السياسية ـ متابعات:

نعت الصحافة اللبنانية والعربية امس الجمعة 25 آب/أغسطس طلال سلمان، صاحب جريدة “السفير” اللبنانية، وصاحب اللقب الذي لازمه ولازم جريدته في آن “صوت الذين لا صوت لهم”. وتوفي سلمان عن عمر ناهز 85 عاما، بعد صراع مع المرض.

طلال سلمان صحافي ومؤلف لبناني صاحب جريدة “السفير” ورئيس تحريرها وناشرها، منذ آذار 1974 حتى آخر عدد من صدورها، بتاريخ 4 كانون الثاني/يناير 2017.

ولد سلمان في بلدة شمسطار (شرقي لبنان) عام 1938. والده إبراهيم أسعد سلمان ووالدته فهدة الأتات. تزوّج عفاف محمود عام 1967، وله أربعة أولاد.
بدأ مسيرته المهنية كمصحح في جريدة “النضال” ثم عمل صحافيا في جريدة “الشرق” أواخر سنة 1956.
في 1957، انتقل إلى مجلة “الحوادث” حيث عمل كمحرر ثم سكرتير للتحرير. عام 1960، انتقل إلى مجلة “الأحد” وتولى إدارة تحريرها.

في خريف 1962 سافر سلمان إلى الكويت، حيث أصدر مجلة “دنيا العروبة” وتولى رئاسة تحريرها حتى 1963 حين عاد إلى بيروت ليتولى إدارة التحرير في مجلة “الصياد”.

بين 1963 و1973، تنقّل سلمان بين عدد من الصحف والمجلات، وذاع صيته في عدد من الدول العربية بعدما حاور عددا من الملوك والرؤساء والقادة السياسيين العرب أمثال جمال عبد الناصر ومعمر القذافي وهواري بو مدين والشاذلي بن جديد وأحمد بن بيلا وحافظ الأسد، إضافة إلى أحمد حسن البكر وصدام حسين وسالم ربيع علي وعلي ناصر محمد والملك خالد بن عبد العزيز والملك فهد وأمير الكويت جابر الأحمد والخميني.

كما كان لسلمان لقاءات ومقابلات مع مروحة واسعة من الأدباء والكتاب والفنانين/ات العرب.

جريدة “السفير”

في أواسط 1973 تفرغ طلال سلمان لإصدار جريدة “السفير” اليومية، واختار لها في حينه شعارها المشهور “جريدة لبنان في الوطن العربي، وجريدة الوطن العربي في لبنان”، ليلحقه بشعارها الآخر ذائع الصيت “صوت الذين لا صوت لهم”.

يذكر أن صيت “السفير” ذاع بشكل غير مسبوق خلال تغطيتها للاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982، حيث كانت تصدر بشكل يومي.

كثيرون عايشوا سلمان وتجربته المهنية، ولديهم آراء ومواقف من التجربة نفسها ومن الشخص.

خلال حديثه مع الزميلة ليال بشارة على أثير إذاعة مونت كارلو (استمع في الأعلى)، اعتبر علي الأمين، رئيس تحرير موقع “جنوبية” اللبناني، أن سلمان “وسم مرحلة مهمة من حياة الصحافة اللبنانية، وتمكن منذ انطلاقة ‘السفير‘ أن يمثل وجهة نظر وطنية لبنانية وفلسطينية”.

الأمين تحدث عن معايشة سلمان لأهم المراحل التاريخية للمنطقة، وأنه تمكن من “إتاحة مجال فكري وثقافي حيوي في صحيفته، حيث أنه اشتهر بضمه إلى فريق عمله أشخاص يختلفون معه في الرأي وفي السياسة، أتاح لهم مجالا لإبداء آرائهم على صفحات جريدته”.

في هذا، تمكنت جريدة “السفير” من أن تتحول إلى مساحة حية للأفكار والآراء، وفضاء اشتعلت فيها مجادلات فكرية وسياسية وتجارب فكرية عربية، ما حجز لها مكانة مميزة على مستوى التجارب الصحافية العربية.

كما أنها، أي “السفير”، حملت توقيعات أسماء كبيرة على الساحة الإعلامية والثقافية والسياسية العربية منذ إطلاقها، مثل رفعت السعيد وعبد الرحمن منيف ونهلة الشهال وسعدالله ونوس وياسين الحافظ وأدونيس وناجي العلي ومحمود درويش وكلوفيس مقصود وغيرهم. وأتاحت صفحاتها مساحة لاتجاهات فكرية مختلفة، متحاربة أحيانا، كالناصرية والقومية السورية والشيوعية والقومية العربية، لتبادل الآراء والنقاشات والجدل، في مشهد بات من النادر تكراره اليوم، وفقا لمتابعين.

برحيل طلال سلمان، اعتبره كثر نهاية حقبة إعلامية عربية انطلقت من بيروت، ولن تتكرر في ظل الواقع الذي يعيشه الإعلام اللبناني والعربي على السواء.

في وداعه
ونعى لبنان والعالم العربي الراحل، ووصفوه بـ”المعلّم”، إذ تعاقبت أجيال على “السفير” منذ تأسيسها وحتى إقفالها عام 2017، وتحوّل مبناها في شارع الحمرا إلى مركز ثقافي حديثاً.

وكتب وزير الإعلام اللبناني زياد مكاري على صفحته، “الكبير طلال سلمان، العابر بقلمه للمناطق، ستبقى ذكراه خالدة وتاريخه العريق صفحة لن تطوى في تاريخ الصحافة اللبنانية”.

وقال نقيب محرّري الصحافة اللبنانية جوزف القصيفي في بيان، “غاب صوت الذي لا صوت لهم، صاحب القلم الماضي والحضور الطاغي في دنيا الصحافة والإعلام، الذي شقّ طريقه إلى التألق بالحبر الذي اختلط بالعرق والدم، وبعصامية تتجاوز المغامرة التي خاض غمارها بإمكانات متواضعة”.

وكتب الشاعر عباس بيضون، “بقيتُ في جيرة طلال وتحت بصره أعواماً طويلة، عقوداً من شبابي وكهولتي. وخرجت منها حين خرجَت من نفسها. أظن أن الجريدة التي صحبت وخاضت مرحلة كاملة من التاريخ اللبناني توقّفت في وقتها، وكان توقّفها علامة لانتهاء عهد”.

وكتبت الإعلامية سحر مندور، “أستاذ طلال ميزان ما بين الحرفية والموهبة، خفّة الدم والجدية الحاسمة، الودّ والسلطة. خلق جريدة، وجعلها أولى أو تانية أو غيره، ليس لها مثيل، كما ولدت وكما أقفلت وكما تُبعثُ يومياً بالتتمات وفينا، تلاميذها وصنّاعها، أولادها وكتّابها، رؤساء أقسامها ومحرّرنها، راسمي صفحاتها وحروفها، ومنفذيها، وحرّاسها”.

انتهاء مرحلة
في الرابع من يناير 2017، اختار طلال سلمان إقفال “السفير”، وبقي يكتب افتتاحياته التي حملت عنوان “على الطريق” في الموقع الإلكتروني الذي يحمل اسمه.

أصدر عدداً من المؤلفات، “مع فتح والفدائيين” (1969)، و”ثرثرة فوق بحيرة ليمان” (1984)، و”إلى أميرة اسمها بيروت” (1985)، و”الهزيمة ليست قدراً” (1995)، و”على الطريق… عن الديمقراطية والعروبة والإسلام” (2000)، و”كتابة على جدار الصحافة” (2012).