استجرار الفتنة في لبنان.. إلى متى؟
شارل أبي نادر*
لم تكن حادثة الأمس في منطقة الكحالة في محافظة جبل لبنان عادية، لا بوقائعها ولا بأبعادها ولا بما يمكن أن ينتج عنها من ذيول أو تداعيات. وفي الوقت الذي تطرق فيه حزب الله إلى عرض حقيقة ما حصل عبر بيان أصدرته العلاقات الإعلامية في الحزب، وأوضحت فيه طبيعة الإشكال الذي وقع عند منعطفات الكحالة، فإن حساسية الحادثة بما تعنيه وبما يمكن أن تفرضه من تداعيات أو تطورات، تفرض نفسها على كل الملفات الشائكة التي تعج بها الساحتان اللبنانية والإقليمية.
يكفي من الوقائع التي ظهرت للجميع عن التفاصيل الحقيقية للحادثة، ومن المعطيات التي تناولها حزب الله في معرض بيانه، والتي تأكدت من خلال ما نُشر من مشاهد مصورة ومن ما صدر عن أغلب الذين عاينوا الحادثة كمراقبين أو مشاركين في الحادثة، ومن مختلف الجهات، ضمنًا الذين افتعلوا الحادثة الأليمة وتسببوا بها، أن نستنتج أنه حصل اعتداء موصوف على الشاحنة التي انقلبت على طريق الكحالة، وبقرار مقصود عمدًا، بعد أن اكتشف المعتدون أن الشاحنة تابعة لحزب الله، وبعد أن شكوا بأنها محملة داخل الصناديق الخشبية المغلقة بأسلحة أو ذخائر.
عدة تساؤلات تطرح نفسها حول وقائع الحادثة ومنها:
– لماذا عمدت العناصر الحزبية إلى اتخاذ هذا الموقف العدائي ضد عناصر حزب الله المكلفين بحماية الشاحنة ومنع الاقتراب منها؟
– هل هم مكلفون من قبل رؤسائهم أو من قبل جهة معينة داخلية أو خارجية بإطلاق النار واستدراج عناصر حزب الله إلى الرد بالمثل وإلى التسبب بوقوع إصابات في الأرواح في الوقت الذي يعلم فيه هؤلاء أن عناصر حزب الله لا يمكن لهم أن يتهاونوا ولو قيد أنملة في تنفيذ مهمة هم مكلفون بها فكيف إذا كانت مهمة حساسة ودقيقة كالتي حصلت الحادثة بسببها؟
– كل ذلك حصل في الوقت الذي يعلم الجميع فيه وخاصة أبناء البلدات التي تحضن طريق البقاع – بيروت، أن حزب الله يستعمل هذا المسلك بشكل دائم ومنذ عشرات السنوات، لانتقال عناصره ولنقل عتاده العسكري وغير العسكري، وليس جديدًا أو طارئًا اليوم أن تنتقل شاحنة محملة عتادًا خاصًا بحزب الله على هذه الطريق الدولية، والتي من المفترض انها مفتوحة للجميع، فما الذي تغير اليوم وأثار حفيظة هؤلاء لكي يختلقوا مشكلًا حساسًا في غير مكانه وفي غير زمانه وبمستوى مرتفع جدًا من الخطورة؟
من جهة أخرى، هناك أكثر من نقطة حول الحادثة تستدعي التوقف عندها ومتابعة أبعادها وارتباطاتها الحساسة والخطيرة بعدة أمور وهي:
توقيت الحادثة: لا شك أن المنطقة اليوم تعيش ظروفًا دقيقة جدًا وخطيرة تحيط بها الكثير من التكهنات والتقديرات بإمكانية نشوب مواجهة بين العدو الإسرائيلي وبين حزب الله، وذلك على خلفية عدة حوادث حدودية وخاصة في تلال كفرشوبا ومزارع شبعا وبلدة الغجر المحتلة، الأمر الذي يجعل بعض المتابعين الجديين لظروف الحادثة ولأبعادها يعتبرون أن نوايا مفتعلي الحادثة الذين اعتدوا على العناصر المكلفين بنقل وحماية الشاحنة واستدراج حزب الله الى مشكل دموي وتوريطه بمشكلة غير بعيدة بظروفها وتداعياتها عن التسبب بفتنة داخلية واسعة تتوافق مع نوايا مؤكدة لدى العدو الإسرائيلي بمهاجمة حزب الله والاعتداء عليه، بحجة امتلاكه صواريخ وأسلحة نوعية تشكل تهديدًا كبيرًا وخطيرًا وأكيدًا عليه (للعدو الإسرائيلي)، وليكون تصرف المعتدين على شاحنة وعناصر حزب الله في الكحالة، ومحاولة فضح حمولتها والتشهير بها اعلاميًا وكأنه يتكامل مع ما تقوم به “إسرائيل” في سوريا وفي أمكنة أخرى من اعتداءات جوية وصاروخية ضمن معركتها المعروفة “معركة بين الحروب” لاستهداف أسلحة وقدرات حزب الله النوعية والردعية.
النقطة الأخرى التي تستدعي أيضًا التوقف مليًا عندها حول توقيت الحادثة ومضمونها، أنها تواكبت في التوقيت وفي الهدف أيضًا مع اجراءات ومحاولات أميركية جدية تحصل اليوم في سوريا لقطع الطريق البري بين العراق وسوريا، والذي يشكل شريانًا لوجستيًا رئيسيًا للمقاومة ولأسلحتها النوعية، وكأن هؤلاء (قاطعي الطريق) مكلفون بتنفيذ قطع امدادات سلاح حزب الله في “وصلة الكحالة” من ضمن مسار الطريق الممتد من العراق عبر سوريا الى لبنان.
في الواقع، ليس أمرًا جديدًا أو طارئًا على الساحة اللبنانية، وليس أمرًا مستغربًا من قبل حزب الله، أن هناك أطرافًا لبنانية داخلية تعارض سلاحه، وهذه الأطراف تجاهر بذلك علنًا، وهناك ربط نزاع سياسي بين حزب الله وبين هذه الأطراف مفتوح على مصراعيه سياسيًا واعلاميًا، وهذا الخلاف الداخلي حول سلاح المقاومة، هو ملف شائك ومطروح دائمًا في أروقة المؤسسات الرسمية والمنتديات السياسية اللبنانية، ولكن الطارئ في الأمر والذي يدعو للاستغراب أن تتبرع أطراف داخلية لبنانية لتقدم أوراق اعتماد فعلية في استعمال سلاحها والتصويب مباشرة على عناصر لحزب الله مكلفين بتنفيذ مهمة خاصة بعمل المقاومة، واستدراج البلاد الى فتنة داخلية قد يعلم الجميع كيف تبدأ، ولكن حتمًا، لن يستطع أحد أن يعلم كيف تتطور وكيف تنتهي.
من هنا، وأمام هذه الظروف الحساسة التي يمر فيها لبنان بالإضافة أيضًا للظروف الحساسة التي تمر فيها المنطقة، ولما أصبح واضحًا للجميع حول نوايا خارجية جدية لاستهداف الساحة الداخلية اللبنانية بأمنها وتماسكها واستدراجها الى فتنة داخلية، ستكون حتمًا قاتلة ومميتة، فإن الجميع (وخاصة الغيورين على مصلحة لبنان وعلى وحدته وأمن شعبه) مدعوون لاستيعاب الحادثة وتداعياتها بما تحتاجه من حكمة وتعقل وبعد نظر وصبر، وذلك لتمرير هذه الظروف الاستثنائية بأقل قدر ممكن من الخسائر والتداعيات.
* المصدر: موقع العهد الاخباري
* المقالة تعبر عن وجه نظر الكاتب