د/ فؤاد عبدالوهَّـاب الشامي

مَرَّ على الحرب الأُوكرانية أكثرُ من عام ونصفِ عام، وحدثت خلال هذه الفترة متغيراتٌ كثيرةٌ؛ ما جعل نهايتَها أكثرَ غموضاً؛ فالصراع القائم هناك اتضح أنه صراعٌ عسكري بين قوتَيْنِ، وسياسي بين نظامَينِ عالميَّين، وحضاري بين ثقافتَينِ مختلفتَينِ في الشكل والمضمون، أطرافُه روسيا والحلفُ الأمريكي، وأما أُوكرانيا فهي مكانٌ للصراع فقط، وكانت روسيا أكثر وضوحاً في الحديث عن أهدافها من إشعال الحرب، وهو إنهاء هيمنة القطب الواحد على العالم ومنع أمريكا والغرب من فرض ثقافته وقيمه على الشعوب، وأما الطرف الثاني في هذا الصراع وهو الحلف الأمريكي فلم يصرِّحْ عن هدفه الحقيقي الذي دفعة إلى الانخراط في هذا الصراع بهذه القوة؛ فما يعلنه هذا الحلف أنه يدافع عن الشعب الأُوكراني المعتدى عليه وعن الديمقراطية، ولكن ما نراه في الواقع أن الحلف الأمريكي يعمل بكل إمْكَانياته؛ مِن أجل هزيمة المشروع الروسي وليس؛ مِن أجل تحرير الأرض الأُوكرانية التي احتلتها القوات الروسية.

إن الصراع الجاري الآن في أُوكرانيا سوف تكون له نتائجُ حاسمةٌ في السيطرة على النظام العالمي في العقود القادمة، فإذا انتصر الحلفُ الأمريكي فسوف ينفردُ بقيادة العالم وسوف يفرضُ قيمَه وثقافته بالقوة على الشعوب المتمردة إذَا لم تنصَعْ لمطالب الحلف، وسوف يعتبر أن مصالحَه هي الأجدر بالحماية، ولكن لا أظن أن الصين سوف تسمح بهزيمة روسيا بهذه السهولة؛ لأَنَّها تعلم أن الدور سيأتي عليها إذَا ما حقّق الحلف الأمريكي هدفه.

وأما إذَا انتصرت روسيا وذلك لن يكون سهلاً؛ لأَنَّ أمريكا وضعت كُـلّ إمْكَانياتها العسكرية والسياسية والاقتصادية في مواجهة روسيا، ولكن إذَا حسمت روسيا المعركة لصالحها فسوف يحتاج العالم إلى تكاتف القوى الخيِّرة؛ لتمرير نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، يضمن للشعوب المستضعفة المحافَظةَ على هُــوِيَّتها وقيمها، وأن تستفيد من إمْكَانياتها وثرواتها في بناء دولها، وسوف يكون ذلك صعباً للغاية، ويحتاجُ إلى جهود جبارة لتحقيق ذلك، خَاصَّة أن أمريكا تفرض هيمنتها على معظم دول العالم.

وفي ظل النتائجِ المتوقَّعةِ أَو غيرِ المتوقعة للحرب الأُوكرانية، نجدُ العالَمَ الإسلامي والعربي ما زال يراهِنُ على القوى الخارجية لحسم الأمور، باستثناء بعض الدول التي تحاول فرضَ نفسها على الواقع الجديد، مثل: إيران واليمن وبعض القوى هنا وهناك.

  • المصدر: صحيفة المسيرة