تساؤلات مسلم..!
بقلم: القاضي /إسماعيل علي الموشكي*
في أحيانٍ كثيرةٍ أتساءل: أنا كمسلمٍ وجد نفسه يعيش في القرن الرابع عشر من الهجرة ضحية من؟!.
أفتح المصحف الشريف وأقرأ إحدى الآيات وأبحث عن سبب النزول فيها أو عن مراد الله منها فأجد فيها آراء متعددة، أحدهم يقول: أراد الله منها كذا وكذا، وآخر يخالفه الرأي ويقول: إنما أراد الله منها كذا وكذا، وثالثٌ يخالفهما في الرأي.
إيماني بالإله الحكيم يدلني ويرشدني إلى أن الله ليس له ثلاثة آراء، وإنما مراده من أي أمرٍ واحد، وايماني بالإله الرحيم يؤكد لي أن إرادته منصرفة إلى أن يصلني مراده الواحد يقيناً دون شك.. وإيماني برسول الله -صلوات الله عليه واله- يؤكد لي أن رسول الله لم يبلغ عن الله إلا مراده الواحد.
من حقي كمسلمٍ مؤمن بالله ورسوله أن أعرف مراد الله الذي قصده من الآية، لا أريد رأي فلان أو اجتهاد فلان، وعلى سبيل المثال ونحن نعيش أجواء مناسبة الولاية في عيد الغدير، وفي (القران الكريم) يقول الله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس}، ويقول الله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً}.
أجد الآراء متعددة في آيتين معناهما عظيمٌ للغاية، وفي مقدمة الآراء أن الآيتين متعلقتان بولاية الإمام علي ابن أبي طالب -عليه السلام-، ورأي آخر بأنهما متعلقتان بمناسك الحج ولا علاقة لهما بالولاية، وأجد صاحب كل رأي يسوق البراهين على صحة رأيه ويؤكد سلامة ما قاله، وفي النتيجة ماذا؟!.
اختلاف الناس، هذا يقتنع برأي هؤلاء، وهذا يقتنع برأي أولئك لم يعد لحكمة الله ورحمته معنى طالما وقد صار مراد الله مجهولاً تتجاذبه الآراء والاجتهادات.
وهنا أتساءل: هل ما أراده الله هو هذا؟! أن يجتهد الناس حول مراد الله من الآيات ويختلفوا؟! وبمناسبة موضوع الولاية هل يعقل أن الله تعالى أراد أن يجعلنا مختلفين حول مراده من هاتين الآيتين ؟! أم أنه وهو الإله الحكيم الرحيم العظيم العليم له مرادٌ واحدٌ قصده بعينه منهما؟!.
هل ما قصده الله هو تبليغ والآية الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام وأن فيها وبها إكمال الدين وإتمام النعمة؟! أم أن المقصود أمرٌ آخر متعلق بمناسك الحج؟!.
ولذلك -وبشكل عام- نحتاج في بحوثنا وفي مناقشتنا للمواضيع المتعلقة بأمتنا أمة الإسلام والتي ثار بخصوصها الخلاف الى أن نكون منصفين صادقين هدفنا أن نتعلم، أن نطلع أكثر، أن نعرف الحق، أن نصل إلى الحقيقة، لا أن نكون حبيسي ما ورثناه من هنا أو هناك، متعصبين لما سمعناه دون علم أو معرفة.
لأننا في حقيقة الأمر في الغالب الأعم وبنسبةٍ عاليةٍ جدا نتعصب للموروث الذي تلقيناه من البيئة التي نشأنا فيها من خلال عدة عناصر في مقدمتها وأقواها تأثيراً الأسرة، فمن وُلد في بيئةٍ سنية المذهب، أبواه سنيان والأُسرة التي عاش فيها سنية المذهب، والتربية والثقافة التي تلقاها منذ الصغر عبر المجتمع الذي يعيش فيه سنية، مشائخ العلم الذين يمثلون المرجعية الدينية في ذلك المجتمع سنيون، أساتذة المدرسة، المنهج الديني العلمي وغيرها سنجده في النتيجة (سني الفكر) والمنهج يتعصب لثقافته ويرى فيها الحق لا سواه، وفي المقابل من وُلد في بيئة شيعية المذهب ،و كل العناصر من حوله قائمةٌ على الفكر والمنهج الشيعي سنجده في النتيجة شيعياً يتعصب لثقافته التي يرى فيها الحق لا سواه.
لا هذا عاش في زمن النبي والفترة التي تلته ولا عرف (آل بيت النبي) ولا عرف الصحابة ولا عاصرهم ولا عايش تلك الاحداث ومع ذلك يتعصب لما ورثه من بيئته، ولا ذاك عايش تلك الاحداث ولا عرف آل بيت النبي ولا عاصر الصحابة ومع ذلك يتعصب لما ورثه من بيئته، ولذلك فإن مخرجات البيئة الشافعية أجيال من الشافعية، ومخرجات البيئة الزيدية أجيال من الزيدية، والبيئة الحنفية مخرجاتها أجيال من الحنفية.
ليس عيباً أنك شيعي المذهب والفكر باعتبار أنك نشأت في بيئةٍ شيعيةٍ وتأثرت بها وليس عيباً أنك حنبلي الفكر والمذهب لأنك نشأت في بيئةٍ متأثرة بذلك الفكر، ولكن المعيب هو في التعصب لما تلقيته من بيئتك دون أن تبحث فيه ودون أن تعرضه على كتاب الله ودون أن تطلع على ما يطرحه الطرف الآخر وتعرضه على كتاب الله سبحانه وتعالى.
نحن بحاجةٍ إلى البحث بصدقٍ وإنصاف، وبحاجةٍ إلى الرجوع إلى ما قبل المذاهب والتعصب للمذاهب.. إن الفترة الزمنية الحرجة في تاريخ الإسلام والتي بدأ منها الخلاف وتشظى وانتقل عبر العصور الينا هي ما بعد وفاة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.. للكلام بقية إن شاء الله تعالى.
* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع