ليلى عماشا*

يعرّف الخبث في معجم اللغة بكونه إضمار الشرّ واستعمال الغيلة والمكر والخديعة. وجاء الخبيث في القرآن الكريم بمعنى “الباطل في الاعتقاد، والكذب في المقال والقبيح في الفعال”. إذًا، وصفُ أحدهم بالخبث، سواء كان شخصًا أو شخصيّة معنوية، يختصر كلّ فعاله وارتكاباته ويكشف كلّ خصاله، حتى تلك التي يظنّها لم تزل طيّ التستّر خلف الأقنعة اللمّاعة.

تنطبق بعض هذه المواصفات على عدد من المؤسسات الإعلامية في لبنان، وتجتمع كلّها في محطة MTV. ولنا كبيئة مقاومة معها ذاكرة حافلة بالافتراء والتجنّي والتضليل والتنميط والتحريض والإساءة. إلّا أن ما ارتكبته القناة في يوم الكحّالة، جمع كلّ الارتكابات التي تُصنّف كجرائم إعلامية وتدخل حيّز التحريض المباشر على القتل، والتدخّل الفعلي على الأرض في صناعة الفتنة.

وبما أنّ لا محاسبة للإعلام في لبنان إلّا في حالات متفرّقة ومشتّتة، ومع عدم استطاعتنا كبيئة مقاومة إيقاف المحطة عند حدّها لأنه لا يمكن الانحدار إلى مستواها ولأننا نخاطب الآخرين بأدبيّاتنا وليس بمفرداته الخالية من أي لمحة مؤدّبة ولو سهوًا، يمكن لنا اعتماد نموذج MTV للتعريف بالإعلام الخبيث، بمميّزاته وأهدافه ودوره الوظيفي.

– كيف يكون الإعلام خبيثًا؟

من أبرز أدوار الإعلام هو مدّ المتلقّين بالحقائق وبالمعلومات وبالأفكار. وإن كانت الموضوعية في الإعلام مطلوبة وضرورية نظريًا، فمفهومها يختلط بمفهوم الحيادية لينتج مسخًا لا يستحقّ أيّ ثقة ولا يقدّم أيّ خبر موثوق.

الخبث الإعلامي يكمن في تقديم الأكاذيب كحقائق، على قاعدة “اكذب ثمّ اكذب ثم اكذب حتى يصدّقك الناس” وفي تقديم “بنات خيال” المحرّر كمعلومات وفي صناعة أفكار مؤذية وهدامة وتقديمها في قوالب جميلة وجاذبة.

تنطبق هذه المواصفات على كلّ إعلاميّ وكلّ مؤسسة إعلامية تجتهد منذ سنين في استهداف المقاومة وبيئتها، سواء بشكل واضح ومباشر، أو بشكل ملتوٍّ ومخادع. في الحالين، الخبث حاضر ومرئيّ، ومبتلي بالحماقة حدّ التفوّق على الذات بالفشل والسقوط من حضيض إلى آخر.

عمليًا، قامت MTV حرفيًا بكل هذا في يوم واحد، بل في ساعات قليلة. وهي ليست المرّة الأولى ولكنّها الأحدث زمنيًا: قدّمت المحطة الخبيثة أكاذيبها كحقائق إذ ادّعت أن شباب الحماية في المقاومة اعتدوا على أهالي الكحّالة، ثمّ نقلت ترّهات لا أساس لها من الصحّة كمعلومات ومنها أن حمولة الشاحنة هي عبارة عن ذخائر لأسلحة متطوّرة ونوعية، ثمّ اختارت بحرص شديد بعض المتحدّثين المحرّضين والمعبّئين ضد حزب الله والمشبعين بلغة التفرقة الطائفية وقدّمتهم كناطقين باسم أهالي بلدة الكحّالة.

بكلام آخر، ترجمت MTV بشكل دقيق كلّ مواصفات الإعلام الخبيث في مدى زمني محدود. ارتكبت خبثًا مكثّفًا زاد من احتقان الشارع وكان يتوخَّى دفعه إلى الاشتعال، لولا إشفاق الله على الناس وحكمة رجال الله وأهلهم.

– مميّزات الإعلام الخبيث:

الإعلام الخبيث هو إعلام جنّد نفسه في خدمة العدو، لدوافع كثيرة منها ماديّة ومنها معنوية، ومنها ما هو قائم فقط على الحقد الأحمق. يستثمر هذا الإعلام في حقده بحيث يوظفه ويستخدمه في كل فرصة، سواء في نشرات الاخبار ولغتها أو في البرامج السياسية أو حتى في الفقرات الترفيهية.

من جهة أخرى، يتميّز الاعلام الخبيث بقدرة عالية على استغباء الجمهور والاستهتار بعقله. يدس الأكاذيب المكشوفة وينشر الأضاليل المعروفة من دون أي اعتبار لذكاء المشاهد.

أيضًا يتميز هذا الاعلام بالبحث الدقيق داخل مناطق بيئة المقاومة عن أي “شيعيّ” يجد في نفسه ما يكفي من السوء لنستخدمه القناة الخبيثة بأي شكل من الأشكال. وإذا لم تجد، تحلّ لها التكنولوجيا الأمر بحيث يمكن لنا أن نسمع رسالة صوتية وردت إلى MTV من “شيعي يسكن في الضاحية”.

أضف إلى كلّ ذلك، الإعلام الخبيث يقدّم التفاهة والسفاهة والهبوط الأخلاقي والسلوك المنحرف كعناصر إلزامية في برامج الترفيه التلفزيوني.

– أهدافه ودوره الوظيفي:

يُستخدم الإعلام كأداة رئيسية في الحرب الثقافية والإعلامية، ويُعد من الأدوات الأكثر فعالية في العديد من الخطط الهجومية التي يعدّها العدو في سبيل قلب المفاهيم والتسويق لمفاهيمه المشوّهة، أو بهدف تشويه صورة المقاومة ورموزها وبيئتها، أو في محاولاته الحثيثة لصناعة “رأي عام” موجّه ومبرمج ضد المقاومة.

نشط الوكر العوكري ولا سيّما بعد حرب تموز في إعداد وتشغيل فرق إعلامية تحت سقفها، بعضها علنيّ ومكشوف التبعيّة وبعضها الآخر سريّ تكشفه أهدافه التي تتقاطع مع الأول في الكثير من المحطات.

هذه الفرق تواطأت بشكل فاضح ومن داخل المؤسسات ضد بيئة المقاومة وضد كلّ ما يرتبط بالمقاومة. حجزت “هواءها” على مدار الساعة للتعبير عن سلوكها العوكري: برامج سياسية تعتمد على التهجّم حينًا والتضليل أحيانًا، نشرات إخبارية حافلة بالأكاذيب وبالإشاعات، برامج “ترفيهية” تنمّط أهل المقاومة أو تسخر منهم أو تستفزّهم وصولًا إلى فقرات البث المباشر التي تحرّض عليهم وتشعل بينهم وبين الاخرين نار الفتنة كي تبيح دمهم! إذًا، يؤدي الإعلام الخبيث دورًا حيويًا في خدمة المعسكر الأميركي مباشرة، يتحرّك بإمرته وينفّذ أجنداته بالحرف الواحد، ويروّج لكل ما يفيد العدو ويؤذي المقاومة وأهل المقاومة، وإن اختلفت آلية التنفيذ بين قناة واضحة العداء مثل MTV وأخرى تعتمد تقنية “ضربة عالمسمار ضربة عالحافر”.

لا ينحصر كلّ الذي سبق في محطة MTV وحدها، لكنّه كثيف وظاهر في أدائها بشكل يسهّل على الرائي اعتمادها نموذجًا واضحًا عن الإعلام الخبيث، ولا سيّما بعد نشاطها الواضح في يوم الكحالة والذي تسبّب في الوصول إلى “اشتباك” وكاد لولا وعي الناس وحكمة حزب الله أن يأخذ البلد كلّه إلى بركة دم وساحة اقتتال. هل يوجد أخبث من ذلك وأوقح؟!

* المصدر: موقع العهد الاخباري

* المقالة نقلت من المصدر وتعبر عن وجهة نظر الكاتب