا يُقهر”.
الجيش الذي كان جنوده يذهبون للقتال كمن يسير الى نزهة، بات القتل والموت في انتظار جنوده أينما حلّوا. وعليه، فالميدان أطاح بكل الدراسات التي سبق وصنّفت الجيش “الصهيوني” في لائحة أقوى الجيوش في العالم. ما قبل عام 2000 صُنّف الجيش “الصهيوني” في قائمة أول ثمانية جيوش في العالم، متقدمًا بذلك على بعض الدول الأوروبية، ليبدأ بعد ذلك بالتراجع تدريجيًا، ويُسجّل عام 2023، ضمن أقوى 18 جيشًا في العالم، وفقًا لإحصائيات موقع “غلوبال فايرباور” الأميركي.
إلا أنّ كل تلك التصنيفات باتت اليوم من الماضي. الصدمة التي عاشها الجيش الصهيوني في “أكتوبر 2023” لم يعشها منذ هزيمته في “أكتوبر 1973″، لتُحوّل معركة “طوفان الأقصى” كل النفقات التي صُرفت على ما سُمي بالأغراض الدفاعية هباء منثورًا. ولمن لا يعلم، تتجاوز ميزانية “الدفاع” (الحرب) لكيان العدو الـ24 مليار دولار سنويًا، بمساعدة ومؤازرة من الولايات المتحدة الأميركية. إلا أنّ كل تلك الطاقة التسليحية باتت عاجزة عن جلب النصر طالما الحالة النفسية للجنود في الأرض. الواقع الذي يطرح السؤال التالي: كيف تحوّل الجيش الصهيوني من جيش لا يُقهر الى جيش يُقاوَم ويُحارَب ويتلقّى الهزائم؟.
العميد الركن والخبير العسكري الدكتور أمين حطيط يجيب عن السؤال بالإشارة الى أنّ المقاربة تستند إلى عنوانين رئيسيين؛ القدرة العسكرية للجيش الصهيوني، والتنظيم والتماسك.
في العنوان الأول، أي القدرة العسكرية، يؤخذ بعين الاعتبار ثلاثة عوامل:
أولًا -العامل البشري لجهة مستوى الطاقة البشرية للتجنيد، في هذه النقطة لا يُخفي حطيط أنّ وضع الكيان اليوم أفضل من قبل. في السابق كان يستند إلى مصدر من ثلاثة ملايين يهودي، أما اليوم فيتكل على مصدر من خمسة ملايين، ما يعني أنّ طاقة الإنتاج من الطاقة البشرية ازدادت، وطاقته على التسلح أيضًا.
ثانيًا- العامل المادي لجهة امتلاكه طاقة تسليحية، أي طاقة بالوصول الى سوق السلاح، ونوعيته ومستواه. وفي هذه النقطة، يلفت حطيط الى أنّ الجيش الصهيوني دائمًا ما يصل الى المستوى الأعلى من الأسلحة.
هكذا تحطّمت أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر”
ثالثًا- العامل المعنوي، وهنا بيت القصيد، وسر فشل الجيش الصهيوني. يوضح حطيط أنّ هذه النقطة مهمة جدًا وتتعلّق بالعقيدة التي يقاتل لأجلها أي جندي، وكم لديه من استعداد للتضحية وإرادة قتال وثقة بالنفس، وكيفية تصوره للخصم. وهنا يُدرج حطيط جملة نقاط تبيّن المستوى المتدني جدًا للعامل النفسي والمعنوي لدى جنود جيش العدو:
1 – ثمة تراجع في نظرة جيش الاحتلال للخصم. في السابق كانت نظرته للخصم استعلائية، لم يكن يكترث أو يعترف أصلًا بأنّ الخصم لديه قوة، فكان يستعلي ويذهب الى الميدان مشحونًا بالقوة الرادعة. الهيبة مع قوة الردع كانت تضع النظرة للخصم في موقع التنفيذ، فكان العدو يقتنع أنه لمجرد ذكر اسمه سيمتنع الخصم عن مواجهته. وفق حطيط، هذه النقطة الأساسية والمحورية كسرتها المقاومة.
أول وأخطر أمر فعلته المقاومة هو المس بهيبة الجندي الإسرائيلي وتحويله من جندي لا يقاوَم الى جندي يواجَه ويخسر.
برزت هذه المسألة جلية للمرة الأولى عام 1973 عندما هُزمت “إسرائيل” أمام الجيوش العربية، ليعود التوازن للاحتلال بالعمليات العسكرية اللاحقة. ولكن هذه النظرة كُسرت ولم تجبر في لبنان عام 2000 هجوميًا، وفي عام 2006 دفاعيًا. وعليه، فإنّ فكرة أن الجندي الصهيوني لا يواجَه ودائمًا ما ينتصر كُسرت في لبنان.
2 – الثقة بالنفس، الصهيوني عندما بات يواجه عدوًا يغلبه تتزعزع ثقته بنفسه.
3- إرادة القتال. في السابق، لم يكن هذا العامل يسبّب مشكلة لأن الصهيوني كان يذهب للقتال كمن يذهب لقطف الورد من الحديقة ثم يعود. عندما فُرض القتال على الجندي الصهيوني وهو لا يملك إرادة قتال تراجعت قوته العسكرية. وفق حطيط، إرادة القتال لم تتغيّر اليوم. في الأساس، لا وجود لإرادة قتال لدى الصهيوني، ولكن في السابق لم يكن القتال يُفرض عليه، كان كمن يذهب في نزهة.
مثال، في لبنان كان لدى الجيش الصهيوني مقولة “نحتل لبنان بفرقة موسيقية”،. بمعنى، لا لزوم للقتال، وبما أنه لا لزوم للقتال فلا لزوم لإرادة القتال المحورية في المعركة. على سبيل المثال، في إحدى السنوات وصلت الدبابة الصهيونية الى الزهراني جنوب لبنان دون أن تضطر لأن تُطلق طلقة واحدة، والسبب عدم وجود أحد يواجهها.
بينما عام 2006 فتح الصهاينة ثغرة في بنت جبيل ليهرب منها المقاومون، فانصدم جيش الاحتلال بأنّه وبدل أن يهرب المحاصرون دخل إمداد من الخارج وكُسر الحصار وفشل، وكانت أكبر هزيمة لهذا الجيش الذي لم يتمكّن من التقدم.
يلفت حطيط الى أنّ إرادة القتال فُرضت على الصهيوني، وبما أنّه أحرص الناس على حياة، ولا إرادة قتال لديه، ولا يحب الموت، تراجعت معنوياته وقدرته القتالية، وتزعزعت ثقته بنفسه. وهنا، عندما تنتفي المعنويات وإرادة القتال لا ينفع السلاح المتطوّر ولا ينفع التنظيم المتماسك. كل هذه الأمور فضحتها المقاومة. لذلك، سُجلت في الجيش الصهيوني حالات بالطب النفسي، حالات الامتناع عن الذهاب لمعسكرات التدريب، حالات الفراغ من الخطوط الأمامية، وحالات رفض الالتحاق بالجبهة. هذه العينات والحالات بدأت منذ سنوات، ولكنها باتت أكثر اليوم عندما بات “الوطيس” حاميًا.
يستشهد حطيط بمثل شعبي يقول: “حِب الموت بيكرهو غيرك”. هذا ما يبدو واضحًا ــ بنظره ــ بين الجيش الصهيوني والمقاومة. المقاومة الإسلامية على سبيل المثال تؤمن بعقيدة “القتال نصر أو شهادة”، بينما مسألة الشهادة غير مطروحة لدى اليهودي الحريص على حياته.
أمام ما سبق، يشدّد حطيط على أنّه عندما يكون هناك جيشان؛ أول متفوق معنويًا بإرادة القتال وثان لا يمتلكها، يكون النصر حتمًا للأول بصرف النظر عن القدرات العسكرية. وفق قناعاته، السلاح بيد من لا يريد استعماله ثقلُ حديد ليس إلا، بينما “الحديدة” بيد من يريد أن يستعملها هي سلاح قاطع.
زعزعة الثقة بالنفس وانتفاء إرادة القتال حوّلت الجيش الصهيوني الى جيش يُهزم، ما أثّر بطبيعة الحال على العنوان الثاني المتعلّق بالتنظيم والتماسك، وقد أضيف إلى هذه العوامل مع الوقت عوامل أخرى رجّحت كفّة المقاومة وتراجعت فيها كيان “إسرائيل” يمكن إدراجها بالآتي:
– خوض المقاومة حرب العقول المهمة على الصعد التنظيمية، الميدانية، المعنوية، والحرب النفسية، وقد نجحت فيها المقاومة بشكل كبير.
– ارتقاء المقاومة في امتلاك التقنيات الحديثة في السلاح، فعندما تتطوّر المقاومة التي انطلقت من معادلة “الزيت المغلي” و”الحجر” و”علبة الكبريت” الى معادلة تمتلك فيها الصواريخ الدقيقة، فهذا تحول نوعي قلّصت فيه المقاومة الثغرة ما بين المستوى التقني للتسليح الصهيوني والمستوى التقني للتسليح المقاوم.
وفي ختام مقاربته، يشدّد حطيط على أنه طالما أنّ القوة العسكرية لكيان إسرائيل تفتقد للعنصر المعنوي، فهي دائمًا بانحدار، مقابل تصاعد الطاقة العسكرية للمقاومة. فهل ستصل المواجهة بين الطرفين الى يوم يمتنع فيه الجيش الصهيوني عن القتال كما كان يأمل أن يمتنع العربي عن القتال، وتصبح الصورة معكوسة؟ يسأل حطيط ويختم حديثه.
* المصدر: الميادين نت
* المقالة تعبر عن وجهة نظر الكاتب