جنين قلب الثورة الفلسطينية
السياسية:
يعتبر هجوم الكيان الصهيوني على مدينة ومخيم جنين يوم الاثنين الماضي، حدثاً مهماً وتطورا في الصراع بين الكيان الإسرائيلي والفلسطينيين.
وعلى الرغم من تعرض جنين للهجوم خلال السنوات الماضية عدة مرات، إلا أن مستوى وحجم أعمال الكيان الإجرامية الأسبوع الماضي، لا يمكن مقارنته بالإجراءات التي اتخذها بين حزيران (يونيو) 2002 وما قبله.
اعتبر هجوم الكيان باستخدام حوالي ألف من القوات العسكرية وما لا يقل عن 150 عربة مدرعة إلى منطقة محدودة حدثًا جديدًا، وبالتالي تسبب في ردود فعل. في غضون ذلك، هناك بعض الأسئلة في هذا الصدد؛ ما هو سبب هذا الهجوم؟ ماذا حقق الكيان الصهيوني؟ وما هو أفق هذا التطور العسكري؟
1- تقع منطقة جنين شمال الضفة الغربية، وهي من أكثر نقاط الاتصال حساسيةً بين أراضي 1967 و1948. هذه المنطقة (التي تبلغ مساحتها 1880 هكتارًا)، هي نقطة ربط طرق الاتصال مع حيفا والناصرة ونابلس والقدس. ومع وجود حوالي 300 ألف فلسطيني، يوجد في جنين أكبر عدد من سكان الضفة الغربية من بين 16 مدينة بعد القدس.
من ناحية أخرى، خلال الانتفاضتين السابقتين، وخاصةً انتفاضة 2002 المعروفة باسم انتفاضة الأقصى، كان لجنين موقع مركزي في النضال الفلسطيني. خلال هجوم الكيان الصهيوني على هذه المنطقة عام 2002، خلق شباب جنين مشاهد فخر، حيث قُتل في هذه المواجهة ما لا يقل عن 23 جنديًا إسرائيليًا معتديًا، واضطر الكيان إلى إعلان الأحكام العرفية في جنين لمدة خمسة أشهر.
يذكرنا صراع الأسبوع الأخير للكيان الإسرائيلي بهجوم حزيران (يونيو) 2002. كان هدف الكيان في ذلك الوقت هو صد الفلسطينيين الذين اعتقدوا أن اتفاقية أوسلو لم تحقق لهم شيئًا، وأنها كانت في صالح الكيان الإسرائيلي بالكامل.
في ذلك الوقت، أصيب ياسر عرفات بصفته رئيس منظمة السلطة الفلسطينية بخيبة أمل من عدم تنفيذ الكيان والحكومة الأمريكية لقرارات أوسلو، واعتبره الكيان الصهيوني جزءًا من “المقاومة الفلسطينية”.
يُذكر أنه بعد نحو عشرين عاماً على هجوم حزيران (يونيو) 2002، هاجم الكيان الصهيوني مدينة جنين بتهمة أنها أصبحت مركزاً لتصنيع الأسلحة. في غضون ذلك، لم يغفل الكيان الصهيوني عن هذه المدينة للحظة بسبب حساسية الضفة الغربية.
2- يشعر الجيش الصهيوني بقلق بالغ على الضفة الغربية ويعتبرها مخزنًا للبارود جاهزًا للانفجار، ويعتقد أن جنين تعمل بمثابة مفجِّر لمخزن البارود هذا. وبين انتفاضة 2002 واليوم، كان الكيان في حالة تأهب في الضفة الغربية، وخاصةً في جنين.
في الأشهر الأخيرة، رُصدت مرارًا وتكرارًا أدنى حركة لقوات المقاومة في جنين، وجری العمل ضدها. وحسب الإحصائيات المقتبسة من مصادر الكيان الصهيوني، فإن قرابة 315 ألف جندي من قوات الكيان الصهيوني يتمركزون في الضفة الغربية للقيام بمهمتين رئيسيتين.
تتمثل إحدى المهمتين في الحفاظ على الضفة الغربية هادئةً، وهي المركز الرئيسي للوجود الفلسطيني، والأخرى هي خلق بيئة عسكرية وأمنية لتطوير المستوطنات الصهيونية في هذه المنطقة.
إن سياسة قمع الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية، والتي بدأت حوالي عام 2000، لم تكن قادرةً على حل مشكلة الكيان. وعلى الرغم من استشهاد عدد كبير من المقاتلين الفلسطينيين في هذه الفترة التي تبلغ 24 عامًا وسجن عشرات الآلاف منهم، إلا أن هذه المنطقة لم تخضع لسيطرة الكيان الإسرائيلي، واضطر هذا الكيان إلى زيادة قواته العسكرية.
علاوةً على ذلك، تمت إضافة 8 آلاف شخص إلى هذه القوات الأسبوع الماضي. وحقيقة أنه في الذكرى الثانية والعشرين للاشتباكات العنيفة مع سكان جنين، أرسل الكيان الإسرائيلي ألف جندي عسكري ونحو 150 ناقلة جند مدرعة إلى هذه المنطقة، إضافة إلى تدمير المنازل وأجزاء كثيرة من مخيم جنين وتدمير الشوارع والأزقة، تعني أن نار الغضب الفلسطيني في تصاعد.
3- ما قام به الكيان الإسرائيلي في الهجوم على جنين، يظهر أن الجيش الإسرائيلي قد توصل إلى أن الانتفاضة العامة للفلسطينيين وشيكة، وقد هاجم النقطة المحورية في الضفة الغربية، أي جنين، في إجراء وقائي.
في الاستنتاج الإسرائيلي، إذا تحركت جنين، فسوف ينتشر ذلك بسرعة إلى 15 منطقة أخرى في الضفة الغربية. من بين مدن الضفة الغربية البالغ عددها 16 مدينة، يوجد في جنين أكبر عدد من اللاجئين من حرب عام 1948، وفي الواقع كل من اللاجئين الـ 15 ألف الذين يعيشون في مخيم الأمم المتحدة في جنين، هم من إحدى مدن شمال فلسطين أو وسطها أو جنوبها.
وبالتالي، فإن تحرك سكان هذا المخيم وهذه المنطقة وإلحاق الأذى بهم، يمكن أن يحول فلسطين كلها من الجليل إلى النقب إلى ساحة صراع مع الكيان الإسرائيلي. كما أنه تسبب الضغط على سكان مخيم جنين في السنوات الماضية، في وقوع حوادث في صفد وكريات شمعون وحيفا وتل أبيب والنقب، وفي حالة واحدة قتل 150 صهيونيًا.
يعتقد الكيان الإسرائيلي أنه إذا تعامل مع جنين، فإنه سينزع شجاعة الشباب الفلسطيني للقدوم إلى الساحة في البيرة وبيت لحم والخليل وأريحا والقدس ونابلس وقلقيلية ورام الله وطولكرم، ومدن أخرى في الضفة الغربية. ولهذا السبب، بعد يوم واحد من انسحابه من جنين، حذّر بعض المدن الفلسطينية من الإجراء نفسه الذي حدث في جنين.
هجوم يوم الاثنين الماضي، على الرغم من أنه وفقًا للكثيرين، يعتبر هجومًا غبيًا، لأن الحمقى فقط هم من يضرمون النار في المنزل الذي يتواجدون فيه، ولكن في الوقت، نفسه قد يعني ذلك علامةً على بداية سلسلة جديدة من الصراعات في الضفة الغربية.
وربما يكون الكيان الإسرائيلي وبنيامين نتنياهو نفسه، قد توصلوا إلى استنتاج مفاده بأنه يجب عليهم تجربة فرصة شن عملية عسكرية قوية ضد الفلسطينيين، وقبول كل ما يحدث على أنه وضع كان لا بد من مواجهته.
يشعر الكيان الإسرائيلي بأنه قد أضاع الوقت، ولا يعني هذا الضياع الإهمال أو التقاعس عن العمل، بل لم يكن بوسع الكيان فعل أي شيء آخر حيال الظروف المتغيرة في المنطقة، وبالتالي فإن الوقت الماضي والعمل المنجز لم يكن متناسبًا مع الظروف. على أي حال، مضى الوقت بالنسبة للكيان، وهو يعتقد أنه يتعين عليه القيام بشيء ما لحل المشكلة، وبالتالي فقد قام بمخاطرة كبيرة.
4- الضفة الغربية مركز القوى الجهادية. والمنظمات الجهادية – القديمة والجديدة – في فلسطين لديها قوات قتالية في معظم منازل الفلسطينيين في الضفة الغربية – أي مساحة أكبر بثلاث مرات من قطاع غزة – ومعظم هذه القوات لديها الآن إمكانية الوصول إلى الأسلحة. وكما تقول تقارير الكيان نفسه، فإن الفلسطينيين في جنين ومدن الضفة الغربية الأخرى مجهزون بأسلحة شبه ثقيلة وصواريخ وقاذفات محلية الصنع.
يتمركز أكثر من 300 ألف جندي عسكري في الضفة الغربية، ما يعني أن الفلسطينيين سيضربون الآن إسرائيلياً أينما أطلقوا النار. إن الفوضى في الضفة الغربية تجعل هؤلاء الجنود فريسةً أكثر، وبالتالي فإن جعل الضفة الغربية فوضويةً أمر مرغوب فيه للمنظمات الفلسطينية المسلحة. وما يفعله الكيان الإسرائيلي بالترحيب بالنزاع يقرِّب مدن الضفة الغربية من مرحلة الفوضى عاجلاً، وهذا يعني أن الكيان دفع حرب الفلسطينيين بنفسه إلى الأمام.
منطقة الضفة الغربية، على عكس منطقة قطاع غزة المغلقة، على اتصال بمعظم المدن ذات الأغلبية اليهودية، وأي نوع من الفوضى يتم توجيهه نحو المناطق الحساسة مثل حيفا. كما ترتبط منطقة جنين بالأردن عبر وادي الأردن، ويوجد مئات الآلاف من الفلسطينيين على الجانب الآخر، الذين يبلغ عدد سكانهم أكثر من خمسة ملايين نسمة. وبالتالي، أصبح اللعب بالضفة الغربية خطراً على الكيان الإسرائيلي.
اليوم، لا تقل كمية الأسلحة في الضفة الغربية عن كمية الأسلحة في غزة، إن لم تكن أكثر، ومع ذلك فإن سكان غزة لا يتمتعون بحرية التصرف التي يتمتع بها الفلسطينيون في الضفة الغربية. وصحيح أن الضفة الغربية تتجه بسرعة نحو الصراع مع الكيان الإسرائيلي، لكن الوصفة التي ابتكرها القادة الإسرائيليون للتغلب عليها لا تنجح.
إذا كان الحل هو القمع وإظهار القبضة الحديدية، فقد اختبر الكيان الإسرائيلي ذلك في عام 2002 ضد جنين، عندما لم تكن جنين مسلحةً وكان مجموع أسلحتها أقل من عدد الأصابع؛ لكن الآن تحولت الضفة الغربية إلى بركان، ولا يكاد يوجد فيها شاب لا يملك سلاحًا.
* المصدر: موقع الوقت التحليلي
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر