السياسية:

تشهد منطقة الساحل الغربي الأفريقي تحولات جيوسياسية متسارعة قد تحمل معها إمكانية تصاعد التوترات والصراعات على النفوذ بين مختلف اللاعبين الدوليين.

تتبنى روسيا استراتيجية طموحة في التوسع الجغرافي وتعزيز تأثيرها على الساحة العالمية.

وتثير تحركاتها في جمهورية النيجر ودول الساحل الغربي لافريقيا استفسارات وتساؤلات حول طموحاتها وأهدافها الاستراتيجية في المنطقة.

و تشهد النيجر، إحدى الدول الواقعة في منطقة الساحل الغربي الأفريقي، تحولات أمنية هامة، في أعقاب الانقلاب الذي قاده الجنرال عبد الرحمن تشياني، رئيس قوات الحرس الرئاسي الذي أعلن نفسه حاكماً جديداً للنيجر، في يوليو/ تموز الماضي.

والاهتمام المتزايد من قبل روسيا في هذه الدولة واضح وهو ما عكسته تصريحات مسؤوليها الرافضة للتدخل العسكري ضد قادة الانقلاب قي النيجر.

ويبرز احتمال تحول دول الساحل الغربي الأفريقي إلى ساحة صراع على النفوذ بين روسيا والدول الغربية، حيث تعكف روسيا على تعزيز مواقعها في المنطقة من خلال التعاون الأمني والعسكري مع دول الساحل وتقديم الدعم اللوجستي والتدريب العسكري.

“مصافحة روسية نيجرية قريباً”
يقول مدير مركز الحوار الروسي، مسلم شعيتو، إن روسيا لم تعد تقبل بواقع “عالم أُحادي القطب”، وهو ما دفع العديد من الدول لتلتف حول موسكو، لاسيما دول العالم الثالث “التي ترنو إلى التخلص من الهيمنة الاستعمارية الغربية”.

ويضيف شعيتو لبي بي سي، أن النيجر ودول الساحل الإفريقي الغربي ودول العالم الثالث أيضاً، “ترى في روسيا طوق نجاة، وذلك لتاريخ روسيا -غير الاستعماري- و إمكانياتها الضخمة التي يمكن أن تحسن من اقتصاد تلك الدول على أساس التعاون وليس على أساس استعماري”.

وأوضح أن روسيا “لم تقف مع أو ضد انقلاب النيجر، بل تدعو إلى حل سلمي للأزمة”.

تشير التقارير أن النيجر قد تتحول إلى حليف روسي جديد في منطقة الساحل الغربي الأفريقي

وأوضح أن “التقارب العقائدي بين روسيا ودول العالم الثالث، يُتيح لروسيا أن يكون لها موطئ قدم ثابت في الساحل الغربي لإفريقيا ودول الساحل الأفريقي وفي آسيا وغيرها من الأماكن”.

وأكد أن العالم سيرى “مصافحة روسية نيجرية قريباً، عند انتهاء الأزمة”، وهو ما حدث مع دولتي بوركينا فاسو ومالي اللتين تحولت بوصلتهما إلى موسكو بعد سيطرة العسكر على الحُكم فيهما.

“قص أجنحة فرنسا في أفريقيا”

وقالت أستاذة الجيوسياسة، الدكتورة سيلين جريزي، من باريس، إن “خسارة فرنسا للنيجر هي خسارة جيوسياسية في المقام الأول وخسارة استراتيجية في المقام الثاني”، ونوهت إلى أن فرنسا كانت تعلم جيداً أنها “ستخرج من المنطقة في يوم من الأيام”، وذلك بسبب العداء الشعبي المتنامي ضد باريس في مستعمراتها السابقة.

وأضافت جريزي لبي بي سي، أن فرنسا كانت تريد الخروج “وهي تحمل عقوداً تجارية ومُسيطرة على الثروات مثل اليورانيوم، ومستوفية لتعويضات الحرب التي تطالب بها من مستعمراتها السابقة”.

وأشارت إلى أن النيجر كانت آخر وجود سياسي وعسكري لباريس في المنطقة، إذ أن جميع الدول المُحيطة بالنيجر “تكن العداء بطريقة ما لفرنسا” واستشهدت بأمثلة مثل ليبيا والجزائر وبوركينا فاسو وتشاد ومالي.

وبينت جريزي أن فرنسا اخطأت في سياساتها في تلك الدول، إذ كان دورها بمثابة “الدركي وليس رجل الاطفاء”، إذ أنها دعمت انتخابات “كانت تنتج طبقات حاكمة لا تلبي طموحات الشعب، بل وتُعتبر بمثابة اليد الطولى لباريس في تلك البلدان”، وأشارت ” أن فرنسا كانت تدعم انتخابات تفرز قيادات تضمن تفوق باريس وتضمن مصالحها في المنطقة”.

وقالت جريزي إن مع خروج الرئيس محمد بازوم، من المعادلة السياسية في النيجر، “تكون باريس قد فقدت آخر معاقلها في مربع فرنسا التاريخي”، ووصفته بأنه “قص جناح فرنسا بطريقة شبه نهائية” في القارة الأفريقية.

وأعطت الجريزي بُعداً للهجرة غير الشرعية، فلقد كان اهتمام النيجر المهم لباريس من وجهة نظر جيوسياسية -بعد الخروج من مالي- هو التأكد من وجود قوة يمكنها التحكم في محور الهجرة غير الشرعية نحوها ونحو أوروبا عموماً، لأن أغلب طرق غرب أفريقيا تتقاطع عند النيجر في طريقها إلى ليبيا.

محاكمة رئيس النيجر المعزول محمد بازوم بتهمة “الخيانة العظمى”
وأكدت جريزي لبي بي سي، أن التحولات الجيوسياسية في ساحل غرب أفريقيا قد تدخل المنطقة في صراع نفوذ دولي، إلا أنها أكدت أن أمام أي قوة جديدة ستدخل المنطقة “مهمة شاقة لإقناع دول الساحل الغربي بأنها قوة غير استعمارية ولا تريد أن تكرر ما فعلته فرنسا من فرض لثقافتها وللغتها أو حتى تنظيمها للرحلات التبشيرية”.

“مشاعر مُحبطة ضد الحكومات المُنتخبة”
ويقول المحلل السياسي، فولاباي ادكيوجو، الذي يعمل في مركز الديمقراطية والتنمية، المتخصص في دول غرب إفريقيا، إن هناك نمواً مستمراً لـ”المعلومات المضللة التي يتم تداولها يتناسب مع وتيرة نمو مشاعر الإحباط وعدم اليقين بين المواطنين تجاه الحكومات المنتخبة”.

ويضيف لبي بي سي، “رأينا ذلك في بلدان أخرى مثل مالي، بوركينا فاسو وغينيا، حيث رأينا أن المواطنين هناك قد أبدوا ارتياحهم إلى حد كبير على مدى السنوات الثلاث الماضية، واستجابوا مع الانقلابات”.

وأوضح ادكيوجو، الذي تحدث لبي بي سي، من العاصمة النيجيرية، أبوجا، أن “رفع العلم الروسي خلال المظاهرات المؤيدة لقادة الانقلاب في النيجر، يدل على المشاعر المناهضة لفرنسا وكما يدل على اقتناعهم بأن الانقلابيين يحاولون التصدي للإمبريالية الفرنسية”.

ويرى ادكيوجو أن هناك إحساس لدى مواطني دول ساحل غرب أفريقي، بأن أي قوة أو أي مجموعة أو أي دولة لديها “تطلعات لمستوى ما من الهيمنة، تبحث عنها في هذه الدول، وتحاول بالفعل أن تلعب دوراً مهماً للغاية، ويصبح السؤال هنا، ماذا يعني ذلك الآن لمستقبل النيجر؟”.

وبين ادكيوجو، أن الأمر لا يتعلق بالقول “إن روسيا تحظى بشعبية كبيرة أم لا، ولكن هناك حالة من التشبع بفكرة أو رواية أن الإمبريالية الفرنسية ما تزال سائدة اليوم، وهناك جيل جديد من المواطنين الذين يشعرون بالانزعاج والغضب من طبيعة العلاقات بين المستعمرات الفرنسية السابقة وبين فرنسا”.

ويضيف ادكيوجو عن نظرة مواطني المستعمرات السابقة لروسيا، “في المقابل تقدم روسيا- التي لم يكن لديها أي مستعمرات مباشرة في القارة خلال الفترة الاستعمارية- نفسها الآن، على أنها قوة مختلفة تعمل برؤية مُنصفة وبطريقة تتجاوز سياسية المنفعة المتبادلة، بمعنى أنهم يرون في روسيا، نقيض القوة الاستعمارية التي اختبروها طويلاً”.

كما أكد ادكيوجو، أن الدول الغربية تراقب ما يحدث “بحرص شديد” خصوصاً في ما يتعلق بوجود مرتزقة فاغنر في الإقليم، “الأمر الذي له تأثيرات على عدة مستويات”.

تأثير فاغنر في المنطقة
ويظهر احتمال تدخل مرتزقة “فاغنر”، الشركة العسكرية الروسية الخاصة، في المنطقة بقوة.

إذ يعتبر وجود هذه المجموعة عاملاً مثيراً للقلق، وتشير الأنباء والتقارير إلى مشاركتهم في صراعات في مناطق أخرى في القارة ودورهم في زيادة التوترات والصراعات.

ويتخوف الغرب من أن تستغل روسيا ما يحدث من اضطرابات في النيجر، عبر أداة مرتزقة فاغنر، لا سيما مع التحديات الأمنية التي تواجه دول الساحل الغربي، بما في ذلك تهديدات الإرهاب والتطرف المسلح، مما يطرح استفسارات حول القدرة على مواجهة هذه التهديدات واستجابة التحالفات العسكرية.

ويقول الخبير العسكري، الذي عمل في قوات حفظ السلام في عدة دول في منطقة الساحل الغربي الأفريقي، علي عبدالله، إن مسألة التدخل العسكري في النيجر “هي قضية حساسة ومعقدة، وفي حالة حدوثه، قد ينجم عنه تصاعد التوترات والاشتباكات مع القوى الأمنية والعسكرية الأخرى في المنطقة”.

ويضيف عبدالله لبي بي سي، “يجب أن نفهم أن مجموعة فاغنر، لها سجل حافل في تقديم الدعم العسكري والأمني في مناطق متعددة حول العالم، إذ إنها تتميز بخبرات عسكرية متنوعة ومهارات تكتيكية قوية”.

و شدد عبدالله أنه “في حالة إقرار التدخل العسكري في النيجر وتدخل جيوش أفريقية وغربية، يمكن أن تواجه مجموعة فاغنر تحديات كبيرة تتعلق بالتنسيق مع القوات المحلية وفهم الديناميات الثقافية والاجتماعية في المنطقة”.

وأشار عبدالله أنه “يجب أن ندرك أن وجود مرتزقة وشركات عسكرية خاصة يثير تساؤلات حول الشفافية والمسائل القانونية”.

وحول مستقبل مكافحة الإرهاب في تلك الدول، يقول عبدالله، إن مكافحة الإرهاب والتطرف المسلح تتطلب “تعاوناً وتنسيقاً فعالاً بين دول المنطقة، لكن يجب أن نعترف بأن التحديات الأمنية في الساحل الغربي تعد هائلة، والتصدي لها يتطلب تكامل الجهود وتعزيز التعاون الإقليمي”.

* المصدر: موقع بي بي سي
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر