السياسية / نصر القريطي:

 

تبدو الأمم المتحدة انتقائية حتى عندما تدعي انها تسعى لتخفيف الأعباء التي خلفتها ممارسات قوى العدوان على اليمنيين..

حينما أعلنت الأمم المتحدة انها وقعت ما اسمته بمذكرة تفاهم لخفض كلفة التأمين البحرية على الشحنات القادمة الى اليمن فإنها وان بدت في ذلك خطوة إنسانية إلا أنها انتقائية بالكامل..

هذه الخطوة الأممية تبدو في ظاهرها وكأنها تهدف لإظهار الدعم لمن يدعون انهم الممثلون الشرعيون لهذا البلد فيما تؤكد تفاصيلها أنها تهدف لمعاقبة كل اليمنيين بصورة جماعية..

بالعودة لتفاصيل هذا الخبر فإنه يحمل اكثر من حدٍّ وأكثر من دلالة فوفقاً للخبر الذي نقلته وكالة “رويترز” للأنباء فان الأمم المتحدة ممثلة ببرنامجها الإنمائي وقعت مذكرة تفاهم مع وزير النقل في حكومة المرتزقة يقتضي ايداعها مبلغ 50 مليون دولار في الجهة المختصة على الاشراف البحري في لندن..

بموجب هذه الخطوة فإن الكلفة التأمينية للشحنات التجارية الى ميناء عدن الاستراتيجي والتي تضاعفت 16 مرة سيتم تخفيضها..

نجد انفسنا هنا مضطرون لتقسيم هذه الفقرة من الخبر لثلاثة اقسام يحتاج يدلل كلٌّ منها على ان الحرب على اليمن لم تكن عسكريةً فقط وأن الحصار لم يكن نتيجة جانبية لهذه الحرب بل أداةً رئيسيةً من أدواتها وأن الأمم المتحدة لم تكن يوماً حياديةً على الصعيد الإنساني وليست بوارد المضي في هذا النهج كما انها شريكٌ أساسيٌ في العدوان علينا..

وفق ما أوردته رويترز فقد تضاعفت الكلفة التأمينية للشحنات التجارية الواصلة الى ميناء عدن الى 16 ضعفاً لأن اليمن وفق توصيف الجهات الدولية المنظمة لخطوط النقل الدولية يمثل جهة خطرٍ مرتفعٍ على الشحنات التجارية الدولية بكل أنواعها..

حينما نتحدث عن دخول ميناء عدن الذي يفترض به انه غير محاصر ضمن هذا التوصيف لارتفاع الكلفة البحرية فإن ذاك يضعنا امام مقارنة مخيفة لما هو الحال عليه بالنسبة لميناء الحديدة المحاصر حصاراً مطبقاً والذي يتعرض لكل أنواع العراقيل لكل وارداته بما فيها العراقيل الأممية..

ميناء عدن ميناء يمنيٌ لا نرتضي على الاطلاق ان يتعرض لأي حصار او قيود او ان يصنف بأنه عالي المخاطر لكن حقائق الحرب على هذا البلد تؤكد ان ميناء الحديدة هو الميناء وهو الشريان الرئيسي لأكثر من 70 من اليمنيين هو الأكثر حصاراً واستهدافاً..

توقيع الام المتحدة لأي اتفاقية لتخفيف القيود أو تخفيض توصيفات المخاطر الدولية يجب ان يشمل كل موانئنا وعلى رأسها ميناء الحديدة ودون تأخير وان يتم ذاك مع السلطات في صنعاء..

ثم ما قصة المخاطر على الشحنات التجارية هل تعرضت أي ناقلة نفط او شحنة تجارية في المياه الدولية أو الإقليمية اليمنية لأي مخاطر طيلة سنين هذه الحرب..

ذاك غير صحيح ومحاولة التظليل وتزييف الحقائق ووصف بوارج العدو وسفنه الحربية التي تحاصر اليمنيين وتشارك في العدوان العسكري المباشر عليهم بأنها سفنٌ تجارية هو اجحاف كبيرٌ بأبسط مظاهر الحقيقة واساسيات حقوق الدفاع عن النفس التي تكفلها كل المواثيق والقوانين الدولية والاممية..

السعودية والامارات وكل من يقف خلفها من الأمريكيين والبريطانيين وكل القوى الغربية هي من تعسكر مياهنا الإقليمية والدولية وتغرقها في حالة اللا سلم التي يتحدثون عنها..

حتى التحجج الاممي والدولي بمنع صنعاء ناقلات نفطٍ من دخول موانئ يمنية في المدن المحتلة بطرقٍ غير شرعية فإنه غير منطقي ولا أساس له في الحقيقة فذاك الخيار الذي اتخذته صنعاء جاء متأخراً ولا يتجاوز عمره العام كما انه حقٌّ مشروع للدفاع عن ثرواتنا..

تلك الشحنات غير المشروعة تنهب نفطنا وتتم بصورة غير مشروعة ولا قانونية حتى انها لا تدخل حسابات حكومة المرتزقة بصورة مباشرة بل تذهب الى حسابات خاصة في البنك الأهلي السعودي وتمنح قيادات حكومة المرتزقة فتاتها والى حساباتهم الشخصية وليس الحكومية..

من يتحمل أسباب ارتفاع الكلفة التجارية والاقتصادية للشحنات التجارية الى هذا البلد هو العدو الذي شن هذه الحرب الملعونة والذي يبدو انه ليس بوارد تخفيف وطأتها على الصعيد الإنساني والاقتصادي على الأقل..

كما ان وضع موانئ اليمن تحت طائلة المنشآت الدولية مرتفعة المخاطر هو سلاحٌ لمعاقبة اليمنيين بصورة جماعيةٍ اكثر من كونه نتيجة عرضية لآثار الحرب ومساراتها..

كان بإمكاننا ان نحاربهم بذات الطريقة اللا أخلاقية واللا إنسانية التي يحاربوننا بها وان نجعل المياه الدولية التي نحن قادرون على تعطيل مساراتها ناراً حمراء يتجنبونها وعندها سيعرفون ما الذي يعنيه رفع الكلفة التأمينية..

سترتفع كلفة كل الشحنات الدولية التي تمر بهذا الممر الدولي الأكثر أهمية في العالم عشرات بل مئات المرات وسيكون الامريكان والغربيون اكثر من يتأثرون بهذه المعركة الافتراضية وهم الذين يحصلون على نفط المنطقة بأرخص الأثمان وأقل الكلفات..

تلتزم اليمن في معركة الدفاع عن نفسها وسيادتها بأخلاقيات الحرب وقواعد الاشتباك ومبادئ وقيم الإنسانية الانسانية وهو سلوكٌ ثابت لم تكن قوى العدوان قادرةٌ على التشكيك فيه طيلة تسع سنين من هذه الحرب الملعونة..

بالمقابل فإن اللا إنسانية وانتفاء الاخلاق وتجاوز كل مبادئ وقواعد الاشتباك وانتهاك كل القوانين والقيم الإنسانية كان هو السلوك الأكثر استخداماً في هذه الحرب التي تكالب فيها علينا القريب والبعيد..

مضي قوى العدوان في ممارسة اقذر أساليب الحرب علينا عبر سياسية العقاب الجماعي التي تطال كل اليمنيين فتحاصرهم وتمنع شحنات الغذاء والدواء والوقود من التدفق الطبيعي الى موانئهم ومطاراتهم وكل منافذهم الإقليمية والدولية يؤكد ان ادعاءات السعي نحو السلام ليست اكثر من محاولة متقدمةٍ من قبل قوى العدوان لتخديرنا والاستمرار في الحرب علينا..

استمرار الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية في التنصل من دورها في الضغط على المعتدين يؤكد ان كلهم شركاء في هذه الحرب وان من يستهدف هذا الشعب ليس فقط من يقصفه بل كل من يسهم في حصاره والتضييق عليه والتماهي مع مشاريع المعتدين مرة باسم الحرب ومراتٍ باسم السلام.

استحقاقات السلام تبدأ بمعالجة الملف الإنساني والذي يأتي رفع الحصار بصورة كاملة على رأس أولوياته بالإضافة الى تسريع رفع المياه الإقليمية والدولية اليمنية من قائمة المناطق مرتفعة المخاطر..

عدا ذلك فإن ما تقوم به قوى العدوان والأمم المتحدة والمجتمع الدولي ووسطاءه ليس اكثر من تمديدٍ لأمد هذا العدوان وتغطية على جرائم الحرب المستمرة بحق شعبٍ بأكمله.