لماذا ترفض الصين خطّة اليابان بتصريف مياه محطة فوكوشيما النووية في المحيط؟
تمارا برو*
انتقدت الصين بشدة خطة اليابان لتصريف المياه الملوثة في المحيط الهادئ منذ أن أعلنتها عام 2021، ودعت طوكيو إلى إعادة النظر فيها.
قبل 12 عاماً، تحديداً في 11 آذار/مارس 2011، ضرب زلزال بلغت قوته 9 درجات شمال شرقي اليابان، ما تسبب بحدوث تسونامي مدمر أدى بدوره إلى انهيار 3 من أصل 6 مفاعلات نووية في محطة فوكوشيما دايتشي النووية.
وتحتوي المفاعلات التالفة على وقود منصهر، ما يستوجب تبريد المفاعلات بشكل دائم. ولهذه الغاية، تقوم شركة طوكيو للطاقة الكهربائية بسكب الماء على المفاعلات، ويتم امتصاص الماء الملوث الذي يخرج بواسطة مضخات، ويُعالج باستخدام نظام معالجة السوائل المتقدم(ALPS) الذي يقوم على تنقية المياه الملوثة وإزالة معظم المواد المشعة باستثناء التريتيوم، ومن ثم تجمع المياه المعالجة في خزانات خاصة أصبحت ممتلئة بنسبة 90%.
وكانت اليابان قد أعلنت عام 2021 أنها ستصرف أكثر من مليون طن من المياه المخزنة إلى المحيط الهادئ. وبحسب تقارير إعلامية يابانية، من المقرر أن تبدأ طوكيو تصريف المياه الملوثة التي تقول إنها عالجتها أواخر الشهر الحالي.
وبعدما زار فريق الوكالة الدولية للطاقة الذرية المحطة النووية الشهر الماضي، أكدت الوكالة الدولية أن خطة اليابان لإطلاق مياه الصرف من محطة فوكوشيما النووية تتوافق مع المعايير الدولية، وأن إطلاق المياه لن يكون له تأثير يذكر في البيئة.
قوبل الإعلان عن خطة طوكيو لتصريف المياه الملوثة في المحيط الهادئ بانتقادات شديدة من جهات محلية ودولية؛ ففي الداخل الياباني، يخشى الصيادون اليابانيون أن يضر القرار بالثروة السمكية للبلاد ويهدد صناعتها، وخصوصاً أن اليابان ما لبثت أن تنفست الصعداء بعدما ألغى عدد من الدول القيود التي فرضتها على واردات المنتجات الزراعية والسمكية اليابانية.
وفي كوريا الجنوبية، التي رأت أن تأثير تصريف المياه سيكون ضئيلاً فيها، ازدادت مخاوف المواطنين بشأن سلامتهم. ومع أنَّ السلطات الكورية حاولت تهدئة الرأي العام، إلا أنَّ المخاوف استمرت، إذ قام المستهلكون بتخزين ملح البحر ومواد أخرى، ما رفع سعر ملح البحر في كوريا الجنوبية بنسبة 27% في شهر حزيران/يونيو مقارنة بالشهرين السابقين.
وتعهد المشرعون الليبراليون المعارضون، الذين يسيطرون على الأغلبية في البرلمان الكوري الجنوبي، بخوض معركة شاملة ضد خطط التسريح اليابانية، واتهموا حكومة يون سوك يول بتعريض صحة الشعب للخطر، من خلال محاولتها تحسين العلاقات مع طوكيو.
أما الصين، فقد انتقدت بشدة خطة اليابان لتصريف المياه الملوثة في المحيط منذ أن أعلنتها عام 2021، ودعت طوكيو إلى إعادة النظر فيها. ترى بكين أن تصريف المياه الملوثة سيكون على حساب البيئة الطبيعية وصحة الإنسان. لذلك، حثت طوكيو مراراً وتكراراً على وقف خطتها للتصريف والتشاور مع البلدان المجاورة والتعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لوضع آلية مراقبة دولية طويلة الأجل تشمل جيرانها وأصحاب المصلحة الآخرين في أقرب وقت ممكن.
ورأت الصين أنَّ اليابان تجاهلت مخاوف المجتمع الدولي ورفضه الخطة من منطلق اقتصادي بحت، نظراً إلى أنها أقل تكلفة من الخيارات التي تم عرضها للتصريف، وأشارت إلى أن تصريف اليابان ملايين الأطنان من المياه الملوثة خلال الأعوام الثلاثين المقبلة يرمي إلى معاملة محيط الباسفيك ” كمصرف صحّي”.
في المقابل، انتقدت اليابان التصريحات الصينية، وادّعت أنَّ كمية التريتيوم المشع من مياه الصرف من المحطات النووية الصينية المسجلة في 13 نقطة مراقبة في الصين عام 2021 تجاوزت الحد الأقصى المسموح به للكمية السنوية من المواد الموجودة في المياه المعالجة التي سيتم إطلاقها من محطة فوكوشيما دايتشي.
أثارت الصين خطة اليابان لتصريف المياه من محطة فوكوشيما في المحافل الدولية؛ فخلال انعقاد الدورة الـ53 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الشهر الماضي، حثّت بكين طوكيو على وقف خطتها لتصريف مياه فوكوشيما.
وقدمت البعثة الدائمة للصين لدى الأمم المتحدة في فيينا إلى اللجنة التحضيرية الأولى للمؤتمر الاستعراضي الحادي عشر لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية ورقة عمل تعارض خطط طوكيو لإطلاق المياه المشعة في المحيط. وبحسب الورقة، فإن اليابان فشلت في إثبات فعالية وموثوقية معدات التنقية لمعالجة المياه الملوثة على المدى الطويل.
ووفقاً للبيانات الصادرة عن اليابان، فإن ما يقارب 70% من المياه الملوثة نووياً التي عولجت بواسطة نظام “ALPS” لا تزال تفشل في تلبية معيار التفريغ، وتحتاج إلى تنقيتها مرة أخرى. وبالنسبة إلى قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، اعتبرت الصين أن المنظمة الأممية أجرت مراجعتها وتقييمها بناء على المعلومات والبيانات التي قدّمتها اليابان فقط.
وكانت خطط اليابان لتصريف المياه الملوثة في المحيط الهادئ من ضمن المباحثات التي أجراها المسؤولون الصينيون مع المسؤولين اليابانيين؛ فعندما التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ رئيس الوزراء فوميو كيشيدا على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك) العام الماضي، تطرق الجانبان إلى مسألة المياه الملوثة. وعندما التقى وزير الخارجية الصيني وانغ يي نظيره الياباني يوشيماسا هاياشي على هامش اجتماع الآسيان الشهر الماضي، وفي بكين خلال شهر نيسان/أبريل، ناقش الجانبان مياه فوكوشيما الملوثة.
مما لا شك فيه أن السياسة أدت دوراً كبيراً في قضية تصريف اليابان مياه فوكوشيما في المحيط الهادئ، إلى جانب القلق من تلوث البيئة البحرية والأضرار بصحة السكان؛ فإذا أخذنا حالتي كوريا الجنوبية والصين، فسيؤول كانت قد أعلنت في العام 2021 رفضها خطة تصريف المياه، إذ قال وزير خارجيتها إن بلاده تأسف بشدة لقرار اليابان تصريف المياه في المحيط الذي قد يكون له تأثير مباشر أو غير مباشر في سلامة الشعب والبيئة المحيطة في المستقبل.
واليوم، بعد التقارب بين سيؤول وطوكيو بدعم أميركي، من أجل مواجهة “تهديدات كوريا الشمالية وتمدد النفوذ الصيني”، أيدت كوريا الجنوبية خطة اليابان لتصريف المياه، مع الإشارة إلى أن سيؤول لم ترفع بعد القيود التي فرضتها على المواد الغذائية اليابانية.
لا شك في أن العلاقات المتوترة بين الصين واليابان، التي اعتبرت الصين “تحدّياً استراتيجياً غير مسبوق”، زادت من اعتراض الصين على خطط اليابان لتصريف مياه فوكوشيما. وبما أن بكين هي الوجهة الأولى للموارد البحرية اليابانية، إذ استحوذت على 22.5% من صادرات المأكولات البحرية اليابانية بقيمة 604 مليون دولار، تليها هونغ كونغ بنسبة 19.5% بقيمة 527 مليون دولار، فإن من شأن مضي اليابان في خطتها وتشدد الصين في تفتيش الواردات الغذائية اليابانية أن يلحقا أضراراً باليابان.
وبعد وقوع حادثة فوكوشيما عام 2011، حظرت الصين المواد الغذائية والزراعية من 5 محافظات يابانية، ثم اتسع الحظر لاحقاً ليشمل الآن 10 محافظات. وبعد إصرار اليابان على تصريف المياه الملوثة في المحيط الهادئ، أعلنت سلطات الجمارك الصينية أنها ستفحص بدقة الواردات الغذائية من المحافظات الأخرى غير المحظورة.
وحتى إن سعت طوكيو إلى إيجاد أسواق أخرى غير الصين وهونغ كونغ، فإن محاولتها ستفشل، إذ سيرفض الملايين في العالم شراء المنتجات الغذائية اليابانية خوفاً من تلوثها بالإشعاعات، على الرغم من رفع القيود على المنتجات الغذائية اليابانية.
ستعقد قمة ثلاثية بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا ورئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول في 18 من الشهر الحالي، وسيطرح كيشيدا قضية المياه الملوثة، ومن المحتمل أن تؤجل اليابان عملية تصريف المياه من أجل الإجابة عن الاستبيانات الثلاثة المشتركة التي أرسلتها الصين وروسيا، والمتعلقة بالقضايا الفنية لمياه المحطة، وربما يجتمع الرئيس الصيني برئيس الوزراء الياباني على هامش قمة مجموعة العشرين المقرر عقدها الشهر المقبل لمعالجة قضية التصريف.
في المحصلة، ستكون اليابان هي الخاسر الأكبر في حال مضت في تنفيذ خطتها بشأن مياه محطة فوكوشيما، وستسبب مزيداً من التدهور في علاقاتها مع الصين.
* المصدر: الميادين نت
* المقالة تعبر عن وجهة نظر الكاتب