التغيير الجذري ضرورة حتمية
أحمد الشريف*
في خطابه بمناسبة إحياء ذكرى استشهاد حليف القرآن الإمام زيد بن علي عليه السلام، أكد قائد الثورة الشعبية السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي بأن التمهيد جار لإحداث تغيير جذري في الجهاز الإداري للدولة.
وهذا مطلب شعبي قديما وحديثا طالما انتظر الشعب اليمني تحقيقه كضرورة حتمية لكن معركته ستكون صعبة جدا لا تقل خطورة عن معركة مواجهة تحالف العدوان ضد اليمن والانتصار في إحداث التغيير الجذري لن يتحقق بسهولة بحكم تغول الفساد الذي أصبح ليس بالنسبة للمسؤول اليمني فحسب وإنما حتى المواطن العادي يشكل جزءا من حياته اليومية وثقافة ترسخت في ذهنيته منذ أمد بعيد أعتاد عليها وقد سبق لي أن تحدثت في اكثر من مقال نشر في هذه الزاوية عن طبيعة الفساد الملازم لكل مسؤول لا يخاف الله ولا يوجد لديه ضمير ولا وازع ديني يردعه وعليه سأتعرض من خلال متابعتي لما تقوم به بعض لجان المراقبة على استحياء من كشف للفساد والفاسدين في أجهزة السلطة وكيف كان يتم التستر عليهم في الفترة السابقة ويتم مقاومة عمل هذه اللجان وانتقاده بشدة بحجة أنها تتدخل في مهام الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد وهو ما جعلني أتذكر ما حدثني به قائد عسكري كبير سبق له أن تولى قيادة الحرس الجمهوري في عهد القاضي عبدالرحمن الأرياني رئيس المجلس الجمهوري الأسبق- رحمه الله- هو اللواء محمد عبدالله الفقيه- رحمه الله- لتأكيد على أن الفساد متغولة جذوره منذ عدة عقود ولم تستطع أية حكومة سابقة أن تقف في طريقه حيث قال: كلفني الشهيد إبراهيم الحمدي على رأس لجنة للتصحيح الإداري والمالي للتأكد من صحة البلاغات الواردة حول وجود أسماء وهمية في الوية القوات المسلحة والفساد الذي يمارسه القادة العسكريون ورفع تقارير حول ذلك لاتخاذ إجراءات لتصحيحها ولكن بمجرد وصول اللجنة إلى بوابة أي معسكر نريد الدخول إليه كانت تغلق البوابة في وجه اللجنة لمنعها من الدخول بتعليمات من قائده ماعدا معسكر واحد كان يقوده العميد مجاهد أبو شوارب – رحمه الله – وقد أخذ علي تعهداً بأن أعامله كما أعامل المعسكرات الأخرى في حالة السماح لنا بدخولها وفعلا اكتشفنا أسماء وهمية وفساد إداري ومالي كبير ونتيجة لما سيترتب على ذلك من إجراءات فقد كان بعض قادة المعسكرات يأمرون الجنود بإطلاق النار علينا لتخويفنا فعدنا بخفي حنين وأفشلوا مهمتنا بالكامل.
وقد أدى هذا التوجه للشهيد الحمدي- رحمه الله- بتصحيح الفساد في معسكرات القوات المسلحة إلى تحول قادة الألوية المستفيدين من هذه الظاهرة إلى الالتفاف حول نائب القائد العام للقوات المسلحة رئيس هيئة الأركان العامة آنذاك المقدم أحمد الغشمي الذي كان يعمل على كسب ولاء القادة له بأية طريقة ويسمح لهم بممارسة الفساد الإداري والمالي في معسكراتهم، وقد أثبتت حادثة اغتيال الشهيد الحمدي وأخاه عبدالله قائد قوات العمالقة هذه الحقيقة حيث لم يقم أي قائد عسكري بالتحرك للثأر لهما أو على الأقل الاعتراض على هذه الجريمة الشنيعة بما في ذلك قادة كانوا مقربين من الحمدي مثل المقدم عبدالله عبد العالم عضو مجلس القيادة قائد قوات المظلات والمقدم مجاهد القهالي قائد معسكر في عمران، وكذلك القادة الناصريون الذين كانوا يزعمون أن الشهيد الحمدي ينتمي فكريا إلى تيارهم، وكانوا يسيطرون على معظم الألوية العسكرية واتهموا السعودية التي يرضعون اليوم من حليبها بقتله لم يتحركوا وإنما وقفوا إلى جانب الرئيس الغشمي ودعموه ولم يتمرد عبدالله عبد العالم ضد الرئيس الغشمي إلا بعد أن وجد نفسه قد فقد سلطته بعد أن أصبح المقدم أحمد الغشمي رئيساً للجمهورية وحل مجلس القيادة الذي كان عضوا فيه وقد سار على هذا النهج الموصل لطريق الفساد من تسلموا حكم اليمن بعد مقتل الشهيد الحمدي حيث صار الفساد هو القاعدة وما عداه هو الاستثناء وذلك ضماناً لكسب ولاء القادة والنافذين من المشايخ والوجاهات حتى أصبح نصف الجيش الذي تم بناؤه عبارة عن أسماء وهمية يتقاسمها هؤلاء فيما بينهم إلى اليوم ويتقاضون مرتباتهم الشهرية التي تكلف خزينة الدولة عشرات المليارات من الريالات تذهب جميعها إلى جيوبهم وقد تحدث بصراحة عن هذه الظاهرة المخيفة الأستاذ محسن العيني رئيس الوزراء الأسبق في مذكراته: (خمسون عاما في الرمال المتحركة) وقدم استقالته من رئاسة ثالث حكومة يشكلها في عهد رئيس المجلس الجمهوري القاضي عبدالرحمن الإرياني – رحمه الله – بسبب خلافه مع القيادات العسكرية وفي طليعتهم العقيد إبراهيم الحمدي نائب القائد العام حينها وكذلك المشايخ حول عدم امتثالهم لتصحيح الفساد في القوات المسلحة، وحينما قامت ما تسمى اللجان الرقابية بإماطة اللثام عن حقائق كان يتم التستر عليها قامت الدنيا عليهم ولم تقعد من قبل المتضررين الذين اعتبروا هذا التصرف تعدياً على دور الأجهزة الرقابية التي لم يعد منها سوى اسمها بدليل أنه مُنذ أكثر من أربعة عقود لم يقدم فاسداً واحداً للمحاسبة ومازالت أتذكر ما قاله لي الأستاذ أحمد محمد الإرياني- رحمه الله- الذي كان من أنشط من تولوا رئاسة الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وكان هدفه أن تكون مرجعيته هي مجلس النواب وليس رئاسة الجمهورية، فقد سألته لماذا لا يتم إحالة ملفات قضايا الفساد إلى النيابة مباشرة من قبل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة لتأخذ مثل هذه القضايا مجراها الطبيعي؟ فرد علي قائلاً: هم لا يريدون أن تكون الأمور على هذا النحو وإنما يريدون أن تُرفع الملفات من قبلنا إلى رئاسة الجمهورية وهناك تحفظ لديهم في أرشيفهم ليتم تهديد أصحابها بها وأخذها عليهم كنقاط ضعف تخضعهم للسمع والطاعة وتنفيذ ما يوجه إليهم من تعليمات دون اعتراض حتى لو كانت مخالفة للأنظمة والقوانين، واعتقد أن علي العماد رئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة حاليا يعاني من نفس هذه الإشكالية، وقد تحدث عنها كثيرا وعليه نأمل أن تتم الاستفادة من تجارب الماضي في عملية التصحيح الإداري والمالي وتجنب العوامل التي أفشلتها سابقا لكي يكتب للخطوة القادمة النجاح ويتحقق التغيير الجذري لبناء دولة الحكم الرشيد بإذن الله تعالى.
* المصدر: 26 سبتمبر نت