السياسية || محمد محسن الجوهري*

 

تابعنا مؤخراً الزحف العسكري الأخير على قطاع غزة، بمشاركة قوات مشتركة أمريكية وأوروبية جاءت لقتل إخواننا في فلسطين المحتلة لا لذنبٍ ارتكبوه، عدا كونهم مسلمين.

كما رأينا العالم الغربي برمته يتداعى على حرب غزة مثلما تتداعى الأكلة على قصعتها، معلنين أن حربهم على القطاع وأهله هي بدوافع دينية، وسمعنا خلالها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يقول إن زيارته لتل أبيب تأتي بصفته يهودي لا بصفته مسؤولاً أمريكياً، مؤكداً أن الولايات المتحدة ستفعل كل ما بوسعها لحماية إسرائيل.

تلك الشواهد وغيرها من المجازر اليهودية بحق المسلمين في فلسطين ولبنان تشهد بأنها حرباً دينية لا هوادة فيها بين اليهود، كل اليهود، ضد المسلمين كافة.

رغم كل ذلك لا يزال الإعلام العربي في أغلبه، يُصر على أن الصراع اليوم يقتصر على حماس وبعض الفصائل الأخرى المقاومة، مستنداً في روايته تلك على ما يبثه الإعلام الأمريكي عبر قناة الحرة، التي بات خطها التحريري مُلزماً لكل العرب، سيما في محور التطبيع والخيانة.

فأخبار قناة العربية، على سبيل المثال لا تختلف في طرحها عن الإعلام الأمريكي، وتُظهر الصراع بأنه ضد بعض المسلمين وليس كلهم، وتتجاهل في الوقت حينه حجم التحشيد العسكري لدى الطرف اليهودي.

قناة الجزيرة تنتهج هي الأخرى سياسة “دس السم في العسل”، فهي تتضامن من جهة مع ضحايا غزة، لكنها تقدم الرواية الإسرائيلية باعتبارها الرأي الآخر للأحداث.

ولا يغفل مذيعو تلك القنوات عن ترديد كلمة “دولة إسرائيل” التي باتت من المسلمات في قاموس المتصهينيين العرب.

إن حرب المصطلحات الإعلامية ليست وليدة اللحظة، فإسرائيل منذ تأسيس كيانها الغاصب على أرض فلسطين، دأبت على مخاطبة الرأي العربي وباللغة العربية عبر أربع صحف يومية، وإذاعة صهيونية دائمة البث، تنفيذاً لوصية “تيودور هرتسل” مؤسس الصهيونية العالمية، الذي كتب بتاريخ 3\6\1897 مقالاً في صحيفة “دي والت” الصهيونية شدد فيه على أن الإعلام هو درع الشعب اليهودي قبل السلاح.

وبالفعل نفذ الصهاينة وصيته على أكمل نهج، ولم يكتفوا بما لديهم من وسائل، بل عمدوا إلى تأسيس أخرى عبر حلفائهم العرب، تعمل على زعزعة الأمة الإسلامية من الداخل.

فعلى سبيل المثال؛ دأب الإعلام الرسمي السعودي على شيطنة كل من يعادي إسرائيل، ابتداءً بمصر عبد الناصر مروراً بإيران الإسلامية، وانتهاءً بحركات المقاومة والجهاد الفلسطينية، والأدلة من الإعلام السعودي على ذلك كثيرة.

على سبيل المثال نشرت صحيفة “عكاظ” في عددها رقم 102، الصادر بتاريخ 23 مايو 1963 أن “جمال عبد الناصر كافر بإجماع الأمة”، وأن قتال مصر في حينها “فرض على كل مسلم ومسلمة”.

تلك الهجمة الصارمة تجاه مصر تغيرت بشكل جذري عقب توقيع الرئيس المصري أنور السادات ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي مناحيم بيغن اتفاقية “كامب ديفيد” في 17 سبتمبر 1978.

وكذلك الحال مع إيران الإسلامية التي تحولت إلى شيطان في الإعلام السعودي فقط بعد قيام الثورة الإسلامية، وطرد السفيرين الإسرائيلي والأمريكي في فبراير 1979.

حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية لم تسلم هي الأخرى من التشنيع السعودي، فقد هاجم إعلام المملكة كلاً من حزب الله وحركة حماس، ووصمتهما بالإرهاب وافتعال الأزمات مع الكيان الصهيوني، خاصة في عدوان تموز 2006 وديسمبر 2008 على لبنان وغزة.

إن تتبع المسار الإعلامي للعدو الصهيوني يكشف أن أشد ما يخشاه هو التحريض على اليهود بدافع ديني إسلامي، ولذلك عمد إلى تعزيز الفتنة الطائفية بين المسلمين، وتعزيز التعصب المذهبي على حساب الدين الإسلامي الحنيف.

لذا فإن اعتماد عنوان الصراع “اليهودي ـ الإسلامي” هو أشد خطراً في وقعه على اليهود، لأنه ينبئ بوحدة إسلامية ضد أعداء الأمة، واقتراب زوال ملكهم.

كما أن أي تحريف لعنوان المعركة واستبداله بمصطلحات أخرى فرعية، لا يخدم في مجمله إلا اليهود وحلفائهم.

  •  المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع