السياسية:

من المفارقات التي نادرا ما تستذكر أن الكونغرس الأمريكي كان أقر في عام 1918 على خلفية الحرب العالمية الثانية، قانونا قضى بسجن كل من ينتقد الحكومة الأمريكية.

ذلك القانون القامع للحريات والذي يعرف بقانون “الفتنة” أو التحريض، جرى فيه اعتبار التحدث بالسوء عن الحكومة الأمريكية أو الدستور وحتى علم البلاد، جريمة يعاقب عليها القانون.

الرئيس الأمريكي الثامن والعشرون وودرو ويلسون بالاشتراك مع قادة الكونغرس والصحف المؤثرة في تلك الحقبة ضغط لتمرير قانون الفتنة في خضم تورط الولايات المتحدة في الحرب العالمية الأولى.

ويلسون كان قلقا بشأن تناقص الروح المعنوية للبلاد، ولذلك سعى إلى البحث عن طريقة لتضييق الخناق على الرفض المتزايد والواسع للتورط في تلك للحرب والتجنيد العسكري الذي تم وضعه لتغذيتها، فكان أن ظهر هذا القانون الذي قلّص بشكل كبير من هامش حرية التعبير في الولايات المتحدة وعد بأنه انتهاك من قبل الحكومة الأمريكية لحدود الحريات الأساسية.

على الرغم من إلغاء قانون الفتنة بعد ثلاث سنوات في عام 1920، إلا أن الكثيرون وقعوا ضحية له واتهموا بالتحريض على الفتنة أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها مباشرة، عندما كان الخوف من الشيوعيين متفشيا.

قانون “الفتنة” الذي صدر في 16 مايو عام 1918، أحكم طوق قانون كان صدر في 15 يونيو عام 1917، بعد شهرين فقط من دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى، وهو ما يعرف بقانون “التجسس”، وأدخل تعديلات على الباب الأول منه.

قانون “التجسس” الذي لا تزال بعض مواده سارية المفعول حتى الآن، أريد به تحديد فعل “التجسس” في زمن الحرب، وبموجبه تم وضع حدود جديدة للحقوق الأمريكيين الأساسية، استكمل بقانون “الفتنة”.

قانون “التجسس” منح الحكومة الأمريكية الفدرالية ولا يزال نفوذا متزايدا لمحاسبة “العناصر الجامحة”. على الرغم من أن تهمة التجسس طالت “تعزيز نجاح أعداء ( الولايات المتحدة)”، إلا أنه شمل أيضا مجموعة أكبر بكثير من المخالفين المحتملين.

سمح ذلك القانون بمحاكمة شخص يتدخل أو يحاول تقويض المجهود الحربي للولايات المتحدة، ويواجه بموجب القانون عقوبة بالسجن لمدة 20 عاما وغرامة قدرها 10000 دولار.

صياغة قانون “التجسس” التي وضعت بعناية، سمحت بمقاضاة أولئك الذين احتجوا على التجنيد الإجباري الذي كان فرض لتوه، أو عارضوا الحرب ذاتها، ما مكن الحكومة الأمريكية من استهداف ذوي الميول الاشتراكية أو الشيوعية وكذلك دعاة السلام، وكل من كان معارضا للحرب.

بموجب قانون التجسس لعام 1917 وقانون الفتنة لعام 1918، رفعت الحكومة الأمريكية أكثر من 2000 قضية، انتهى أكثر من نصفها بإدانة المتهمين.

من بين الأمثلة الصارخة لمن أدينوا بموجب قانون “التجسس” لعام 1917، قضية رفعت ضد يوجين دبس، وهو سياسي اشتراكي بارز وأحد مؤسسي حركة العمال الدوليين العالمية، وكان حصل على مليون صوت اثناء ترشحه في الانتخابات الرئاسية الامريكية في عام 1912.

دبس، الشخصية العامة المعروفة، كان ألقى كلمة “حذرة” انتقد فيها قانون “التجسس”، خارج سجن كانتون في ولاية أوهايو في 16 يونيو عام 1918، عقب زيارته ثلاثة اشتراكيين ادينوا بموجب قانون التحريض على “الفتنة”.

أدانت المحكمة هذا السياسي الأمريكي الشهير، وقضت بسجنه 10 سنوات. كما جرى بموجب قانون “التجسس”، في عام 1951 محاكمة زوجين أمريكيين في نيويورك وهما يوليوس وإثيل روزنبرغ، وأدينا بتهمة التجسس لصالح الاتحاد السوفيتي، وأعدما في سابقة هي الأولى من نوعها في عام 1953.

لا تزال بعض مواد قانون التجسس يُعمل بها حتى الآن، وبموجبها اتهم العميل الأمريكي السابق إدوارد سنودن في عام 2013، عقب تسريبه معلومات سرية مرتبطة ببرامج للحكومة الأمريكية خاص بالمراقبة.

* المصدر: موقع روسيا اليوم
* المادة الصحفية تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع