السياسية: صادق سريع

 

 

“كسر هيمنة “الدولرة” وزيادة أعضائها وتأسيس نظام تجاري واقتصادي عالمي جديد”، كانت أبرز قرارات القمة البريكسية التي عقدت في جنوب أفريقيا بنسختها الخامسة عشرة في الـ 22 من أغسطس 2023.

وقبيل انعقاد قمة “بريكس”؛ ترقب العالم والولايات المتحدة بشكل خاص مخرجاتها التي قد تؤثر على مستقبل الدولار الأمريكي، خصوصا عقب التوقعات المتشائمة التي رصدها كتاب “الأب الغني والأب الفقير” لـلخبير الاقتصادي “روبرت كيوساكي”، الذي عبر عن قلقه من أن الدولار قد يفقد قيمته و”يصبح ورق تواليت”.

بعد أن أصبح لـ “بريكس” بنك بديل عن البنك الدولي وصندوق النقد باسم “بنك التنمية الجديد” والذي تم تأسيسه في 2014، برأس مال يبلغ 50 مليار دولار، توقع الخبراء صدور قرار بريكسي بإصدار عمله جديده كبديل للدولار الامريكي.

موّل البنك البريكسي مُنذ تأسيسه ما يقارب من 100 مشروع في قطاعات مختلفة للدول الخمس المؤسسة بتكلفة تقدر ب 34 مليار دولار.

وحسب الخبراء، يسعى قادة “بريكس” التي حضرها قاده 67 دوله بحضور زعماء الدول الخمس المؤسسة وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، إلى زيادة أعضاء المجموعة وتوسيع علاقاتها الاقتصادية مع الدول الأخرى وإنشاء نظام مالي عالمي جديد وصولا لاستبدال الدولار في المعاملات الدولية بين دولها أو الدول غير المنضمة.

 

بدأية “البريكس”
تعود فكره تأسيس قروب “بريكس” حسب التقويم الاقتصادي للعام 2001 ، عندما صاغ كبير خبراء الاقتصاد، جيم أونيل والذي كان يعمل لصالح “جولدمان ساكس”، وهي مؤسّسة خدمات ماليَّة واستثماريه أمريكيَّة متعددة الجنسيَّات؛ مصطلح “بريك” لوصف “الأسواق الناشئة” في البرازيل وروسيا والهند والصين.

 

وبين عامي 2000 – 2008 ، ارتفعت حصة تلك البلدان الأربعة في الناتج العالمي من 16 بالمائة إلى 22 بالمائة، وهذا يعني أن أداء اقتصاداتها كان فوق المتوسط أثناء فترة الركود العالمي.
ومنذ اجتماع وزراء خارجية دول “BRIC” الأربع الأولى وهي البرازيل، روسيا، الهند، الصين، في نيويورك بسبتمبر 2006، بدأت سلسلة اجتماعات رفيعة المستوى، حيث عقد اجتماع دبلوماسي واسع النطاق في مدينة ايكاترينبرج الروسية في ال 16 مايو 2008.
ووفقا للخبراء فإن التقدم الاقتصادي لدول “بريكس” ورغبتهما في تحجيم الهيمنة الأمريكية، يبشر بإصدار عملة جديدة وهي عباره عن سلة العملات المحلية لأعضائها بدلا عن الدولار.

 

مستقبل “الدولرة”
في المقابل يرى اقتصاديون أن هيمنة الدولار الأمريكي في النظام المالي العالمي، الذي تدعمه الأسواق الأمريكية قد يصعب زحزحته، ما يشكل تحديًا كبيرًا امام عمله “بريكس”، إذ يُمثِّل الدولار العملة الاحتياطية الأوسع انتشارًا في العالم.. لذا، فإن كسر الهيمنة الغربية على الاقتصاد العالمي وإنهاء سيطرة “الدولرة” قد يكون أمر متأخراً أو مشكوك فيه.

الخبير الاقتصادي المصري، هاني جنينه، يرى إن الحديث عن عملة موحده “عملة بريكس” هو درب من الخيال في الأمدين القريب والبعيد على حد سواء.
قائلا:” عادة ما تمر الدول الراغبة في الوحدة النقدية بمراحل تمهيدية تبدأ بمنطقة تجارة حرة، ثم التطور إلى منطقة جمركية موحدة، ثم تزال القيود على حرية حركة العمالة ورؤوس الأموال، إلى أن يتم الالتزام بشروط الوحدة النقدية، كما حدث في الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو منذ الستينيات إلى أن تم إصدار عملة اليورو إلكترونيا في 1999 ثم ورقيا في عام 2002″.

 

“بريكس” و”السبع”
صحيفة “فايننشال تايمز”، تحدثت في مقال نشرته في ال 25 اغسطس 2023، عن أهمية توسّع مجموعة “بريكس”، وقالت:” إنّ هذا التوسّع قد “يقلب العالم رأساً على عقب”.
ورأت الصحيفة أن أضافة 6 دول جديدة لـ”بريكس”، يُمثّل محاولة الصين تصحيح الأخطاء المتصورة لنظام عالمي يحابي الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة.
وأشارت “الفايننشال”، إلى أنّ حجم المجموعة الجديدة المكوّنة من 11 دولة “يضع مجموعة السبع في الظل”، بحيث ستُشكّل هذه المجموعة 47 بالمائة من سكان العالم و37 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.

وحسب الخبراء تتفوق دول بريكس حيث تمثّل ما يقارب 31.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مقارنةً ما تمثله دول السبع بنسبة 30.7.
الكلام لا يزال “للفايننشال”: “تمتلك مجموعة “بريكس” الجديدة “حصة الأسد” من احتياطيات النفط والغاز في العالم، فضلاً عن هبة ضخمة من الموارد الطبيعية الأخرى والتي تأمل الصين من هذا الثقل اصلاح النظام العالمي الاقتصادي”.
وختمت بالقول:” أنّ تجمّع “بريكس” الموسع يُمثّل الكتلة الأكثر نفوذاً التي أنتجها العالم النامي على الإطلاق”، مشيرة إلى أنّ هناك شعوراً بأن عصر “الجنوب العالمي قد بزغ، وقد يكون هذا الشعور كافياً لإعطائها قوة جذب”.
ومنحت “بريكس” دول الأرجنتين وإثيوبيا وإيران والسعودية ومصر والإمارات العضوية الكاملة اعتبارا من الأول من يناير 2024.

 

بيان “بريكس”

وعبر قاده قمة “بريكس” في بيانها الختامي المكون من 26 صفحة عبر 7 محاور تمثل الاقتصاد والسياسة والثقافة والعلوم والتكنولوجيا … الخ، عن قلقهم بشأن استخدام التدابير الأحادية الجانب التي تؤثر سلباً على الدول النامية.
دعا البيان إلى إجراء إصلاحات في الأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن وإضفاء مزيدا من الديمقراطية في المنظومة الأممية.
وتسعى مجموعة “بريكس” المكوّنة من البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا، إلى منافسة مجموعة السبع “كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، بريطانيا، الولايات المتحدة”، في حين يصفها الخبراء بأخطر محاولة تنافسيه منذ تشكيلها في العام 2009.

 

تطلعات التغيير

وشدد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في كلمته التي القاها في قمّة جوهانسبرغ، على أهمية التعامل بعملة مشتركه بالإضافة إلى العملات المحلية. وقال بوتين، عبر تقنية الفيديو، الذي تعذر حضوره لوجود مذكرة توقيف بحقه من قبل المحكمة الجنائية الدولية التي جنوب أفريقيا عضوًا فيها، لينوب عنه وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف: “إن التخلي عن الدولار كعملة عالميه لا رجعة فيها”.

وأضاف” أن مجموعة دول “البريكس” تناقش الانتقال للتعامل بالعملات المحلية في جميع مجالات التعاون الاقتصادي فيما بينها”.

 

وتحدّث الرئيس الصيني، شي جين بين، على نحو يشبه إطلاق عهداً جديداً، قائلاً: “إنّ “دول بريكس لها نفوذٌ كبير، ومسؤولةٌ عن إحلال السلام والاستقرار في العالم”.
وفي كلمته الافتتاحية للقمة، قال رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا: “إن دول المجموعة تشكل ربع حجم الاقتصاد العالمي وخمس التجارة العالمية، إذ وصل حجم التجارة البينية للمجموعة إلى 162 مليار دولار خلال العام الماضي”.

وأعلن الرئيس البرازيلي، لولا دا سيلفا، سعي دول المجموعة للوصول إلى عالم أكثر عدلا.. وقال “إن المجموعة تخطت مجموعة السبع من حيث الإمكانات الاقتصادية”.
واقترح دا سيلفا تبني عملة موحدة بين أعضاء المجموعة، دون أن تحل محل العملات الوطنية، مبررًا ذلك بالفائدة المتوقعة بنمو الاستثمار، وضمان نمو الثقة والقدرة على التنبؤ والاستقرار القانوني والسياسي والاجتماعي للقطاع الخاص.

ورحب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، بدعوة دول جديدة للانضمام إلى مجموعة “بريكس”، مؤكدًا أن من شأن ذلك تعزيز إمكانيات المجموعة.
وقال الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي: “أنّ توسّع مجموعة “بريكس” يشير إلى زوال “النهج الأحادي”.. لافتاً إلى أنّ انضمام بلاده إلى التكتل سيُعزّز معارضة التكتل للهيمنة الأميركية.

بدوره، أعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس الاثنين، توسع “بريكس” بمثابة مؤشر على وجود نية لبناء نظام عالمي جديد، مؤكدا أن ذلك يخلق مخاطر “تجزئة العالم”، على حد تعبيره.

 

اهتمام الاعلام الغربي
واكتسبت قمة “بريكس” التي تمثل اقتصاديات نحو ربع اقتصاد العالم، اهتماما إعلاميا غير مسبوق يعود لتوجهات أعضائها السياسية والاقتصادية والتي تمثل بداية انقسام عالمي، كما أشهرتها حمى الحروب التجارية بين الولايات المتحدة والصين منذ عام 2018 والعسكرية بين روسيا وأوكرانيا منذ عام 2022.

حيث أعدّ “معهد الولايات المتحدة للسلام” الأميركي، تقريراٌ مفاده ان تجمع “بريكس” أصبح ثِقلاً موازناً للنفوذ الغربي يوحيّ إلى احتياج العالم إلى نظامٍ جديد”، في إشارةٍ إلى قوة دول المجموعة.
وأكدت صحيفة “نيويورك تايمز”، إلى أنّ خطوه “بريكس” يمنحها التوسع ومزيداً مِن الثِقل المالي، كما يُعزّز “دورها بديلاً جيوسياسياً من المنتديات الاقتصادية التي يقودها الغرب.
وأشارت الصحيفة الامريكية، في تقريرٍ نشرته في 22 اغسطس 2023، إلى أنّ خطوة توسع “بريكس” “يغذي المخاوف بشأن الانقسام العالمي المتزايد”.
ورأى موقع “UnHerd”، أنّه “ينبغي على الغرب أن يقلق من توسّع مجموعة “بريكس”، في أشاره الى الخطوات الاقتصادية التي تطرحها “بريكس”.
وعلق موقع “لايف رو”، على نجاح “بريكس” في جذب الدول الكبرى إلى مداره، فأن تركيبته الجديدة ستسحوذ على 80 بالمائة من إنتاج النفط العالمي، وذلك بعد انضمام السعودية وإيران الإمارات.

وأضاف أن “سيبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي لدول “بريكس” 30 بالمائة من الاقتصاد العالمي، إذ سيتجاوز 30 تريليون دولار”.. لافتا إلى ارتباك رده فعل خبراء ووسائل الإعلام الغربية.
ووصفت صحيفة “برلينر تسايتونغ”، توسع “بريكس” بالهزيمة الشخصية لرئيسة المفوضية الأوربية أورسولا فون دير لاين، ومسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوربي جوزيب بوريل.
وقالت:” قريبًا سينضم ما يقرب من نصف البشرية إلى التحالف العالمي الحقيقي الأسرع نمواً”، في إشارة إلى تجمع “بريكس”.
وأضافت: “نتيجة لذلك، فإن رئيس الدبلوماسية الأوربية، الذي ينظر إلى أوربا وكأنها حديقة، وبقية العالم باعتباره غابة، ينبغي له أن يدرك حدود قوة الاتحاد الأوربي”.
ووفقاً ل “برلينر تسايتونغ”، فإن عصر سيطرة أوروبا على العالم قد ولى منذ زمن طويل”.

 

نصف سكان الكوكب في “بريكس”
ومع ارتفاع عدد دول “بريكس” إلى 11، سيصبح عدد سكانها أكثر من ثلاثة مليارات و670 مليون نسمة، أي ما يقارب نصف سكان العالم وتسيطر على نسبه 32 بالمائة مِن مساحة المناطق اليابسة في العالم.
في حين تعد اقتصاداتها من أكثر الاقتصادات النامية في العالم، يتنبأ محللون بلوغ نسبه نموها إلى 40 بالمائة من الاقتصاد العالمي بحلول 2025، قبل أن تترجمها الصين صاحبة المرتبة الثانية كأقوى اقتصاد في العالم سنة 2020، وحلت الهند خامساً، والبرازيل ثامناً وروسيا في المرتبة 11.
في حين أبدت نحو 40 دوله رغبتها في الانضمام إلى “بريكس”، وقدّمت 23 دولة طلبات رسميه.

 

شروط “بريكس”
وتشترط “بريكس” على الدول التي ترغب في الانضمام فيها، توفر الاستقرار السياسي والقدرة على النمو السريع والموقع التجاري الاستراتيجي الدولي وامتلاك علاقات ثنائية مع دول بريكس مع توفر ميزه النشاط الاقتصادي المتنامي في المنطقة.
واستضافت جنوب أفريقيا قمة “بريكس” 2023، وسمي بيانها الختامي بإعلان “جوهانسبرغ”، في حين أعلن الرئيس الروسي بوتين، استضافة قمة 2024 في مدينة قازان الروسية.

وبعد انضمام 6 دول كأعضاء جدد إلى مجموعة “بريكس”، يرى الخبراء أن هذا التوسع “البريكسي” سيرسم المسار المستقبلي في طريق اتخاذ خطوات عمليه لتقليل هيمنة الدولار على التعاملات التجارية بينهم.. تعتزم “بريكس” اعتماد العملات الوطنية في التجارة، وتوسيع التعاون بين الدول في مجالات مثل الرياضة والسياحة والأمن.