السياسية || محمد محسن الجوهري*

ليس الأمر مجرد تخمين أو تنبؤاً عبثياً بالغيب، بل سنة ثابتة جرت عليها السياسة الأميركية في كل مرة تواجه فيها ربيبتها إسرائيل خطراً ينذر بزوالها.
ولعل الشاهد الأكبر على ذلك كان في أحداث 11 سبتمبر 2001، التي لم تصرف الأنظار عن جرائم إسرائيل بحق الأبرياء في فلسطين وحسب، لكنها نقلت الصراع إلى داخل العالم الإسلامي، وارتكبت على إثرها مذابح موازية بحق المسلمين في أفغانستان والعراق، ومناطق أخرى في العالم.
قبل عام من أحداث سبتمبر تلك، وتحديداً 28 سبتمبر 2000، اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي بدأت من القدس وعمت سائر المناطق والمدن المحتلة، ورافقها تصعيد في العمل المقاوم، وغضب شعبي في دول العالم الإسلامي كافة.
كانت إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة، تحسب أنها أخمدت الثورة الفلسطينية باتفاقية “أوسلو 93” ـ ضمنت اعترافاً مستقبلياً بدولة فلسطينية على بعض التراب الفلسطيني المحتل ـ إلا أن ذلك الاتفاق المشؤوم لا يزال حبراً على ورق، رغم التزام الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بكل ما فيها من تعهدات.
وشكّل اندلاع الانتفاضة هزيمة لكل جهود واشنطن السياسية لدفن القضية، ما اضطرها إلى بدء جولة جديدة من الصراع؛ بعنوان “الحرب على الإرهاب”، واقتضى ذلك حدثاً هائلاً لتبرير المعطيات الجديدة.
كانت أحداث 11 سبتمبر مجرد مؤامرة داخلية، نفذتها المخابرات الأميركية بشهادة المحقق السابق في مكتب التحقيقات الفدرالي FBI والذي أكد أنما نُشر رسمياً من نتائج التحقيقات عن الواقعة لم يكن واقعياً.
رغم وضوح الزيف الأميركي إلا أن واشنطن برعت في استثمار الحادثة، وحولت الصراع من معاداة اليهود إلى معاداة المسلمين، وشهد العالم على إثرها موجة كراهية مناهضة للإسلام واسعة النطاق.
وعلى ذكر انتفاضة الأقصى الثانية، التي أفشلت مؤامرة أوسلو 93، فإن انتفاضة الأقصى الأولى التي اندلعت في ديسمبر 1987، قد نجحت في إفشال مخطط اتفاقية “كامب دفيد 1978” التي سعت قبلها بعقد من الزمان إلى طمس القضية الفلسطينية، واستبدالها بصراع آخر مع إيران الإسلامية.
إن القضية الفلسطينية هي البوصلة، وباتت وسيلة للتمييز بين المحق والباطل، ولأنها بهذا القدر من الأهمية، فإن المعسكر الغربي يبذل كل ما بوسعه من المؤامرات لطمس الحديث عنها، واستبدالها بقضايا أخرى فرعية عبر سلسلة من الصراعات في العالم أبرزها؛ الحرب في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن ومناطق أخرى من العالم.
إلا أن مشيئة الله حالت دون ذلك، ولنا في “طوفان الأقصى” خير دليل، فقد أعادت فلسطين وقضيتها إلى الصدارة من جديد، وأفشلت بذلك عقدين ونيف من الجهود الأميركية الرامية لدفنها.
وينذرنا التاريخ أن نحذر من مؤامرة أميركية أخرى تُعتمل حالياً، وتوظف في سبيلها واشنطن كل أدواتها من المطبعين العرب ووسائل إعلامهم الرخيصة، للالتفاف على أحداث غزة، وجعلها تبدو وكأنها أحداثاً ثانوية لصالح حدث آخر -قد يبدو أكثر مأساويةـ هو من تدبير الصهيونية العالمية.
لذا فالقاعدة الأولى في الصراع أن القضية الأساسية للأمة هي فلسطين وتحريرها من اليهود، وأي عناوين أخرى غير ذلك تشكل جزءً من المؤامرة عليها، أياً كان المروجون لها.