لا للحرب ضد إيران!
بقلم: فان بيل أوكين وبيتر شفارتس——————–
ترجمة: نشوى الرازحي-سبأ:——————–
إن خطر نشوب حرب شاملة في الشرق الأوسط اليوم أكبر من أي وقت مضى منذ الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003 ، والعواقب المحتملة أكثر خطورة بكثير. تستعد الولايات المتحدة لحرب إجرامية ضد إيران بهدف فرض تغيير النظام وإخضاع الدولة ذات الطاقة العالية والاستراتيجية.
لقد أدت حرب العراق، التي رمت إلى بلوغ نفس الهدف منذ 16 عاماً ، إلى مقتل أكثر من مليون مدني عراقي، وأغرقت البلاد في الهمجية والفوضى، وأدت إلى سقوط ٤٥٠٠ جندي وجرح ٣٠ ألف جندي من القوات الغازية.
إن من شأن شن حرب على إيران، التي مساحتها أربعة أضعاف مساحة العراق وعدد سكانها ضعف عدد سكان العراق أن تسبب مذبحة أكبر بكثير ، تجر المنطقة بأسرها إلى دوامة. وتؤدي إلى مواجهة محتملة مع القوتين النوويتين روسيا والصين.
في حين أن جورج دبليو بوش برر حرب العراق في العام 2003 بالكذب بشأن أسلحة الدمار الشامل المزعومة، إلا أن إدارة دونالد ترامب اليوم تسعى بالكاد إلى إخفاء أهدافها الحقيقية. فمنذ أن ألغت من جانب واحد وبشكل غير قانوني الصفقة النووية مع إيران، كانت تحاول خنق البلاد اقتصاديا ، وقطعها عن الأسواق المالية الدولية، وخفض صادرات النفط إلى الصفر. و الشعب الإيراني هو من يدفع الثمن ، فهو يعاني من التضخم بنسبة 50 في المائة تقريبا، ناهيك عن ارتفاع البطالة والفقر.
يهدد ترامب واثنان من كلابه المقاتلة، مايك بومبيو وجون بولتون ، ليس فقط طهران ، بل أيضاً موسكو وبكين و “شركاؤهما” المزعومون في أوروبا. إن تصريحاتهم تُذكر بنهج النظام النازي خلال عملية أنشلوس في النمسا (عملية عسكرية سلمية تم بموجبها ضم جمهورية النمسا إلى ألمانيا الكبرى على يد الحكومة النازية) وفي سودنلاند في جمهورية التشيك وغزو تشيكوسلوفاكيا وبولندا.
الاستعدادات العسكرية للهجوم على إيران في وضع متقدم للغاية. نقل البنتاغون حاملة الطائرات أبراهام لنكولن ، والسفينة الحربية البرمائية أرلينغتون ، وأربعة قاذفات بي 52 ذات القدرة النووية إلى الخليج ، وتم وضع خطط لنشر 120 ألف جندي ومارينز.
هدد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو علناً بالرد “العسكري الحازم” على أي عمل من جانب إيران أو أي من وكلائها الذين يهددون مصالح الولايات المتحدة في المنطقة. وأضاف المستشار الأمني جون بولتون أنهم “سيردون بقوة و بلا هوادة على أي هجوم على مصالح الولايات المتحدة أو حلفائنا”.
على هذا الأساس ، حتى أصغر حادث – سواء خيالي أو استفزازي أو حقيقي – يمكن أن يكون ذريعة لحرب شاملة. يمكن أن تنطلق شرارة صراع شامل من أي عدد من الحوادث أو الاستفزازات التي تم تنظيمها في منطقة بلغت فيها حدة التوترات إلى درجة حرارة عالية عبر عقود من العدوان الأمريكي الذي لا ينتهي وحشد عسكري حول الساحل الجنوبي للخليج الفارسي وتحويله إلى معسكر مسلح تهيمن عليه القواعد الجوية والبحرية الأمريكية.
ذكر تقرير إعلامي – دون أي دليل – أن الهجوم التخريبي المزعوم على أربع سفن تجارية ، بما في ذلك ناقلتان نفطيتان سعوديتان ، قبالة سواحل الإمارات العربية المتحدة يوم الأحد هو عمل إيراني أو “دمى إيرانية”. كما تم إلقاء اللوم على طهران في غارتين بطائرات بدون طيار على أنابيب النفط في المملكة العربية السعودية ، والتي أعلنت جماعة الحوثيين في اليمن مسؤوليتها عنهما.
وكان الحوثيون قد وصفوا الهجوم بأنه انتقام للحرب المدمرة التي يشنها النظام السعودي ضد اليمن منذ أربع سنوات بدعم من الولايات المتحدة والقوى الأوروبية. حيث أسفر القصف العشوائي للمدارس والمستشفيات والمساجد والمباني السكنية والحصار المفروض على البلاد عن مقتل 80 ألف شخص معظمهم من المدنيين وأدى إلى دفع أكثر من 10 ملايين مواطن إلى شفا هاوية المجاعة.
أدت الاستعدادات الأمريكية للحرب إلى صراعات حادة مع القوى الأوروبية، التي تريد التمسك بالاتفاق النووي مع إيران. وقد وصل الأمر بوزير الخارجية البريطاني جيريمي هنت إلى تحذير الحكومة الأمريكية علانية من الحرب. وقال بعد اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي مع بومبيو: “نحن قلقون للغاية من أن يصل الأمر عن طريق الخطأ إلى الصراع – مع تصعيد لم يكن مرغوباً من أي من الجانبين”.
ومع ذلك، فإن القوى الأوروبية ليست معنية بالسلام أو حماية إيران من الظلم والابتزاز. وهي قد تورطت، بشكل أو بآخر ، في جميع الحروب الإجرامية التي أخضعت ودمرت أفغانستان والعراق وليبيا وسورية ، ودعمت منذ زمن طويل العقوبات ضد إيران. لكن الأوروبيون الآن قلقون بشأن مصالحهم الاقتصادية في بلد به احتياطيات ضخمة من النفط والغاز وأكثر من 80 مليون شخص مؤهل تأهيلا جيدا. كما تُفهم تهديدات ترامب الحربية ضد إيران على أنها هجوم على طموحاتهم الإمبريالية في المنطقة.
وعند هذه النقطة هم لا يمثلون الرأي العام. ففي ظل مواجهة التوترات الاجتماعية المتزايدة والصراعات الطبقية، هم يريدون تجنب خروج الملايين على جانبي المحيط الأطلسي للاحتجاج ضد الحرب إلى الشوارع – كما حدث في العام 2003 ضد حرب العراق. وبدلا من ذلك تجدهم ينادون بصوت عال حتى الآن إلى التسلح الأوروبي.
أعرب الرئيس السابق للحزب الاشتراكي الديمقراطي ووزير الخارجية الألماني سيجمار غابرييل (من الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني) عن أسفه في تصريح لراديو ألمانيا لأن الاتحاد الأوروبي لم يكن “فاعلاً في السياسة العالمية” وختم حديثه بالقول: “علينا أن نتعلم أن يكون لنا دورا في العالم.”
كما كان تعليق ستيفان كورنيليوس في صحيفة زود دويتشه تسايتونج نموذجيا. حيث دعا الصحفي ذو الإطلاع الجيد على الأمور السياسية إلى”برنامج لبناء العضلات” أوروبي “للحماية من تعسف كل من الولايات المتحدة وإيران. حيث كتب: “حتى الآن، لا توجد استراتيجية موثوقة للردع أو حتى الهجوم المضاد – في القطاع المالي، بمساعدة العقوبات التجارية، وحتى عسكريا”.
“الردع والهجوم العسكري المضاد” هذه هي اللغة الصارخة للعسكرة. توضح هذه التعليقات والتعليقات الأخرى المشابهة أن الفرق الوحيد بين إدارة ترامب والحكومات الأوروبية هو أن الأخيرة ما زالت متأخرة في عملية التسلح.
عودة الحرب والعسكرة ليست نتيجة لإرادة أو نزوات السياسيين الأفراد مثل دونالد ترامب. إنها حتما ناتجة عن تناقضات النظام الرأسمالي. لا يمكن التوفيق بين الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وتقسيم العالم إلى دول قومية متنافسة ترتكز عليها الرأسمالية مع الاقتصاد العالمي، حيث يوجد مليارات من البشر مرتبطون بشبكة عالمية ومترابطة.
كان الصراع بين الاقتصاد العالمي والدولة القومية هو السبب الرئيسي للحربين العالمية الأولى والثانية. حيث سعت القوى الإمبريالية – ألمانيا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا – إلى حل هذا التناقض من خلال السعي لتصبح القوة العالمية المهيمنة على حساب منافسيها. وهذا ما يحدث مرة أخرى اليوم. الحرب العالمية الثالثة، النووية لم تعد فرضية مجردة، ولكنها باتت تشكل خطرا ملموسا.
و الشرق الأوسط مجرد بؤرة للحرب. تحاول الولايات المتحدة منذ فترة طويلة تعويض وزنها الاقتصادي المتراجع باستخدام تفوقها العسكري. وفي الوقت الحالي، لا تهدد إيران فحسب، بل تهدد فنزويلا أيضاً بالتدخل العسكري التي تتمتع بأكبر احتياطي نفطي مثبت في العالم. في الوقت نفسه، تعمل على مفاقمة الحرب التجارية ضد الصين وأوروبا. و مثل هذه التفاعلات من خلال رفع مستوى الاستعداد للحرب تشير إلى حرب عالمية ثالثة.
وفي ظل هذا كله تجد أن التحالفات تتغير. لا تزال القوى الأوروبية تعمل عن كثب مع الولايات المتحدة في مسيرة الناتو ضد روسيا، ومحاولة تغيير نظامها في فنزويلا ، وأحياناً ضد الصين. لكن الصراعات تزداد حدة.
هناك عامل آخر يدفع القوى الأمريكية والأوروبية إلى الحرب وهو الأزمة الاجتماعية والسياسية المتفاقمة في الداخل. وصل التفاوت الاجتماعي إلى مستوى لا يطاق وينعكس في عدد متزايد من الإضرابات والاحتجاجات والصراعات الطبقية. حيث تخدم عملية إثارة النزاعات والحروب الدولية الطبقة الحاكمة لتوجيه هذه التوترات وعسكرة المجتمع بأسره.
وهذا يسير جنبا إلى جنب مع إنشاء دولة بوليسية، وتوسيع نطاق الرقابة، وتشجيع القوى المتطرفة والفاشية اليمينية والهجوم المنهجي على الحقوق الديمقراطية. التعبير الأكثر قسوة هو اضطهاد مؤسس ويكيليكس جوليان أسانج والمبلغين عن تشيلسي مانينغ، الذين يتعرضون للاضطهاد والتعذيب ويواجهون عقوبة شديدة لفضحهم جرائم الحرب الأمريكية. على الرغم من أن تلك سابقة لقمع حرية التعبير ، إلا أنها لا تجد سوى القليل من الدعم في الأوساط الليبرالية السابقة. وتمضي طبقة الأثرياء البرجوازية الصغيرة في طريقها الحربي. و يتم استخدام تصعيد العسكرة في الخارج لتجريم جميع معارضة كل من الحرب والحكم الرأسمالي في الولايات المتحدة.
ولكن الطبقة العاملة و أعداد كبيرة من الشباب تتحرك في الاتجاه المعاكس. يسود هنا العداء ضد الحرب والمؤسسة السياسية ووسائل إعلامها. سوف ترد بصدمة وسخط على الحرب ضد إيران أو فنزويلا أو دول أخرى.
هذه المعارضة الجماهيرية تحتاج إلى منظور سياسي. حيث ترتبط معارضة الحرب ارتباطاً وثيقاّ بالصراع ضد قضيتها، الرأسمالية. إن الهجوم الدولي والاشتراكي من الطبقة العاملة هو وحده القادر على انتزاع السيطرة على الاقتصاد وقوة الدولة من الزمر الإمبريالية الجريئة ومنع المعركة من أجل الأسواق والموارد والهيمنة العالمية من إغراق البشرية في البربرية والإبادة النووية.
لكن الخطر الأكبر هو أن هذه المعارضة الاجتماعية الجماهيرية ليست منظمة سياسياً، في حين أن الطيف الكامل للسياسة الرسمية، الديمقراطية والجمهورية ، يدعم سياسة الحرب الكارثية للإمبريالية الأمريكية.
مهما كانت النتيجة المباشرة لضربة أمريكية على إيران، فإن الأحداث تتحرك بلا هوادة في اتجاه الحرب العالمية. يجب أن يقود هذا الواقع إلى صراع دولي عاجل من أجل تدخل واعي سياسي للطبقة العاملة لوضع حد للإمبريالية وإعادة تنظيم المجتمع على أسس اشتراكية.
يناضل حزب المساواة الاشتراكية وأحزابه الشقيقة في الأممية الرابعة من أجل توحيد الطبقة العاملة دولياً ومن أجل برنامج اشتراكي للإطاحة بالرأسمالية.
موقع www.wsws.org/de التابع للجنة الدولية للأممية الرابعة