صراع السيطرة على سقطرى
بقلم: جورجيو كافييرو*
ترجمة : نشوى الرازحي – سبأ
طوال الحرب الأهلية اليمنية، كانت حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي و الإمارات العربية المتحدة تحملان مسمى حلفاء. ومع ذلك، فإن العلاقات بين الاثنين كانت، على أقل تقدير، متوترة بسبب الرؤى المتضاربة لمستقبل اليمن بمجرد أن تهدأ الأمور.
تدعم الإمارات الانفصاليين الجنوبيين في اليمن الذين يهددون الوحدة بين الشمال والجنوب التي قامت بعد العام 1990 والتي يسعى هادي إلى الحفاظ عليها. ناهيك عن اندلاع اشتباكات بين الانفصاليين الجنوبيين والقوات الحكومية اليمنية. بالإضافة إلى ذلك ، تعاون هادي أيضاً مع فرع جماعة الإخوان المسلمين المحلي، حزب الإصلاح، والذي تعتبره أبو ظبي منظمة إرهابية وتسعى إلى مواجهته بطرق مختلفة، بما في ذلك حملات الاغتيال المستهدفة.
تعد محافظة أرخبيل سقطرى اليمنية ذات الكثافة السكانية المنخفضة – المكونة من أربع جزر ذات حياة نباتية من عالم آخر جعلت منها موقعاً مُدرجا ضمن مواق التراث الطبيعي العالمي لليونسكو في العام 2008 – نقطة تجاذب جيوسياسي بين حكومة اليمن المعترف بها في الأمم المتحدة وأبو ظبي.
في وقت سابق من هذا الشهر ، أدانت حكومة هادي إرسال الإماراتيين نحو 100 من الانفصاليين اليمنيين المسلحين إلى سقطرى من مدينة عدن التي تسيطر عليها الإمارات. و رداً على ذلك، وصف وزير الخارجية الإماراتي أنور قرقاش الاتهام بأنه “أخبار مزيفة”.
كانت سيادة سقطرى نقطة نزاع بين الحكومتين من قبل. وفي العام الماضي، نشرت الإمارات دبابات وقوات في حديبو (عاصمة سقطرى والميناء الرئيسي) بينما كان رئيس وزراء اليمن آنذاك أحمد عبيد بن دغر يقوم بزيارة إلى الأرخبيل. أدان دغر تحرك أبو ظبي وطالب الجمهور اليمني بالتعبير عن معارضته لذلك أيضاً.
رداً على ذلك ، نظم المواطنون وقفات احتجاجية في اليمن مطالبين بتأكيد السيادة اليمنية على سقطرى و مواجهة محاولات الإمارات لاستعمار الجزر.
أحالت حكومة هادي هذه القضية إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ونتيجة لذلك، اضطرت أبو ظبي إلى التراجع وإعلان اعترافها بالأرخبيل كإقليم يمني ذو سيادة. و لإحباط تصاعد التوتر بين قوات الحكومة اليمنية والإماراتيين، نشرت المملكة العربية السعودية قواتها في سقطرى والقوات الإماراتية غادرت. على الرغم من أن هذا منع اندلاع العنف، إلا أن التسوية التي كانت قائمة في العام الماضي كانت ضعيفة. ففي واقع الأمر ، منذ ذلك الوقت ، بقيت القوات الإماراتية
في سقطرى بصفتها دولة عضو في التحالف الذي تقوده السعودية. ووفقاً لبعض المصادر ما تزال تحتفظ الإمارات بالسيطرة على الميناء والمطار الرئيسي للأرخبيل.
الجغرافيا السياسية الإقليمية:
على الرغم من أن سقطرى تمكنت حتى الآن من النجاة من الفوضى العنيفة التي ابتليت بها معظم مناطق البر الرئيسي في اليمن منذ العام 2014 ، إلا أنها لا تزال مصدر خلاف بين القوى المختلفة التي تجتهد في سبيل تأكيد نفوذها على الجزر. يوضح التصعيد الأخير للإماراتيين حول سقطرى كيف أن الأزمة السياسية في اليمن هي محرك آخر للانقسام العميق داخل مجلس التعاون الخليجي المشلول. ليس فقط الإماراتيين والسعوديين لا يوافقون على حياد سلطنة عمان في حرب التحالف العربي ضد جماعة الحوثيين المتمردة على حكومة هادي، ولكن الرؤية التي لدى الإمارات لسقطرى وغيرها من الأراضي في جنوب اليمن توضح أيضا نوايا أبو ظبي ضد الرياض.
و في هذا الصدد، تتفق إدارة هادي والمملكة على ضرورة الحفاظ على الوحدة بين الشمال والجنوب ، الأمر الذي يتعارض مع أجندة الانفصاليين الجنوبيين الذين ترعاهم أبو ظبي.
لقد حرضت قضية سقطرى اليمنيين ضد بعضهم البعض. على الرغم من أن هادي واجه مشاكل مع حكام سقطرى السابقين الذين رحبوا بفكرة الشراكة مع الإمارات ، إلا أن حاكم سقطرى الحالي، رمزي محروس ، ينضم إلى هادي في معارضة قوية لتشكيل الإمارات للجماعات المسلحة على الجزر. و على الرغم من أن المحافظ محروس تعهد بمواجهة الإماراتيين بشأن سقطرى، إلا أنه ليس من الواضح ما الذي سيترتب على ذلك. يحاول المسؤولون حول هادي حالياً إقناع الإمارات العربية المتحدة بالتركيز على محاربة جماعة الحوثيين ، بدلاً من احتلال أو ضم الأرخبيل، المكان الخالي من الوجود الحوثي أو حتى مجرد التهديد به.
لم يتدخل السعوديون هذه المرة لمنع أي تصعيد للتوترات بين أبو ظبي وإدارة هادي. أنقرة ، أيضاً، لم تدين أبو ظبي حتى الآن ، على الرغم من أن التنافس بين تركيا والإمارات العربية المتحدة آخذ في التزايد.
مقاومة “التوسع” الإماراتي:
في مايو 2017 ، أطلق هادي على الإمارات اسم “قوة احتلال” في اليمن. وهذا يعكس كيف يرى عدد كبير من زملائه اليمنيين الدور الإماراتي في حربهم الأهلية. في الواقع ، قبل اندلاع النزاع الحالي، كان لدى اليمن مخاوف من سعي أبو ظبي الممنهج للسيطرة على طرق الشحن عبر عدن وباب المندب. من المحتمل أن تُفسر هذه المخاوف السبب الحقيقي لإلغاء اليمن لصفقة موانئ دبي العالمية لتشغيل الميناء في عدن في العام 2012 على الرغم من أن الفساد كان هو السبب الرئيسي. يشتبه العديد من اليمنيين في أن الإماراتيين أرادوا إضعاف إمكانات عدن باعتبارها مدينة ساحلية كبرى في شبه الجزيرة العربية يمكن أن تتنافس مع دبي في يوم من الأيام. واليوم ، مع سيطرة دولة الإمارات العربية المتحدة بحكم الواقع على أجزاء من اليمن ، بما في ذلك عدن ، ازدادت هذه المخاوف حدة.
تكشف الإجراءات الإماراتية تجاه سقطرى الكثير عن كيف أن إستراتيجيات أبوظبي للسياسة الخارجية الأعمق تضع الإمارات في مواجهة مع حليفها الوثيق، المملكة العربية السعودية. أبو ظبي على استعداد لاتخاذ إجراءات جريئة تقوض مواقف الرياض دون النظر إلى رغبة السعودية في الحفاظ على توحيد اليمن. هذا الصراع على السلطة ، الذي يدور أيضاً في محافظة المهرة في أقصى شرق اليمن ، سيجعل من الصعب على السعودية الحفاظ على ما يُشبه حتى ائتلاف موحد عن بعد.
على الرغم من العمل مع كل من المملكة وحكومة هادي التي بدأت في العام 2015 لمحاربة تمرد الحوثيين، فإن لقيادة الإمارات مصالح في اليمن تمتد إلى ما هو أبعد من الجهود لسحق الحوثيين المتحالفين مع إيران. تتعلق هذه المصالح بأهداف أبو ظبي الجيوسياسية طويلة المدى فيما يتعلق بـمنطقة باب المندب وشرق إفريقيا والمحيط الهندي. إن تعزيز هذه المصالح يتطلب من الإمارات، التي ليس لديها البحر الأحمر أو البحر العربي أو خليج عدن أو ساحل المحيط الهندي، تأمين موطئ قدمها الإستراتيجية في جنوب اليمن (بما في ذلك سقطرى) والقرن الأفريقي.
سقطرى من حيث الموقع أقرب إلى أفريقيا من شبه الجزيرة العربية، وقد عُزلت إلى حد ما عن الحرب الأهلية الدائرة في اليمن على مدى السنوات القليلة الماضية. ومع ذلك، فإن التوترات بين القوى المحلية اليمنية ودولة الإمارات العربية المتحدة المتزايدة تجعل الإصرار بشأن سيادة سقطرى تتفاقم في أنحاء أخرى من البلاد. مع استمرار أجندة السياسة الخارجية “التوسعية” لأبوظبي في اليمن ، فإن صراع القوة هذا سوف يضع المزيد من الضغوط على اليمنيين للاختيار بين إخوانهم المواطنين الذين يقاومون سلوك الإمارات في اليمن والميليشيات المتحالفة مع أبو ظبي التي تقاتل من أجل إعادة تأسيس جنوب اليمن كدولة قومية.
ـــــــــــــــــ
*جورجيوكافييرو هو المدير التنفيذي ومؤسس شركة جلف ستيتأناليتيكس، وهي شركة استشارية في مجال المخاطر الجيوسياسية ومقرها واشنطن العاصمة. بالإضافة إلى موقع لوبلوج LobeLog ، يكتب أيضاً في صحيفة “ذى ناشيونال انترست” و وموقع معهد “ميدل إيست”و صحيفة “المونيتور”. وكان في الفترة من ٢٠١٤-٢٠١٥ محللاً لدى “كرول”، وهي شركة استشارية للتحقيقات. حصل على ماجستير في العلاقات الدولية من جامعة سان دييغو.