لماذا تتعثر برامج الإغاثة الإنسانية ولا يتوقف العدوان..!
السياسية / نصر القريطي:
ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تعلن فيها المنظمات الأممية والعاملة في المجال الإنساني عجزها عن مواصلة برامجها والسبب المعلن دوماً هو نقص التمويل..
اعلان برنامج الغذاء العالمي تعليق عمله في بلادنا ابتداءً من يوم غد الثلاثاء يحمل الكثير من المدلولات لمن يريد ان يعرف حقيقة هذه البرامج وارتباطها بمنظومات الحرب في البلدان التي تعمل فيها..
لسنا في هذه اللمحة السريعة بوارد كيل الاتهامات لمن يقفون خلف هذه البرامجية الإنسانية والاغاثية ولسنا في هذا المقام بصدد محاولة كشف آليات التآمر المرتبطة بعمل هذه المنظمات..
السؤال الذي يبحث اليوم عن إجابة ملحّةٍ هو “ما السر وراء تعثّر برامج الإغاثة الأممية في الوقت الذي لا تتعثر فيه آليات الحرب والعدوان..!”..
لا نتحدث هنا عن قوى العدوان بل عن المنظمات الأممية والعاملة في المجال الإنساني..
لماذا تعاني برامج الإغاثة المخصصة لليمن من نقصٍ في التمويل في الوقت الذي لا تعاني فيه برامج العقاب الجماعي التي تستهدف الشعب اليمني من أيّ تعثّرٍ أو صعوبات تمويلية..
على سبيل المثال أليست هناك آليات لحصار اليمنيين والرقابة على وارادات الغذاء والوقود والدواء اليهم وتنتشر في اكثر من دولةٍ ومنها جيبوتي ولا تمر سفينة شحن الى موانئنا إلا بعد اجتيازها فلماذا لم نسمع يوماً منذ بدء العدوان عن تعثرها او ايقافها أو حتى تعليق عملها على اقل تقدير بسبب نقصٍ في التمويل أو نتيجة عدم وفاء المانحين الدوليين بالتزاماتهم تجاهها..
الإجابة على هذا التساؤل المشروع ستحلينا بالضرورة الى الحديث عمّن يقف خلف هذه السياسات اللا أخلاقية والازدواجية في المعايير حتى على مستوى الادعاءات الإنسانية والاغاثية..
وبالعودة لأسباب وجود هذه المشاريع والبرامج الإنسانية والاغاثية بالأساس فإن الحرب وآثارها هي السبب الرئيسي بل والوحيد لوجودها وحتى لو كان اليمنيون فقراء قبل الحرب فإنهم لم يكونوا بحاجة لبرامج اسعافية سيلحق توقفها الضرر بملايين اليمنيين وفق بيانات واحاطات المنظمات الأممية والعاملة في المجال الإنساني..
حدِّثوني عن دولةٍ ليس فيها حربٌ أو لم تصل اليها يد التخريب والتآمر الأمريكي الغربي ثم أعلنت تلك الدول ومنظماتها العاملة في المجال الإنساني عن مساعدتها..
ذاك غير موجود بينما العكس هو الذي نعيشه واقعاً مؤلماً كل يوم.. من أفغانستان الى العراق الى ليبيا وسوريا واليمن والسودان كل هذه الدول طالتها يد المتآمرين وأيادي المخربين الذين يدعون انهم رعاة الإنسانية..
ثم وبكل فجورٍ يجتمع هؤلاء ليقروا تقديم مساعداتٍ لشعوب الدول التي تآمروا عليها والتي يحاصرونها من جهة وينهبون خيراتها من جهةٍ ثانية في تزامنٍ غيرُ بريء..
ألم يكن السودان فقيراً وكان يعاني الآمرّين لكننا لم نسمع عن مؤتمرات اممية عاجلة ولقاءات للمانحين الدوليين لإنقاذه إلا حينما شرعت أدوات الأمريكان والصهاينة والغربيين في تنفيذ الجزء الأخطر من مخطط تدمير هذا البلد عبر الحرب المباشرة التي أشعلوها اليوم بين السودانيين..
ذاك ينطبق على اليمن وسوريا وكل بلدٍ امتدت اليه أيادي الآثمين لتدمره وتحيله الى بلدٍ غير آمنٍ وغير مستقر وبالضرورة يحتاج الى المساعدة..
في بلادنا الصورة أكثر وضوحاً لأن الأمر لا يقتصر على الحرب التي تلتهم كل شيءٍ في هذا البلد بل ان الحصار والحرب الاقتصادية علينا هي الأكثر ضراوة ثم يدّعي هؤلاء انهم قلقون علينا ويريدون مساعدتنا..
كيف لنا ان نصدق أن الأمريكي والبريطاني وكل الدول الغربية التي تحاصر بوارجهم وقواتهم موانئنا ومطاراتنا وكل منافذنا البرية يريدون ان يمدوا لنا يد العون..!
هل من المنطق ان تمنع شحنات الغذاء والوقود والدواء من الوصول الى هذا البلد الذي تحاصره ثم تدعي انك تريد ان تقدم لشعبه فتات المساعدات المسيسة والمبرمجة..
اعلان احد البرامج التابعة للامم المتحدة تعليق تقديم مساعداتها ابتداءً من مطلع شهر أغسطس الوشيك هو صورةٌ مجسمةٌ لحقيقة ازدواجية في آليات عمل هذه المنظمات اللا إنسانية التي تتعثر دوماً بسبب تغيير من يقفون خلفها من استراتيجياتهم في استهداف هذا البلد..
أليست هذه البرامج تابعةً للأمم المتحدة التي تدعي حرصها على رفع المعاناة عن كاهل اليمنيين الذين يتعرضون للحرب والحصار منذ تسع سنين..
أليست الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وكل الدول الغربية هي من تدير دفّة هذه المنظمة الأممية وتوجه أنشطة المنظمات التابعة لها حيث تشاء.. أليس مجلس الامن الدولي التابع للأمم المتحدة هو من يقرر من يجب ان يتم دعمه ومن يجب ان يتم معاقبته..
المفارقة التي تبعث على السخرية هي تزامن إعلان منظمة الغذاء العالمية عن إيقاف برامجها بسبب نقص التمويل مع اعلان واشنطن ولندن عن تقديم كل منهما على حدة مساعدات وهمية بملايين الدولارات لدعم الانشطة الانسانية في اليمن ودعم الفئات الأشد فقراً في اليمن..
الأحرى بالأمريكي والبريطاني وكل القوى الغربية التي تدعي انها تريد التخفيف من معاناة اليمنيين ان ترفع الحصار عن هذا الشعب بدلاً من ادعاءات الإنسانية المفرغة من كل مضامينها وقيمها الانسانية..
المساعدات الإنسانية اممية كانت أو عبر المنظمات الدولية التي تملكها الدول ليست اكثر من أدوات تستخدم لابتزاز الأمم ولفرض المزيد من المعاناة على شعوبها والتي تبدو في الحقيقة أدواتٍ لإطالة امد حاجة الشعوب الى تلك المنظمات ومن يقف خلفها..
تلك هي المفارقة التي تؤكد ان من يرتدون اقنعة الإنسانية المسيسة يحملون خلف تلك الأقنعة الكثير من الوجوه التي تناقض أفعالها على الأرض كل ادعاءاتها وزيفها..
اليمنيون ليسوا بحاجة للمساعدة من الآخرين.. لكن كل ما يحتاجون اليه هو تركهم ليمضوا نحو بناء مستقبلهم دون تدخل أو توجيهٍ أو تبعية لأحد.