فاطمة سلامة *

لو قُدّر لمتابع لأحوال المودعين أن يكتب ما جرى عليهم على يد المصارف خلال السنوات الثلاث الماضية، لكتب “المُجلّدات”. ثمّة قصص كثيرة دارت بين أروقة المصارف تتحدّث عن إجحاف غير مسبوق بحق زبائن باتوا يتسوّلون ودائعهم وشقاء عمرهم. سجّل القطاع المصرفي اللبناني سابقة بأن حوّل الحسابات البنكية الى حسابات “ممنوعة من الصرف”، وبعدها الى حسابات بـ”هيركات” فاق الـ80 بالمئة، الى أن سلبت “التعاميم” المُتتالية حقوق المودعين الذين تفاجأ بعضهم منذ بداية الأزمة بإقفال حسابه دون موافقته. حدّة هذه “السيمفونية” زادت في الآونة الأخيرة، حيث عمدت المصارف الى دفع ودائع بعض الزبائن بموجب “شيك مصرفي” بمعاملات عرض وإيداع لدى الكاتب بالعدل مع فترة 10 أيام فقط للتقدم بدعوى البطلان، في خطوة تسلب المودع حقّه باسم العدل والقانون!.

أعداد الحسابات البنكية المقفلة بشكل قمعي باتت كبيرة

وفي الوقت الذي تنفي فيه مصادر أن تكون قضيّة الحسابات المقفلة قد انتشرت الى حد كبير مع إشارتها الى أن لجنة الرقابة على المصارف تصلها شكاوى عديدة، لكن جلها يتحدّث عن عمولات غير منطقية وعن رفض المصارف وضع “شيكات” في حسابات المودعين بذريعة “الهيركات”، يؤكّد رئيس جمعية المودعين حسن مغنيّة أن أعداد الحسابات البنكية المقفلة بشكل قمعي باتت كبيرة. ويوضح في حديث لموقع “العهد” الإخباري أنّ سياسة إقفال الحسابات البنكية القمعية ليست جديدة، بل بدأت منذ بداية الأزمة حيث لا رادع قضائيا ولا قانونيا ولا تشريعيا ولا حتى أخلاقيا.

وعلى قاعدة “إن لم تستح فافعل ما شئت” فعلت المصارف كل شيء يقمع المودع ــ يقول مغنيةــ الذي يبدي أسفه للرقابة المعدومة من مصرف لبنان ولجنة الرقابة “التي زودناها بكل الشكاوى والمخالفات”. وهنا يوضح مغنية أنّ المصارف تستغل أي مناسبة لإقفال حسابات المودعين. على سبيل المثال، اذا كتب أي مودع تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي بحق أي مصرف، يعمد الأخير الى إقفال حسابه. وفق مغنية، فإنّ سياسة إقفال الحسابات تأتي في سياق منع الدعاوى القضائية والخارجية على المصارف على قاعدة “إقفال حساب كل من يعلو صوته على المصارف”.

غايات عدّة

الخبير المالي والاقتصادي الدكتور عماد عكوش يقرأ في خطوة المصارف اللا أخلاقية، فيشير الى أنّ المصارف كانت قد صرحت لمصرف لبنان في السابق عن أعداد الحسابات البنكية دون ذكر التفاصيل، فالمصارف وبموجب قانون السرية المصرفية قد لا تصرح عن كافة أسماء المودعين لمصرف لبنان، لكنها صرحت من الناحية الإحصائية عن أعداد الحسابات وقيمة الودائع. وبحسب عكوش، تغيرت أرقام الحسابات، فمع بداية الأزمة كان أكثر من مليون وانخفضت بفعل تطبيق التعاميم حيث عمدت المصارف الى تصفية الحسابات في ما بينها وإجراء “مقاصّة” لتنخفض الأعداد حيث لم تعد تتجاوز الحسابات النشطة الـ 500 ألف حساب.

ينطلق عكوش من هذه المقاربة، ليشير الى أنّ أحد الأسباب التي دفعت المصارف الى إقفال الحسابات تمثلت في استغلالها ــ كونها قد أدرجت في الإحصائية المقدّمة ــ لفتح حسابات بديلة لزبائن وهميين وموظفي مصارف وأقرباء لهم للاستفادة من منصة “صيرفة”، وهذا ما كنا قد حذرنا منه ــ يقول عكوش ــ الذي يلفت الى أنّ العمل بمنصة “صيرفة” أدى الى الاستنسابية من قبل المصرف ما أدى الى استفادة البعض وساهم في فساد المصارف وبعض الموظفين ومزيد من الهدر بالمال العام حيث كلف العمل بالمنصة أكثر من 2.5 مليار دولار ولم يستفد منها لا المواطن ولا المودع اللبناني الا بجزء قليل جدًا، أما المستفيدون الأساسيون فهم التجار، مديرو المصارف، وكبار الصرافين.

إضافة الى ما تقدّم، يلفت عكوش الى أنّ المصارف قد تلجأ الى إقفال حسابات بموجب “شيك” لمجرد لجوء المودع الى القضاء للمطالبة بوديعته أو التهديد الشخصي، وهي بذلك تقول للمودع بأن “لا شيء لك في حوزتنا وليس بإمكانك مقاضاتنا”. وهنا يُسجّل عكوش عتبه على بعض القضاة الذين يقبلون بـ”الشيك” المصرفي لغاية اليوم، ويعتبرونه وسيلة من وسائل تسديد الدين رغم أنه واقعا ليس سوى “حبر على ورق”. وفي بعض الأحيان لا يصلح لفتح حسابات في بنوك أخرى فبعض المصارف تمتنع عن ذلك، وفي أي لحظة قد تكون ورقة “الشيك” عرضة للتمزيق أو التلف وبالتالي “يتبخّر” الحساب فجأة.

وفي سياق حديثه، يوضح عكوش أن أشخاصًا أخبروه عن إقفال مصارف لحساباتهم البنكية تعسفًا، وفي هذا السياق، يوصي عكوش السلطة السياسية والتشريعية بضرورة حل هذه المعضلة. وفق المتحدّث، لا يحق للمصارف أخلاقيًا أن تقفل أي حساب، لأنّ المودع ليس بإمكانه فتح حساب جديد لوضع “الشيك المصرفي” بداخله، وفي الوقت ذاته ليس بإمكانه تحصيل وديعته “كاش”، لكن للأسف فالقانون والقضاء قاصران. القضاء للأسف يُطبق مواد فقط، بينما من المفترض به أن يطبق روح القانون ليصل المودع الى حقّه، خاصة أننا نعيش ظروفًا غير طبيعية.

وفي هذا الإطار، يُدلّل عكوش على مشكلة أخرى. اذا طبّق القضاء روح القانون لمودع ماذا عن بقية المودعين؟! بالنسبة لعكوش فإنّ من يلجأ الى القضاء يكون عادة ميسور الحال ومن كبار المودعين، وعليه، إذا تمت تلبية طلبات هؤلاء ماذا سيحصل بصغار المودعين؟ خاصة أنّ كمية الدولارات محدودة ولا تتجاوز العشرة مليارات دولار ما بين مصرف لبنان والمصارف، بينما تبلغ قيمة الودائع الفعلية 93 مليار دولار. يقول عكوش هذا الكلام ليشدّد على ضرورة أن تقوم السلطة بمسؤوليتها لإقرار قانون “الكابيتال كونترول”، قانون إعادة هيكلة الدين العام، خطة إعادة هيكلة المصارف، وخطة التعافي تمهيدًا لحصول كافة المودعين على حقوقهم وإلا لا حل لمشكلة الودائع اذا ما استمررنا بالنهج ذاته، يختم عكوش.

* المصدر: العهد الاخباري
* المقالة تعبر عن وجهة نظر الكاتب