“الحرب اللامتناظرة”.. وتداعياتها على مجريات المعركة في الإقليم (/1 3)
السياسية- متابعات:
سنحاول في هذه الإطلالة إلقاء الضوء على نظرية “الحرب اللامتناظرة “، والتعرّف إلى أدواتها وأساليبها، وإمكانية الاستفادة قدر الإمكان منها في مواجهة التحدّيات القائمة أمام قوى المقاومة.
يبدو مصطلح “الحرب اللامتناظرة “، أو كما يسمّيه البعض “الحرب اللامتماثلة “، غريباً لدى كثير من الناس، وقلّما تجد من يستخدم هذا المصطلح حتى من الخبراء والمعنيين. وفي الحقيقة قد يكون هذا الأمر مبرراً بسبب تعوّد آذاننا على سماع مصطلحات أخرى من قبيل الحرب النظامية، أو التقليدية، أو الكلاسيكية، وحرب العصابات، وفي بعض الأحيان نسمع عن الحرب السيبرانية، والاستخبارية ألخ….
وربما يعتقد البعض أن هذا المصطلح جديد وحديث، ولم يبلغ سن الرشد بعد، إلا أن حقيقة الأمر غير ذلك تماماً، إذ إنه تم طرح هذا المفهوم، أو المصطلح، منذ نهاية الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، وصيغت مبادئه في ذلك الوقت من كبريات الهيئات العسكرية والاستراتيجية العالمية، وفي مقدمتها المؤسسات الأميركية، التي تتم الإشارة إليها في كثير من الدراسات على أنها صاحبة السبق في صوغ هذا المفهوم.
ويمكن لنا أن نشير إلى أن السنوات الأخيرة من القرن العشرين، قد شهدت بداية دخول مصطلح ” الحرب اللامتناظرة ” إلى القواميس العسكرية العالمية، لا سيما في مجال التخطيط الدفاعي الاستراتيجي، إذ خلص القادة العسكريون الأميركيون في ذلك الوقت إلى نتيجة مفادها أن سقوط الاتحاد السوفياتي، وغيابه عن الساحة العالمية كقوة عسكرية وسياسية واقتصادية كبرى وفاعلة، قد سمح بظهور مخاطر وتحدّيات جديّة يمكن لها أن تهدّد الأمن القومي الأميركي، وأنه يتوجب على المخططين الاستراتيجيين الأميركيين وضع خطة للتصدّي لتلك التهديدات، والتي يمكن لها أن تتوسّع لتشمل كل الدول على مستوى العالم، خصوصاً تلك التي يجمعها تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة، وتشارك بشكل أو بآخر في تنفيذ السياسة الأميركية التي تتسم بالعدوانية في معظم الأوقات ضد باقي مكوّنات المنظومة الدولية، لا سيّما تلك التي لا تُعدّ حليفة للكاوبوي الأميركي.
وقد ركّزت نظرية “الحرب اللامتناظرة” التي تم صوغها بمفاهيم جديدة، تختلف بشكل واضح عن تلك المعتمدة في نظريات الحروب الأخرى، والتي تُبنى عليها استراتيجيات المواجهة، وتكتيكات القتال، إذ رأت أن المواجهة العسكرية المباشرة ضمن مبدأ “الحرب الكلاسيكية ” بين قوى كبرى تملك إمكانيات عسكرية وتكنولوجية هائلة، وبين أخرى صغرى تفتقد إلى كثير من تلك المقوّمات والقدرات، لم تعد متاحة بشكل كبير، وأن هناك قناعة تزداد وضوحاً لدى القوى الصغرى تشير إلى رغبتها في خوض مواجهة من طراز جديد، لا تعتمد على الإمكانيات العسكرية التقليدية، من مدافع ودبابات وطائرات وغيرها، والتي تسمح للعدو بتحقيق نصر سريع وحاسم، وإنما على قدرات وأساليب تقلل من حجم التفاوت في القدرات، وتحدّ قدر الإمكان من تأثير ذلك التفوّق على مجريات المعركة ونتائجها.
هذا المفهوم الجديد ينطبق في كثير من الأحيان على المواجهة الدائرة في الإقليم، بين قوى المقاومة وفصائلها على اختلاف مسمّياتها من جهة، وبين العدو الصهيوني وحليفه الأميركي من جهة ثانية، وهو يتّضح أكثر في الصراع الدائر على الساحة الفلسطينية، التي تشهد تطورات ميدانية مهمة خلال الفترة الأخيرة.
وبالتالي، نحن سنحاول في هذه الإطلالة إلقاء الضوء على نظرية “الحرب اللامتناظرة “، والتعرّف إلى أدواتها وأساليبها، وإمكانية الاستفادة قدر الإمكان منها في مواجهة التحدّيات القائمة أمام قوى المقاومة.
تعريف “الحرب اللامتناظرة “:
بما أن الولايات المتحدة الأميركية هي صاحبة السبق في اعتماد مفهوم “الحرب اللامتناظرة “، وهي أول من وضع استراتيجية قومية لمواجهة تلك الحرب التي اعتقدت أنها ستشكّل خطراً كبيراً على أمنها القومي، وعلى انتشار قواتها في كثير من جغرافيا العالم الواسعة، فيجب علينا أن ننظر إلى التعريف الأميركي لهذه الحرب، والذي اعتمد على قراءة مستفيضة ومعمّقة لمجمل التطورات التي بدأت في الظهور في تلك الفترة، وكذلك على نظرة استشرافية للمستقبل، بناء على معطيات وأسباب بدت للخبراء الأميركيين في ذلك الوقت أنها قادمة لا محالة.
فبعد انتهاء حرب الخليج الثانية “عاصفة الصحراء ” في شباط/فبراير1991، أصدرت هيئة التقديرات في وزارة الحرب الأميركية “البنتاغون”، التي كان يشرف عليها في ذلك الوقت الجنرال “روبرت إيفاني”، قائد كلية الحرب التابعة للبنتاغون، تقدير موقف بشأن الأخطار التي يمكن أن تواجهها أميركا نتيجة تموضع قواتها في العديد من دول العالم، سواء أكان ذلك التموضع باتفاق مع بعض الدول، أو من خلال القوة العسكرية كما جرى في العراق وأفغانستان على سبيل المثال، وقد خلُص ذلك التقدير إلى أن أعداء أميركا لن يستطيعوا في المستقبل مهاجمتها من خلال استخدام أسلوب الحرب التقليدية، معتمدين في ذلك على الطائرات والدبابات وغير ذلك من الوسائل التي تتفوق فيها القوات الأميركية على كل دول العالم، ولا عن طريق حرب العصابات، التي بات للأميركيين خبرة كبيرة في مواجهتها، ولا حتى باستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة، إذ لا تقارن إمكانيات أي طرف على مستوى العالم بتلك التي يملكها الجانب الأميركي، وبالتالي يتوجّب على من يريد مواجهة أميركا أن يكتشف وسائل جديدة، تمكّنه من تهديد مصالحها وقواتها، وعلى هذا الطرف أن يتأكد أن هذه الوسائل، تستطيع أن تحقّق له نجاحات ملحوظة، ينفذ بواسطتها إلى مواطن ضعف المؤسسات الأميركية، وقواتها المنتشرة حول العالم.
وبناءً على تقدير الموقف هذا، أطلق الجنرال “هنري شلتون”، رئيس هيئة أركان القوات المشتركة الأميركية السابق، صفة “الحرب اللامتناظرة “، أو “اللامتماثلة ” على جملة التحدّيات والمخاطر التي خلص إليها تقدير الموقف المشار إليه سابقاً، إذ قدّم تعريفاً واضحاً لتلك الحرب نص على التالي : ” إن “الحرب اللامتناظرة “تعني محاولة طرف ما يُعادي الولايات المتحدة الأميركية، أن يلتف من حول قوتها، ويستغل نقاط ضعفها، معتمداً في ذلك على وسائل تختلف بطريقة كاملة عن تلك المستخدمة في ذلك النوع من العمليات التي يمكن توقّعها، وهذا يعني أن يستخدم طاقة الحرب النفسية وما يصاحبها من شحنات الصدمة والعجز، لكي ينتزع من يدنا زمام المبادرة وحرية الحركة والإرادة، وبأسلوب يعتمد على وسائل مستحدثة، وتكتيكات غير تقليدية، وأسلحة وتكنولوجيا جرى التوصّل إليها بالتفكير في غير المتوقع وغير المعقول، ثم تطبيقه على كل مستويات الحرب، من الاستراتيجية إلى التخطيط، إلى العمليات في الساحات المختلفة، مع إمكانية اللجوء أيضاً إلى بدائل لا تخطر على البال منطقياً، ولا نتصور استخدامها عملياً “.
هذا التعريف الأميركي “للحرب اللامتناظرة “، يلتقي بطريقة أو بأخرى مع تعريف صيني لهذا النوع من الحروب، وإن كان يختلف معه في بعض المصطلحات والمسميّات، إذ إن النظرة الصينية لهذا النوع من الحروب والتي أطلق عليها اسم ” الحرب غير المقيّدة ” تتضمن إشارة واضحة إلى ضرورة مواجهة الدول القوية، والجيوش ذات الإمكانيات الكبيرة، من خلال ما أطلقوا عليه استراتيجية “الاقتراب غير المباشر “، وهو ما يعني الابتعاد قدر الإمكان عن خوض مواجهة مباشرة مع قوات أكثر عدة وعتاداً، والاعتماد على أساليب ووسائل مختلفة، تُفقد العدو توازنه، وتمنعه من استخدام إمكانياته لتحقيق الانتصار، وتُوقع في صفوفه خسائر كبيرة، سواء على المستوى المادي أو المعنوي، مع عدم إغفال شن هجمات على الخواصر الضعيفة والمكشوفة لتلك القوات، في أماكن غير متوقعة، ويمكن أن تكون بعيدة عن ساحة المواجهة الرئيسية، التي ينصب عليها التركيز والجهد الأساسي.
في ضوء ما سبق من تعريفات لمفهوم “الحرب اللامتناظرة”، تم الاتفاق في معظم الهيئات العسكرية العالمية، وفي مراكز البحث والتخطيط الاستراتيجي على جملة من الخصائص التي تتميّز بها تلك الحرب، والتي تختلف عن الحرب التقليدية من حيث الأهداف والوسائل والأدوات، أو من حيث مسرح العمليات، والفترة الزمنية التي يمكن أن تستغرقها الحرب.
“الحرب اللامتناظرة “.. خصائص ومميّزات:
يمكن لنا أن نلحظ وجود الكثير من الخصائص التي تميز “الحرب اللامتناظرة” عن الحرب التقليدية أو الكلاسيكية، هذه الخصائص ترسم بشكل أو بآخر صورة تلك الحرب، وفي بعض الأحيان تؤثر في نتيجتها والتداعيات الناشئة عنها، وسنشير في ما يلي لجزء من أهم تلك الخصائص:
1- في “الحرب اللامتناظرة ” لا يوجد ميدان قتال واضح، أو ما يُطلق عليه في التعريفات العسكرية “مسرح العمليات “، إذ إن القوات المتحاربة لا تتواجه بشكل مباشر، ولا تعتمد تكتيكات الحرب المعروفة من خطط دفاعية أو هجومية، ولا تقوم بتنفيذ مناورات عسكرية تقليدية تعتمد على المباغتة، أو الالتفاف خلف خطوط العدو.
2- لا يوجد في “الحرب اللامتناظرة ” ما يُطلق عليه عمليات “رد الفعل “، كنتيجة لعمل ما قام به الطرف الآخر، إذ إن كل عمليات هذه الحرب هي منفصلة بذاتها، وتعتمد على توافر الظروف المناسبة للقيام بذلك العمل، وكذلك على توافر إمكانيات معينة تمكّن صاحبها من القيام بعمل نوعي ومؤثر، وهذه الظروف والإمكانيات تجعل من شبه المستحيل على الطرف الذي تلقّى الضربة أن يقوم برد فعل مباشر وسريع.
3- في هذا النوع من الحروب لا يتقيّد المتحاربون بأساليب وأدوات كتلك المتعارف عليها في الحرب التقليدية، إذ يمكن لجهة ما تريد تنفيذ هجوم معين أن تبتكر أسلوباً مستحدثاً لم يتم استخدامه سابقاً، سواء على صعيد الأدوات، أو على صعيد التكتيك القتالي، وهذا الأمر يفرض على الجهات التي تريد خوض هذا الشكل من الحروب أن تفكّر خارج الصندوق، وأن تبتكر جملة من الوسائل والتكتيكات التي لا يتوقعها العدو، وأن تجعل من مهمة التنبؤ بما يمكن أن تُقدم عليه من عمليات، وما يمكن أن تستخدمه من وسائل مهمة شاقة ومعقّدة للغاية بالنسبة إلى الطرف الآخر.
4- ليس هناك تكافؤ لا من قريب أو بعيد على مستوى السلاح المستخدم في “الحرب اللامتناظرة “، إذ إن السلاح في حرب كهذه يختلف في درجة قوته، وفي تأثيره بشكل كبير، إذ يمكن لنا أن نجد أحد طرفي الحرب يملك الطائرات والدبابات والصواريخ الباليستية، فيما الطرف الآخر لا يملك سوى بنادق وألغام قديمة وسيارات متهالكة ومستوى اتصالات متدن.
5- من المثير في الأمر أن التفاوت في نوعية السلاح المشار إليه في البند السابق، لا يترك أثراً مباشراً وحاسماً على نتيجة المعركة بين كلا الجانبين المتحاربين، والتأثير الأساسي في هذه الحرب يخضع لعوامل أخرى تعتمد على طريقة القتال، والمكان والزمان اللذين يستخدم فيهما ذلك السلاح. فمثلاً يمكن لبندقية لا يتجاوز مداها الفعّال 500 متر، أن تحقق ما لا يحققه المدفع أو الصاروخ الذي يصل مداه إلى مئات الكيلومترات، ويمكن كذلك لعبوة ناسفة تزن ” 40كلغ “، أن تترك نتائج وتداعيات أكبر بكثير من تلك التي تتركها قنابل وصواريخ تزن أكثر من ” 2000 كلغ”.
6- يتوجّب على الطرف الذي يرغب في خوض نمط “الحرب اللامتناظرة ” أن يملك إرادة قوية تمكنه من مواجهة كل الآثار والنتائج المترتّبة على هذا النوع من الحروب، وهي في كثير من الأحيان تكون نتائج صعبة وقاسية، إضافة إلى ضرورة تمتّع قوّاته بانضباطية عالية، وتنظيم مميز على مستوى كل الوحدات واللجان، بحيث تساهم هذه الانضباطية والنظام في تعويض جزء من النقص الناتج من قلّة الإمكانيات والقدرات العسكرية.
7- في “الحرب اللامتناظرة ” يجب أن يكون لدى الطرف الأقل إمكانيات تقليدية تحديداً حالة من الصبر ليس لها حدود، إذ تساعده تلك الحالة في متابعة عدوه ومراقبته لفترة طويلة، ما يمكّنه من التعرّف إلى نقاط ضعفه، وخواصره الرخوة، والأهداف التي يمكن أن يضربها بأقل الإمكانيات المتاحة، ويحقق من خلالها نتائج مبهرة ومميزة. مع ضرورة الإشارة هنا إلى اختيار الوقت المناسب لتوجيه تلك الضربة، بحيث تشكّل عامل مفاجأة للعدو، وهو الأمر الذي يمكن أن يزيد في حجم الخسائر.
8- على خلاف الحروب التقليدية التي يمكن أن تستغرق فترة زمنية محددة، سواء كانت قصيرة أو متوسطة، يتم بعدها حسم المعركة، وتحديد نتائجها، فإن “الحرب اللامتناظرة ” تحتاج إلى فترة طويلة جداً من الوقت، وهذا مردّه أن الطرف القوي فيها لا يستطيع حسمها من خلال المواجهة المباشرة، أو من خلال الاعتماد على تفوّقه العسكري، وهو مضطر إلى مواجهة عدو غير واضح المعالم، ولا يعتمد على تقنيات كلاسيكية، وليس له موقع جغرافي محدد يمكن أن تتم مواجهته فيه والقضاء عليه.
9- مطلوب من الأطراف التي تخوض هذا النوع من الحروب لا سيما الطرف الضعيف، أن تتمتّع بهامش واسع من الحشد البشري، ومن التحركات السريعة والمفاجئة، وأن تكون مستعدّة في كل الأوقات لأعلى درجات المخاطرة، إذ إن الخسائر التي تسقط في كثير من العمليات بحاجة إلى أن تُعوّض بشكل فوري منعاً لعدم حدوث تفكك أو انهيار، إضافة إلى أن سرعة الحركة في مسرح العمليات المحتمل، الذي لا يقبل التموضع الدائم فيه، يمكّن القوات من حماية نفسها، واللجوء إلى أماكن أكثر أمناً تمنع العدو من استهدافها بالقصف الجوي أو المدفعي، أو من خلال الهجوم البري الواسع الذي يعتمد على تفوقه الكاسح.
10- يجب أن تتمتّع القوات التي تخوض هذا النوع من الحروب بروح معنوية عالية، لتعوّض بشكل أو بآخر فارق الإمكانيات التي تميل غالباً إلى الطرف الأقوى، إذ يمكن لهذه القوات أن تنفذ بنسبة نجاح عالية ما كان يُعتقد بأنه مستحيل، وأن تتجاوز من خلال الرغبة في القتال، والإصرار على استرداد الحقوق كل المعوّقات، وأن تحوّل المستحيل إلى ممكن، والصعب إلى سهل، وأن تُذيب بهمتها العالية، وروحها المعنوية المرتفعة، كل الفوارق على مستوى الإمكانيات العسكرية، والقدرات والخبرات القتالية.
11- بما أن الدول التي تخوض هذا النوع من المواجهة، ومنها الكيان الصهيوني، تعتمد على ما بات يُعرف بتقنيات الجيل الرابع من الحروب، والتي تستهدف في جزء منها النظام الذهني للطرف الآخر، والحاضنة الشعبية المؤيدة له، إضافة إلى استخدام سلاح المال والاقتصاد الذي يمكن أن يؤدي إلى نتائج حاسمة، فإنه يتوجّب على الطرف الآخر (قوى المقاومة) أن تعتمد بشكل كثيف على التعبئة العقائدية والدينية والوطنية، سواء لعناصرها ومقاتليها، أو لحاضنتها الشعبية التي ربما تكون أقل خبرة في هذا الجانب من الحروب، إضافة إلى انتباهها إلى خطط العدو والتي تحاول بث روح الفرقة والانقسام، وقطع الطريق عليها من خلال تعزيز حالة الوحدة والترابط، وبث روح الأمل في صفوف الجماهير في كل الأوقات، لا سيما عند خسارة جولة أو معركة.
12- إضافة إلى كل ما تقدم من خصائص تميز “الحرب اللامتناظرة ” عن مثيلاتها من أنواع الحروب الأخرى، يوجد هناك خاصية يمكن الإشارة إليها بشكل منفصل نظراً لأهميتها البالغة، وتشكيلها مرتكزاً أساسياً في استراتيجية “الحرب اللامتناظرة “. هذه الخاصية هي “حرب المعلومات “، وهي وإن كانت مهمة في كل أنواع الحروب، إلا أنها أكثر أهمية في حال اللجوء إلى مفهوم “الحرب اللامتناظرة، وقد ازدادت أهميتها بعد انتشار ما بات يُعرف على المستوى العالمي بـ “الثورة المعلوماتية، أو ما تتم الإشارة إليه في كثير من التعريفات بـ “المجال المعلوماتي العالمي الموحّد، والذي تمت الإشارة إليه من العديد من الخبراء والاستراتيجيين بأنه إحدى أخطر الوسائل التي يمكن أن تلحق الضرر باستقرار الدول والشعوب، وأنه يمكن له أن يوازي في خطورته “السلاح النووي ” إذا ما تم استخدامه بطريقة فعّالة وحديثة.
وتنقسم حرب المعلومات إلى ثلاثة مستويات رئيسية، يستهدف المستوى الأول منها الأفراد، الذين يمكن أن تتحول معلوماتهم الشخصية، وحساباتهم البنكية، وكل ما يتعلق بحياتهم الاجتماعية إلى ورقة ضغط تمارسها ضدهم أجهزة العدو، وتحاول من خلالها ابتزازهم، وإسقاطهم في وحل العمالة والجاسوسية.
أما المستوى الثاني فهو يتعلّق بالتجسس الصناعي والاقتصادي على الدول والمنظمات غير الحكومية، وهذا النوع من التجسّس وجمع المعلومات بطرق غير مشروعة قد يؤدي في مرحلة ما إلى خسائر اقتصادية هائلة، يمكن أن ينتج منها سقوط إمبراطوريات اقتصادية، وفي بعض الأحيان انهيار اقتصاد الدولة بشكل كامل.
المستوى الثالث من حرب المعلومات يستهدف أنظمة الحكم ومؤسسات الدولة الرسمية، وهو يتم عن طريق اختراق الحواسيب الحكومية المركزية، والسطو الإلكتروني على بيانات العاملين في أجهزة الدولة والجيش والدوائر الحسّاسة، إضافة إلى نشر الدعايات والإشاعات المغرضة، والتي يمكن أن تكون ذات تأثير سلبي للغاية على استقرار الدولة.
في الجزء القادم بإذن الله سنتحدث عن النظرة الصهيونية لنظرية “الحرب اللامتناظرة”، وكيفية تعاطي الكيان الصهيوني مع التغيرات الحاصلة في شكل المواجهة بينه وبين فصائل المقاومة، والحلول التي حاول وضعها لمواجهة تلك المعركة.
*المصدر: الميادين نت
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر