تمارا برو*

القرار الصيني باستثناء كندا من رحلات السفر الجماعية السياحية للصينيين جاء بعد أن شهدت العلاقات بين البلدين توتراً كبيراً خلال السنوات الأخيرة، وصلت إلى حد تبادل طرد الدبلوماسيين.

رفعت الصين مؤخّراً الحظر عن رحلات السفر الجماعي إلى 78 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية واليابان وكوريا الجنوبية والهند وأستراليا ومعظم الدول الأوروبية، ليزداد عدد الدول التي يسمح بالسفر الجماعي إليها من 60 إلى 138 دولة، وذلك بعد أن حظرت بكين السفر من جراء انتشار فيروس كورونا المستجدّ منذ ثلاث سنوات.

إلا أن الصين استثنت من قائمة الدول كندا، وعلّلت السفارة الصينية في أوتاوا ذلك في بيان بأن الجانب الكندي أثار مراراً وتكراراً ما يسمّى بـ “التدخل الصيني”، وبأن الأعمال والتعابير المنتشرة المعادية للآسيويين تتزايد بشكل ملحوظ في كندا، وأكدت السفارة أن الحكومة الصينية تولي أهمية كبيرة لحماية أمن المواطنين في الخارج وحقوقهم المشروعة، وتتمنى أن يتمكّنوا من السفر في بيئة آمنة وودية.

جاء القرار الصيني باستثناء كندا من رحلات السفر الجماعية السياحية للصينيين بعد أن شهدت العلاقات بين البلدين توتراً كبيراً خلال السنوات الأخيرة، وصلت إلى حد تبادل طرد الدبلوماسيين على خلفية اتهام الصين بالتدخّل في الانتخابات الكندية، وترهيبها لعضو البرلمان الكندي مايكل تشونغ وأسرته.

بدأت علاقة بكين بأوتاوا تشهد تراجعاً في العام 2018 بعد اعتقال السلطات الكندية المسؤولة المالية لشركة هواوي، بناء على طلب من السلطات الأميركية، واعتقال الصين مواطنين كنديّين بتهمة التجسس.

تدخل كندا ضمن قائمة الدول الحليفة للولايات المتحدة الأميركية، وتتشارك معها في انتقاد بكين والعمل على احتوائها. فكندا دائماً تنتقد الصين بحجة أنها تنتهك حقوق الإنسان في شينجيانغ. وعندما أقرّت بكين قانون الأمن القومي لهونغ كونغ عام 2020 ردت أوتاوا على ذلك بتعليق العمل باتفاقية تسليم المجرمين مع هونغ كونغ، وجمّدت صادرات المعدات العسكرية الحساسة إليها.

كما يشوب البلدين توترات بسبب توسّع نفوذ الصين في بحر الصين الجنوبي، وبسبب تايوان التي زارها خلال الأشهر الأخيرة أعضاء من البرلمان الكندي، فانتقدت الصين الزيارات واعتبرت الأمر انتهاكاً لمبدأ الصين الواحدة وتدخّلاً في شؤونها الداخلية. كما حظرت كندا استخدام شبكات الجيل الخامس التي تنتجها شركة هواوي.

وعكس الفيديو الذي انتشر أواخر العام الماضي للرئيس الصيني شي جين بينغ وهو يوبّخ رئيس وزراء كندا جاستن ترودو في قمة مجموعة العشرين التي عقدت في بالي العلاقة الفاترة بين الدولتين. وما أغضب الرئيس الصيني تسريب الجانب الكندي لتفاصيل اجتماع تم بين الرئيس شي والرئيس ترودو على هامش قمة بالي.

تتهم كندا الصين بأنها تدخّلت في انتخابات عام 2019 لدعم 11 مرشحاً معظمهم من الليبراليين. كما تزعم كندا بأن الصين قامت بتنفيذ حملات تضليل تهدف إلى إعادة انتخاب حكومة أقلية بقيادة الليبراليين عام 2021، وإضعاف فرص المرشحين المحافظين. كما اتهمت أوتاوا بكين بأنها تسعى لترهيب نائب كندي وعائلته على خلفية انتقادات وجّهها إلى بكين، الأمر الذي أدانته الأخيرة بشدة ووصفته بأنه” افتراء وتشهير لا أساس لهما”، وتطوّر الخلاف بينهما ووصل إلى حد تبادل طرد الدبلوماسيين.

وفي إطار آخر، تزعم كندا أن الصين تقوم بالتجسس عليها، فقد اتهمت أوتاوا الشهر الماضي ضابطاً متقاعداً بالتجسس لصالح الحكومة الصينية. وبعد إعلان واشنطن عن وجود منطاد تجسس صيني خلال شهر شباط/فبراير الماضي فوق الولايات المتحدة، أعلنت كندا أنها تراقب منطاداً تجسساً صينياً مشبوهاً.

وفي العام الماضي ألقت كندا القبض على مواطن صيني كان يعمل سابقاً لدى شركة الكهرباء العامة في مقاطعة كيبيك للاشتباه في حصوله على أسرار صناعية لمصلحة الصين. وعلى خلفية مزاعم الصين بالتجسس، أمرت أوتاوا 3 شركات صينية بالتخلي عن استثماراتها في شركات كندية تنشط في قطاع المعادن النادرة في أراضيها.

مما لا شك فيه أن قرار الصين باستثناء كندا من الرحلات الجماعية السياحية سيضرّ بالسياحة الكندية، إذ تشكّل الصين أكبر سوق لكندا من حيث حجم إنفاق السياح. ويُوصف الصينيون بأنهم أكثر إنفاقاً من باقي السياح، حيث بلغ حجم ما أنفقوه في العام 2019 نحو 255 مليار دولار، وهو ما يمثّل 20% من إجمالي الإنفاق السياحي الدولي.

تمّ السماح بالسفر الجماعي من الصين إلى كندا في العام 2010. ووفقاً لمجلس الأعمال الكندي الصيني، فإن أكثر من 700 ألف سائح صيني سافروا إلى كندا في عام 2018 وأنفقوا 2 مليار دولار كندي، ولكن بسبب التوترات بين البلدين انخفض عدد السياح إلى كندا من الصين في عام 2019، على الرغم من أن الصين كانت أكبر مصدر لكندا للسائحين الوافدين من منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وثاني أكبر سوق للرحلات الطويلة في كندا بعد المملكة المتحدة.

قد يتساءل البعض لماذا استثنت الصين كندا تحديداً على الرغم من توتر العلاقات بين الصين ودول عديدة؟ فلماذا لم تستثنِ مثلاً الولايات المتحدة الأميركية أو أستراليا؟

لا تسعى الصين إلى توتير علاقاتها أكثر مع الولايات المتحدة الأميركية، فهي تدعو واشنطن دائماً للجلوس إلى طاولة المفاوضات ومعالجة القضايا العالقة عبر الحوار. وتدرك بكين جيداً أن إلحاق الضرر بالاقتصاد الأميركي سيؤثّر عليها نظراً للترابط الوثيق بين أكبر اقتصاديين في العالم.

وبالنسبة إلى أستراليا فعلى الرغم من أن العلاقات بين الجانبين يشوبها التوتر بين الحين والآخر، إلا أن كانبيرا عملت خلال الأشهر الأخيرة على تخفيف حدة التوتر مع بكين، فكان من نتيجة ذلك أن استأنفت الصين خلال شهر أيار/مايو الماضي استيراد الفحم والقطن والنحاس من أستراليا.

مع ارتفاع حدة التوترات في العلاقات بين كندا والصين، كانت الأخيرة تدعو كندا دائماً إلى التوقّف عن التسبّب بتدهور العلاقات الثنائية وملاقاتها في منتصف الطريق. وربما وجدت بكين أن أوتاوا لم تبذل جهداً لتخفيف حدة التوتر معها، بل على العكس كانت تدفع بالعلاقات نحو مزيد من التراجع، وتقف دائماً إلى جانب الولايات المتحدة لانتقاد الصين واحتوائها.

لذلك من المحتمل أن بكين أرادت من وراء عدم رفع حظر السفر إعطاء أوتاوا درساً كي تتوقّف عن انتقاد الصين وتلاقيها في منتصف الطريق، وإرسال رسالة بأن معاداة بكين ستكون لها عواقب وخيمة، تبدأ بحظر سفر السياح الصينيين، ومن ثم حظر المنتوجات الكندية، علماً بأن الصين كانت قد فرضت حظراً على لحوم البقر من كندا منذ عام 2021، بعد اكتشاف مرض جنون البقر.

من المقرّر أن يسافر وزير البيئة الكندي إلى الصين أواخر الشهر الحالي، وذلك في أول زيارة لمسؤول كندي إلى بكين منذ عام 2018، وربما قد تساعد هذه الزيارة في تبريد الأجواء بين بكين وأوتاوا، وتمهّد للقاء بين الرئيس الصيني شي جين بينغ ورئيس وزراء كندا الشهر المقبل في نيودلهي على هامش قمة مجموعة العشرين، ويتمّ الاتفاق على استئناف عودة المجموعات السياحية الصينية إلى كندا، لأن المتضرّر الأول من كلّ ذلك هو كندا.

* المصدر: الميادين نت
* المقالة تعبر عن وجهة نظر الكاتب