تمارا برو *

يترقب العالم بحذر ما ستؤول إليه الأوضاع في النيجر التي شهدت انقلاباً عسكرياً ضد الرئيس محمد بازوم الذي تولى السلطة عام 2021 خلفاً لسلفه محمدو إيسوفو، ليكون بذلك أول رئيس مدني منتخب يحكم البلاد.

ويفتح انقلاب النيجر الباب على التنافس السياسي على أفريقيا بين القوى الكبرى، في ظل تراجع الهيمنة الغربية على القارة السمراء لمصلحة المعسكر الشرقي المتمثل بالصين وروسيا.

خلال السنوات الأخيرة، ازدادت الاستثمارات الصينية في القارة الأفريقية، ولا سيما في مجال النفط والتعدين؛ ففي عام 2022، بلغ الاستثمار الصيني المباشر في أفريقيا 3.4 مليارات دولار. وخلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي، بلغ الاستثمار الصيني في أفريقيا 1.38 مليار دولار، بزيادة سنوية قدرها 24%. ويبلغ عدد الشركات الصينية التي تستثمر في أفريقيا أكثر من 3000 شركة.

ترافقت الاستثمارات الصينية في أفريقيا مع حدوث انقلابات في عدد من البلدان الأفريقية، مثل بوركينا فاسو وغينيا ومالي وتشاد والسودان، حيث تنفذ الصين استثمارات ضخمة، لا سيما في قطاع النفط واستخراج المعادن.

ومما لا شك فيه أن انقلاب النيجر ستكون له عواقب على الاستثمارات الصينية، في وقت تسعى بكين إلى تعزيز حضورها في الدولة الغنية باليورانيوم والمعادن. وفي تعليقها على الانقلاب، قالت وزارة الخارجية الصينية إن بكين تراقب الوضع في النيجر من كثب، ودعت الأطراف المعنية إلى العمل لمصلحة البلاد وشعبها وحل الخلافات سلمياً من خلال الحوار.

بدأت العلاقات الدبلوماسية بين الصين والنيجر في 20 تموز/يوليو 1974. وعام 1978، عينت النيجر إدريسا هارونا أول سفير لها في بكين، ولكن نيامي أعادت علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان عام 1992. لذلك، قطعت الصين علاقاتها الدبلوماسية بالنيجر.

وبعد 4 سنوات، تمت استعادة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والنيجر. ومنذ ذلك الوقت، تطورت العلاقة بين البلدين، ووصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى 993.6 مليون دولار أميركي عام 2022، إذ بلغت صادرات الصين إلى النيجر 675.92 مليون دولار أميركي، بزيادة سنوية قدرها 72.6%، وبلغت واردتها 317 مليون دولار أميركي، بانخفاض 14% على أساس سنوي.

وأقامت الصين العديد من المشاريع في النيجر، ولا سيما في مجالات الزراعة، والبنى التحتية، والتعدين، النفط، وبناء المنازل والمستشفيات والجسور، وغير ذلك.

تهتمّ الصين بالنيجر نظراً إلى الإمكانات الكبيرة التي تحتويها أرض هذا البلد الغني بالنفط والمعادن الطبيعية التي تحتاجها لتطوير اقتصادها؛ فالنيجر هي سابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم. وقد أنتجت نحو 5% من التعدين العالمي عام 2022.

استثمرت شركة البترول الوطنية الصينية المملوكة للدولة في حقل “أغاديم” (Agadem) في شرق النيجر، حيث بدأت بأنشطة استكشاف مكثفة فيه بين عامي 2008 و2017، فقامت بحفر 166 بئراً استكشافية. وعام 2011، بدأت بإنتاج النفط.

وعام 2019، أطلق مشروع “Agadem 2” خط الأنابيب الذي يبلغ طوله 2000 كم، والذي يربط حقل أغاديم النفطي بميناء “سيمي” في دولة بنين. وكان من المفترض أن يكتمل المشروع عام 2022، لكن تفشي جائحة كورونا أعاق ذلك.

وقد تم إكمال 30% من الخط، على أن يبدأ تشغيله نهاية عام 2023. ولحماية المشروع، تم نشر أكثر من 700 جندي. وفي الآونة الأخيرة، وقعت شركة “سينوباك” الصينية مذكرة تفاهم مع وزارة البترول في النيجر لاستغلال العديد من المناطق النفطية في الدولة.

من ناحية أخرى، تهتم الصين بيورانيوم النيجر؛ ففي عام 2007 حصلت الشركة النووية الوطنية الصينية “CNNC” على حق الوصول إلى منجم يورانيوم يتم تطويره في منطقة أزيليك (Azelik)، إلا أن العمل توقف لأسباب مالية وأمنية.

وفي الآونة الأخيرة، اتفقت الصين والنيجر على إعادة فتح الموقع لاستخراج اليورانيوم، إذ التقى وفد من الشركة الوطنية الصينية لليورانيوم “CNNC” مسؤولين من النيجر، وناقشوا استئناف التنقيب عن اليورانيوم.

وفي أعقاب منتدى الاستثمار بين الصين والنيجر الذي عُقد في شهر نيسان/أبريل الماضي، تم الاتفاق على مجموعة من الصفقات، من ضمنها منطقة صناعية تضم مجموعة واسعة من الصناعات، بما في ذلك معالجة الأغذية الزراعية والتعدين والعقارات.

مما لا شكَّ فيه أن تصاعد التوتر في النيجر ستكون له عواقب وخيمة على الاستثمارات الصينية، وقد يؤدي عدم الاستقرار إلى تعطيل المشاريع الصينية، إذ من الممكن أن تتعرض الشركات الصينية لهجمات تنفذها الجماعات المتطرفة.

وبالفعل، فإن الشركات الصينية تعرضت لهجمات في عدد من البلدان الأفريقية، حتى في النيجر؛ ففي العام 2021، تم اختطاف عمال صينيين يعملون في منجب للذهب، وأطلق سراحهم بعد عدة أشهر. ومن المحتمل أن تزداد حوادث الاختطاف مع تصاعد التوتر. كما أن استمرار التوتر سيعوق عملية مشروع خط أنابيب النفط “Agadem 2” ومشروع إعادة استخراج اليورانيوم.

قبل اندلاع الانقلاب، كانت الصين تسارع خطواتها لتطوير علاقاتها مع النيجر وزيادة استثماراتها في البلاد، ولكن ربما يعوق الانقلاب خطط بكين ويؤخرها. تنظر الصين اليوم باهتمام إلى ما يحصل في النيجر لأسباب عديدة، أولها أنها تريد الحفاظ على مصالحها في البلاد وضمان عدم تأثر استثماراتها بالتوترات الحاصلة، وبالتالي من مصلحتها استتباب الأمن.

من ناحية أخرى، إن وصول رئيس إلى السلطة لا يوافق عليه الغرب سيكون مفيداً لبكين، لأنه سيسعى إلى التقرب من الشرق، لا سيما روسيا والصين، وبالتالي ستزداد الاستثمارات الصينية في النيجر، ولا سيما في مجال اليورانيوم.

* المصدر: الميادين نت
* المقالة تعبر عن وجه نظر الكاتب