“طوفان الأقصى” تعيد القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد السياسي وتُعري المُطبعين
السياسية – تقرير :
مرزاح العسل
في ظل هرولة الأنظمة العربية نحو التطبيع مع كيان العدو الصهيوني ومن رحم المعاناة الفلسطينية التي امتدت لعقود.. جاءت معركة “طوفان الأقصى” الملحمة البطولية التي كسرت عنجهية العدو الصهيوني لتعيد القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد السياسي، وترسم الصورة الأبهى بأن خيار المقاومة هو الخيار الوحيد القادر على إحداث جوهري في الصراع مع العدو.
في الوقت ذاته جاءت “طوفان الأقصى” لتنذر المهرولين والمطبعين مع العدو الصهيوني بعدم جدوى استضلالهم بهذه القوة التي فشلت في صد هجمات “أسود القسام”، وهي رسالة للمطبعين بأن العدو الصهيوني لا يعوّل عليه ولا يصح ولا يصلح اتخاذه حليفا أو التوقع بأنه يمكن أن يشكل سندا لأي من دول المنطقة، وشكلت صفعة قوية للزخم الذي اكتسبه المسعى الأمريكي لإبرام اتفاق تطبيع بين كيان العدو والسعودية خلال الفترة الأخيرة، لتعيد تركيز الأنظار على القضية الفلسطينية.
فمنذ صباح السبت السابع من أكتوبر الجاري، وهو أول أيام عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها المقاومة الفلسطينية ضد العدو الصهيوني، وهذه العملية وما صاحبها من عدوان همجي غاشم وقصف هستيري على قطاع غزة تلقى تضامن عربي وإسلامي رسمي وشعبي كبير على امتداد الجغرافية الدولية.
بل وأبعد من ذلك فمنذ انتشار أخبار عملية “طوفان الأقصى” على وسائل الإعلام العربية والدولية فقد أخذت صدى واسع في جُل مواقع التواصل الاجتماعي للمستخدمين العرب والأجانب الذين استقبلوها بتعليقات مؤيدة والتى تزامنت مع الذكرى الـ50 لحرب أكتوبر1973م، بل وتصدّرت وسوم #طوفان_الأقصى، و#فلسطين، و#غزة_تحت_القصف، و#فلسطين_قضيتي، على منصتى “إكس” و”فيسبوك” منشورات المستخدمين في غالبية دول العالم.
وجاءت العملية على نطاق واسع لم يشهد له التاريخ مثيل منذ عقود في الصراع بين الفلسطينيين والصهاينة.
وفي هذا السياق قال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أسامة حمدان في حوار خاص مع الجزيرة: إن السرعة التي أُنجزت بها عملية “طوفان الأقصى” شكلت مفاجأة إيجابية لعناصر المقاومة من ناحية سرعة انهيار جيش العدو الصهيوني وكذلك تقليل حجم التضحيات في “صفوف المجاهدين”، كما أنها أعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد السياسي، ورسمت صورة بأن خيار المقاومة يستطيع أن يحدث تغييرا جوهريا في الصراع مع العدو، ولو توفرت للمقاومة أسباب الصمود -بدل الحصار- لتغيرت معادلة الصراع بشكل كبير.
ولم يغب عن القيادي في “حماس” تأثير التفاف الشارع العربي والإسلامي حول فعل المقاومة في صراعها مع العدو الصهيوني، وقيمة ذلك في اتخاذها القرارات السياسية.
ويؤكد الكثير من الكُتاب والمحللين السياسيين، بأن العدو الصهيوني خلال عشرة أيام يحاول ترميم صورته واستعادة هيبته التي كُسرت أمام مقاتلي غزة، وأن “تل أبيب” ستفشل في كسر المقاومة، وأن الأيام القادمة قد تشهد تصعيدًا لكنه لن يطول كثيرًا.
واعتبر الكاتب والمحلل السياسي سامر عنبتاوي في حديث لموقع “القدس” دوت كوم، أن “الأمور المتصاعدة والمجازر التي ترتكبها “إسرائيل” بحق الأطفال والنساء في قطاع غزة، تأتي لترميم صورة الجيش الصهيوني، وتحاول كذلك ضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة”.
وأضاف عنبتاوي: “إنه ورغم التصعيد الصهيوني القادم في قطاع غزة، بشكل واضح وضرب مقومات الحياة هناك، لكن المقاومة بالمقابل تتعامل بردة فعل، وقد نشهد معركة ربما تستمر لأسابيع، إلا أنها معركة مصيرية، يتزامن مع ذلك دخول جبهات أخرى للمعركة، وهو ما يضع جيش العدو الصهيوني أمام تحديات كبيرة وتساؤلات إن كان سيصمد أمام كل ذلك”.
فيما يرجح الكاتب والمحلل السياسي عدنان الصباح في حديث للموقع ذاته أن تشهد الأيام القليلة القادمة، برغم تصاعد الحرب، إنهاء للمعركة وإيجاد حل، فلا أحد معني بتصعيد قادم، لكن العدو الصهيوني يبحث عن إنجازات أمام شعبه، كما أنه لن يستطيع اجتثاث المقاومة الفلسطينية.
وأكد الصباح أن معركة “طوفان الأقصى” أعادت للقضية الفلسطينية هيبتها من جديد، والأيام المعدودة القادمة ستشهد حلًا، يرفع من شأن القضية الفلسطينية، وستثبت المقاومة أن الأوراق الرابحة بيدها”.
وتمثل القضية الفلسطينية قضية سياسية ومركزية ومؤثرة على الأمن الدولي والإقليمي، ولذا نلاحظ تركيز المسؤولين الغربيين والأمريكان على العامل الإيراني في وسائل إعلامهم، وهو ما يرفع من منسوب القلق من أن تؤدي الأحداث الجارية إلى حرب إقليمية.
فعلى صعيد السياسات الفلسطينية جاء العملية لتؤكد أنّ السلطة الفلسطينية عاجزة وضعيفة، وتعزز قناعات الدول الكبرى بأنّها لا تملك حلولًا ولا مفاتيح فاعلة في مجريات الأحداث، وأنّها تحولت إلى سلطة أمنية وإدارية محدودة، وعلى صعيد السياسات الصهيونية، فبالتأكيد سيكون هناك محاسبة، بعد انتهاء غبار المعركة، على أكثر من صعيد، أمني وعسكري وسياسي، وسيدفع العديد من مسؤولي الكيان الغاصب الثمن.
أما على صعيد السياسات الدولية، فمن الواضح أنّه أيا كانت النتائج فإنّ الأحداث الجارية أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة وإلى أولويات الأجندة الدولية، وأنهت أحلام كبيرة على مشروع التطبيع الإقليمي بوصفه بديلًا عن الحل النهائي، وعلى صعيد السياسات الإقليمية؛ فمن الواضح أنّ المعركة أثبتت قوة إيران في المنطقة، وتصاعد دور محور المقاومة، ليس فقط في فلسطين بل في لبنان وسوريا والعراق واليمن وغيرها.
وبحسب أحدث الإحصائيات المُعلنة فقد تجاوز عدد القتلى الصهاينة حاجز الـ2000 قتيل وهو أكثر من عدد الصهاينة الذين سقطوا خلال حرب 1967 ضد مصر والأردن وسوريا.. في المقابل بلغت حصيلة الشهداء في قطاع غزة حتى الآن أكثر من 3785 شهيداً، وما يزيد عن 13 ألف جريح.
الجدير ذكر أنه سيكون لعملية “طوفان الأقصى” تداعيات على الوضع السياسي والجيوسياسي الإقليمي بطريقة يصعب تقييمها في الوقت الحالي، لكن ما تؤكده الأحداث الجارية، مرة أخرى، هو أن العدو الصهيوني يطلق العنان دائما لمقاومة يتحمل المحتل وحده مسؤوليتها.