محمد فرج*

لم تعد التخمينات تحدد مصدر إطلاق الصواريخ والمسيّرات الجوالة في البحر الأحمر، فلقد أعلن العميد يحيى سريع، المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، الثلاثاء، أن دفعة الصواريخ والطائرات المسيّرة لم تكن إلا العملية الثالثة التي نفّذتها القوات اليمنية منذ بدء العدوان.

أكّد سريع أن هذه العمليات النوعية مستمرة حتى يتوقف العدوان الإسرائيلي. فما الذي يعنيه فتح جبهة من البحر الأحمر، من اليمن تحديداً، بالنسبة إلى “إسرائيل”؟

1 – اليمن مصدر جديد للتهديد المباشر: إطلاق صواريخ بعيدة المدى من اليمن في اتجاه الأراضي المحتلة، وتحديداً “إيلات”، أمر ممكن. الأعباء التي يضيفها العامل اليمني ليست قليلة.

“إسرائيل” ستكون في حاجة إلى تعزيز أنظمة الدفاع الجوي في “إيلات”، وسوف تكون في حاجة إلى توزيع أنظمتها من الدفاع الجوي على عدد أكبر من الجبهات. فالصواريخ تنطلق من غزة ومن جنوبي لبنان واليمن، وهذا التعداد يخلق حالة من الارتباك في القرار العسكري بشأن أولوية المناطق التي يجب أن تُغطّى بأنظمة الدفاع الجوي، وآلية توزيع البطاريات.

فجر الاثنين، قالت وسائل الإعلام الإسرائيلية إن صاروخاً باليستياً أُطلق من اليمن، تم التصدي له من جانب سلاح البحرية الأميركي، الأمر الذي يعني أن القطع الأميركية المنتشرة في البحر باتت هي الأخرى هدفاً محتملاً للقوات المسلحة اليمنية، إلى جانب ما تؤديه المقاومة العراقية في هذا الخصوص.

2- شلل التجارة البحرية الإسرائيلية: يعتمد الاحتلال في تجارته، بصورة أساسية، على البحر، إمّا البحر الأحمر وصولاً إلى باب المندب، بغية الوصول إلى شرقي آسيا، وإمّا عبر البحر المتوسط وصولاً إلى أوروبا.

تصعيد إطلاق الصواريخ الباليستية والمسيّرات في البحر، سيمنع وصول عدد من البضائع الاستراتيجية إلى “إسرائيل ” من جهة أولى، ويرفع أسعار بوالص التأمين لحاويات النقل من جهة ثانية، ويشجع حالة الاستنكاف عن التجارة مع “إسرائيل”، وبالتالي سيتم إنتاج حالة مقاطعة ضمنية، من جهة ثالثة.

البواخر التجارية الإسرائيلية مع الهند (أكثر من 10 مليارات دولار سنوياً، تتضمن الألماس بعد المعالجة، والإلكترونيات والخلايا الشمسية القادمة من الهند، أو الأسمدة والمبيدات الحشرية والألماس الخام المتجهة إلى الهند)، أو مع اليابان (ما يقارب 3 مليارات دولار سنوياً)، أو مع كوريا الجنوبية (3.5 مليارات دولار سنوياً)، جميعها سوف تكون مؤشرات مهدَّدة بالتراجع بشدة، أو حتى الانقطاع الكامل في حال استمرار التهديد اليمني لـ “إسرائيل”.

خلال شهر مارس 2023م أعلن العراق وقف تصدير نفط كردستان إلى تركيا، ولا سيما أن “إسرائيل” تغطي أكثر من 50% من احتياجاتها عبر استخدام هذه الشحنات بالذات. في حال تعزّز هذا الموقف الصارم من الحكومة العراقية، في هذا الاتجاه، سينشأ حصار تجاري آخر من جهة البحر المتوسط، عبر تركيا، بصورة غير مباشرة، وبشأن سلعة استراتيجية، هي النفط.

3 – موانئ قلقة لا تعمل: تقول وسائل الإعلام الإسرائيلية إن خط الشحن التايواني أعلن حالة “القوة القاهرة” الأسبوع الماضي، الأمر الذي يعني بدء عملية إلقاء الأعباء المتبادل بين أطراف عملية الشحن، وكذلك تحويل مسارات عن موانئ محددة، ومنها “أشدود”.

ما زالت سلطات الاحتلال تقول إن الموانئ تعمل بصورة طبيعية، إلا أنها لا تستطيع ضمان هذه الاستمرارية من جهة، ولا تستطيع كذلك نفي حالة القلق التي تعيشها هذه الموانئ من جهة أخرى، فعمليات تفتيش الشحنات تزايدت، وحظر استيراد مواد محددة أو تصديرها أيضاً تزايد. وحتى المواقع الإلكترونية الخاصة بهذه الموانئ، لتتبع الشحنات، حجبت إمكانية البحث فيها من بلدان معينة، قلقاً من الهجوم السيبراني.

4- نشاط إسرائيلي مستهدف على امتداد البحر الأحمر: لا يمكن اختصار المساهمة اليمنية عملياً في إمكانية إطلاق صواريخ بعيدة المدى (2000 كم)، أو مسيرات لمسافات طويلة، وإنما أيضاً في ضرب مواقع حساسة للاحتلال، موجودة في دول مشاطئة للبحر الأحمر. ومن ذلك ما جرى الحديث عنه بخصوص قاعدة تجسس في أمبا سوير في أريتريا، أو حتى النشاط الاستخباري المعروف في إثيوبيا. القرب الجغرافي اليمني من هذه الأهداف يضيف مزيداً من الأعباء على الكاهل الإسرائيلي في هذه الحرب.

5 – فشل مغامرات الاندماج الاقتصادي، دولياً وإقليمياً: خلق حالة من التوتر في البحر الأحمر كفيل بأن يحرم “إسرائيل” من مغامرات الاندماج والاستفادة من المشاريع الاقتصادية في المنطقة (نيوم). ومع أن ميناء حيفا أهم من “إيلات”، بالنسبة إلى الممر الهندي، إلا أن المشاركة الإسرائيلية في المشروع قد تتضرر بفعل مناخ التوتر العام.

يعرف الجيل الأول من الغزاة أهمية البحر الأحمر بالنسبة إلى مشروع الاحتلال، فكانت السيطرة على صحراء النقب الجنوبية، والمنفذ على خليج العقبة في غاية الأهمية، وهو ما دفع العصابات الصهيونية إلى احتلال أم الرشراش، لتصبح بعد ذلك “إيلات”.

لم يلحق بشهوة الاحتلال في الوصول البحري، إلا المحاولات العربية في الصراع معه، ومن النقطة نفسها بالذات، البحر الأحمر. فمن أزمة السويس عام 1956م، إلى حرب يونيو عام 1967م، إلى حرب أكتوبر عام 1973م، كانت هذه الجبهة المطلة على هذا البحر تؤدي دوراً مهماً.

اليوم يعيد اليمنيون تسخينها، علّها تضيف قلقاً جديداً إلى رأس الاحتلال المسكون بالصداع القاتل، منذ السابع من أكتوبر.

* المصدر: الميادين نت

* المقالة تعبر عن وجهة نظر الكاتب