علي ظافر*

بعض الدول والأنظمة تسقط منذ الأيام الأولى للحروب الشاملة التي تقودها تحالفات دولية إقليمية كانت أو دولية أو كلاهما معاً، وحده اليمن كان عصياً على الخضوع والتركيع رغم الحرب الكونية الشاملة على مدى ثلاثة آلاف يوم كانت كافية لمحو اليمن من الخريطة وإعادته عقوداً إلى الوراء.

من يتأمّل ويراقب سير الحرب العدوانية على اليمن منذ أيامها الأولى، وكيف استقوت عليه دول العدوان بالسلاح والمال وتشكيل التحالفات العربية والإسلامية، يدرك أن الله حاضر في اليمن وأن ثمة يداً إلهية كانت ولا تزال مع اليمنيين.

إذ لا يمكن قراءة سنوات الحرب، بنظرة مادية بحتة، ذلك إن الحرب شنت على اليمن وهو في حالة ضعف وتفكّك وشبه انهيار في كل مؤسساته، وليس هناك أي توازن أو تكافؤ ماديّ لا من ناحية السلاح ولا من ناحية المال ولا من حيث النفوذ بين اليمن والقوى الدولية والإقليمية التي شنت عدوانها المتوّحش على اليمن وفرضت حصارها الشامل عليه براً وبحراً وجواً، وأمام كل تلك القوة المتوحشة صمد اليمنيون على مدى ثلاثة آلاف يوم، وحقّقوا نتائج ومعجزات ومعادلات أكبر بكثير من كل المقدمات.

اليمن: من الحظيرة السعودية إلى قوة إقليمية

ليست المعجزة في كيف صمد اليمنيون، ولكن كيف استطاعوا في غمرة التحديات الكبرى العاصفة، أن يحوّلوا التهديد إلى فرصة للبناء على المستويات كافة، وأن تخرج بعد ثلاثة آلاف يوم رافعة رأسها وسقفها، بعد أن تحوّلت من دولة تابعة هشة بنويّاً إلى قوة إقليمية يخشى جانبها أميركياً وإسرائيلياً وسعودياً وإماراتياً.

ما نكتبه هنا ليس مجرد شعارات، بل حقائق يلمسها العدو والصديق معاً، وبمراجعة سريعة يمكن أن ندرك هذه الحقيقة الصادمة والمفاجئة لدول العدوان التي كانت بسوء تقديرها تتوهم أنها ستحسم معركتها في غضون ثلاثة أسابيع، أو في شهر واحد كحد أقصى، لكن ما حصل كان مغايراً وأسقط كل الرهانات على الحسابات المادية والنفوذ.

عاصفة اليمن تكتسح عاصفة الوهم

كلّنا يتذكّر جيداً عنتريات المتحدث العسكري باسم التحالف أحمد عسيري، الذي أعلن منذ الأيام الأولى من الحرب تدمير 80% من قوة صنعاء وإخراجها تماماً عن الخدمة، وكيف كان المسؤولون السعوديون يتحدثون بكل ثقة عن إمكانية حسم المعركة في فترة قياسية. لكن ما حصل كان العكس، وجاءت رياح الحرب بما لا تشتهيه سفن الرياض وواشنطن ومن لفّ لفّهما. من المعلوم أن نجاح وفشل والحروب تقاس بما تحقّقه من الأهداف المعلنة، وكان من أبرز أهداف دول العدوان المعلنة، محو الجيش اليمني وأنصار الله وكل القوى الوطنية الحرة من الوجود، وتجريدهم من السلاح، وتحجيمهم، وإعادتهم إلى أقصى شمال اليمن (مران)، في مقابل إعادة هادي وزمرته ممن هم على شاكلته إلى صنعاء.

أين “التحالف”؟ وأين “الشرعية”؟

اليوم بعد ثلاثة آلاف يوم أين التحالف من صنعاء، بل ماذا بقي من تحالف بدأ بـ 17 دولة، ثم تفكّك، وتشتّت، وانقسم على ذاته، ودخل في متاهة لتجد السعودية نفسها وحيدة في نهاية المطاف، بل وصل الحال أن “الإمارات طلبت من صنعاء (عبر وسطاء عرب) توجيه ضربات قاسية ومؤلمة للسعودية” حليفتها اللدود! وفق ما نقل عن مصادر قيادية رفيعة المستوى ضمن لقاءات داخلية.

ينسحب الأمر نفسه على المرتزقة الذي مزّقوا كلّ ممزَّق، على سبيل المثال لا الحصر هادي وعلي محسن وإلخ … أين هم وما مصيرهم، ومصير كل تلك التشكيلة السياسية والعسكرية من جوقة المرتزقة التي أرادت دول العدوان أن تجعلهم أسياداً على رؤوس اليمنيين، ووكلاء لها في المشهد اليمني؟ بل حتى البدلاء الذين جيء بهم خلال مؤتمر الرياض ضمن ما سمّي بـ “مجلس القيادة الرئاسي” المشكّل من ثمانية أشخاص بات كل منهم يلعن نظيره ويحمّله مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والإنسانية المتردية والسيئة للغاية في المناطق المحتلة، وتحوّلوا من ورقة ضغط بيد الرياض وأبو ظبي وأميركا إلى ازعاج يؤرقهم.

أين وصلت صنعاء بعد ثلاثة آلاف يوم؟

في المقابل قويت شوكة صنعاء سياسياً ودبلوماسياً وتفاوضياً وشعبياً واقتصادياً والأهم عسكرياً، وباتت تملك أسلحة تفوق ما تملكه دول العدوان، وبات لدى صنعاء مخزون هائل من الأسلحة والصواريخ الدقيقة والمتطورة والطائرات المسيرة القادرة على اجتياز كل المنظومات الدفاعية والوصول إلى أي نقطة في البر والبحر داخل عمق دول العدوان وضرب كل المصالح الحيوية والاقتصادية في عمق دول العدوان، وهذه معلومات وليست تحليلاً.

فصنعاء لم تكن في حالة من التراخي طيلة عام وسبعة أشهر من الهدنة وما تلاها كما تتوهم قوى العدوان، بل انكبّت على البناء والتطوير لترسانتها فبنت وطوّرت ما لا يخطر على بال دول العدوان.

أما على مستوى القوة البشرية فباتت صنعاء تملك بعد ثلاثة آلاف يوم مئات الآلاف من المقاتلين المدرّبين المجهّزين والجاهزين لكل الخيارات. وقد شاهد العالم جانباً من ذلك خلال العروض العسكرية التي نظّمتها وزارة الدفاع في الذكرى الثامنة لثورة الواحد والعشرين من سبتمبر، وما خفي أعظم.

خلاصات وعبر

الخلاصة التي نود الوصول إليها، أن الإرادة وحدها والاستعانة بالله هي الحاسمة، وأن المال والسلاح لا يحسم معركة ولا يصنع نصراً كما توّهمت دول العدوان التي وصلت إلى قناعة تامة بأن الحسم العسكري غير ممكن في اليمن، وأن رهاناتها وتقديراتها وحساباتها كانت خاطئة تماماً، وهي اليوم وعلى رأسها السعودية في حالة من اليأس، وتدرك أن استمرارها في الحرب يعني المجازفة بطموحاتها الاقتصادية ورؤية 2030.

وصلت الرياض إلى حد اليقين بأن منظومات الدفاع الأميركية لن تحمي منشآتها النفطية والاقتصادية والحيوية، وأنّ أميركا لن تقدّم لها أمناً ولا حماية، لكنها رغم كل تلك القناعات لا تزال تناور، وتستصعب النزول السريع من على شجرة الغرور، واليمنيون قد منحوها الكثير من الفرص، والفرص لن تستمرّ إلى ما لا نهاية، وفوات الفرصة غصة كما يقال، وما بعد ثلاثة آلاف يوم لن يكون كما قبلها، ولله عاقبة الأمور.

* المصدر: الميادين نت