عبدالرحمن مراد

 

بدأ الجيش الإسرائيلي التوغل في غزة وفي الضفة كتجارب تمهد للاجتياح الكامل في قابل الأيّام، وبدأت مؤشرات الأهداف من العدوان الغاشم على غزة تعلن عن نفسها، حَيثُ وسبق للجيش الصهيوني الضغط على سكان غزة للنزوح إلى سيناء، واليوم بدأ الضغط على سكان الضفة مع توزيع منشورات باللغة العربية تطالب السكان بالنزوح إلى الأردن، تلك بعض أهداف إسرائيل من عدوانها على غزة، وهو عدوان يقول المسؤول عنه إنه لن يتوقف إلا بعد تحقيق أهدافه المعلنة والمضمرة، والأهداف المعلنة هي القضاء على الجماعات الإرهابية والمسلحة، أما الأهداف المضمرة فهي تهجير سكان غزة والضفة الغربية إلى مصر والأردن؛ مِن أجل توطينهم في سيناء وفي الأردن كوطن بديل لشعب فلسطين ومن ثم الاشتغال على مشروع قناة بن غوريون الذي بدأ الاشتغال عليه منذ وقت مبكر، وقد أعلنت إسرائيل عن بدء تنفيذه في الأشهر القليلة الماضية.

القصف المكثّـف على غزة يمهد للاجتياح البري الذي سوف تنفذه القوات البرية في قابل الأيّام وسوف يتم تدمير غزة تدميراً كاملاً حتى تصبح أطلالًا غير قابلة للعيش فيها، ثم تبدأ إسرائيل في إعادة الإعمار حتى تتمكّن من تنفيذ مشروع قناة ابن غوريون، وهي قناة بدأت إسرائيل في تنفيذ الخطوات الأولى لها العام المنصرم وهي تمهِّدُ اليوم السبل أمام قيام هذا المشروع الذي سيكون بديلاً لقناة السويس أَو مشروعاً موازياً لها، وربما يصل إلى مرحلة تعطيل قناة السويس؛ لأَنَّه سيقدم خدمات أفضل من قناة السويس، والمخطّط للمشروع يستوعب البعد الاقتصادي والأمن القومي، ويسعى إلى شل الحركة وتعطيل السيطرة العربية والإسلامية على خطوط الملاحة الدولية، فالقناة المزمع إنشاءها تربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط في اتّجاهين، حَيثُ تنوي إسرائيل حفر قناتين مستقلتين، واحدة من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، والثانية من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر، وبالتالي لن تتأخر أية سفينة، في حين تستغرق السفن في قناة السويس فترة أسبوعين للمرور.

ومشروع قناة بن غوريون ربما يكون “مقدمة لمشاريع أكبر مثل مد أنابيب عبر الأردن أَو بطريق محاذٍ للأردن، وذلك لمد أُورُوبا بالنفط والغاز”، كوسيلة بديلة فرضها واقع الأمر الذي نتج عن حرب روسيا مع أوكرانيا، وبحيث تحدث قدراً من التوازن مع خط طريق الحرير الصيني، ولذلك لم يكن إعادة انتشار الجيش الأمريكي في البحر الأحمر والبحر المتوسط عبثاً بل جاء هذا الانتشار لتحقيق أهداف استراتيجية مهمة في المنطقة العربية لصالح أمريكا وإسرائيل.

وثمة من يرى أن مشروع قناة ابن غوريون شبيهاً بمطار رامون، وقد يكون جزءاً من صفقة القرن التي يعاد إنتاجها مع عودة نتنياهو، فإسرائيل تفرض أمراً واقعاً دون أخذ أي اعتبار لاتّفاقيات السلام ومصالح الأطراف العربية..

وهناك من يرى أن شقّ “قناة بن غوريون” الواصلة بين البحر المتوسط والبحر الأحمر الهدف الأول منه هو: السيطرة على خطوط الملاحة الأهم عالميًّا.

أمّا الهدف الثاني: فهو خنق قناة السويس المصرية، التي تُساهم الآن فيما يزيد على 8 مليارات دولار من الدخل لمصر.

أما الهدف الثالث هو: أن تصبح هذه القناة، بالإضافة إلى الموانئ الإسرائيلية، حلقة الوصل بين آسيا وأُورُوبا، ولا سيَّما بعد أن وقّع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، اتّفاقية نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير إلى السعوديّة.

وهذا يعني أن الرياض ستسيطر منفردة على مضيق تيران، الذي يتحكّم في الملاحة البحرية في خليج العقبة، وهذا الأمر، بطبيعة الحال، جائزة استراتيجية لـ”إسرائيل”.

فإسرائيل بعد افتتاح “قناة بن غوريون”، ستكون المستفيدة مادياً، والمتحكّمة جغرافياً، بحيث ستصبح مصلحة الأنظمة المُصدّرة للغاز والنفط، أَو المستقبلة للبضاعة الأُورُوبية الاستهلاكية، وكذلك البضاعة الإسرائيلية، مرتبطة بالمحافظة على مصالح “إسرائيل” وقدرتها ووجودها الدائم في البحر، ولا سيَّما أنّ “تل أبيب” تنوي بناء مدن سياحية صغيرة عند القناة.

يبدو أن الحقائق تكشف عن نفسها ولا يدرك الخطر المحدق بالأمن القومي العربي إلا من كان على بينة من أمره ورشد وقليل ما هم، ولذلك فالذين وقفوا موقف المتفرج مما يجري في غزة غدوا تحيط بهم دائرة البغي والعدوان من قبل العدوّ الصهيوني والأمريكي، وعلى أحرار وشرفاء الأُمَّــة خوض معركتهم الوجودية؛ لأَنَّهم إذَا سمحوا للمخطّط الإسرائيلي والأمريكي بالمرور فلن تقوم لأمة العرب والمسلمين قائمة بعد أن تصبح حياتهم بيد غيرهم، يتحكم بها اليهود والأمريكان.