وسام أبو شمالة*

كيان “إسرائيل” تخشى من أن يؤدي الاتفاق بين واشنطن وطهران إلى مزيد من تعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة، لذا كانت وما زالت تدفع في اتجاه توجيه ضربة عسكرية أميركية الصهيونية مشتركة للقدرات النووية الإيرانية.

تُشير تقارير إعلامية أنّ محادثات سرية تجري منذ عدة أشهر في دولة عُمان بين الولايات المتحدة وإيران، وأن البلدين يقتربان من التوصل إلى اتفاق جزئي حول الملف النووي، سيفضي إلى تخفيف العقوبات الاقتصادية على إيران مقابل وقف تخصيب اليورانيوم، وذلك لصعوبة التوصل إلى اتفاق شامل، على غرار اتفاق 2015 الذي انسحبت منه إدارة الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب عام 2018، تحت ضغط بيبي نتنياهو.

في ضوء السياسة الأميركية الرامية إلى خفض التصعيد في المنطقة، والتفرغ للتهديدات الدولية والأزمة الاقتصادية، تسعى الإدارة الأميركية للتوصل إلى تفاهم ولو بالحد الأدنى مع إيران.

تعدّ الولايات المتحدة إيران فاعلاً إقليمياً تتعارض سياساته الداخلية والخارجية مع السياسة الأميركية، وعلى الرغم من نجاح المساعي الإيرانية لتعزيز نفوذها الإقليمي والدولي، والذي يشهد تصاعداً ملموساً، عكسته استعادة العلاقات الإيرانية مع السعودية، وتحسن العلاقة مع دول الخليج عموماً، كما تلوح في الأفق بوادر استعادة العلاقة مع مصر، إلى جانب تعزيز العلاقة القائمة مع روسيا، اقتصادياً وعسكرياً ودبلوماسياً، ونمو العلاقات الإيرانية – الصينية، لكنّ الملف النووي لا يدرج في سلم أولويات السياسة الخارجية الأميركية باعتباره أحد التهديدات التي يمكن التعايش معها، حتى لو امتلكت إيران قنابل نووية، لذا فإن الإدارة الأميركية لم ولن تلجأ إلى الخيار العسكري ضد إيران، وستبقى الأفضلية لتفعيل الأداة الدبلوماسية.

في المقابل، تعدّ كيان “إسرائيل” امتلاك إيران قنبلة نووية تهديداً وجودياً لها، لا يمكن التعايش معه، وتخشى أن يؤدي الاتفاق إلى مزيد من تعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة، وزيادة الدعم المقدّم إلى حلفاء إيران وتعزيز محور المقاومة، لذا كانت وما زالت تدفع في اتجاه توجيه ضربة عسكرية أميركية/إسرائيلية مشتركة للقدرات النووية الإيرانية، وسعت حكومات العدو المتعاقبة لإقناع الإدارة الأميركية بالخيار العسكري، وكادت أن تنجح في عهد ترامب.

في ضوء عدم الاستعداد الأميركي للتورط في حرب جديدة في المنطقة، عكف صانع القرار الصهيوني، على مدار السنوات الماضية، على دراسة سلة من الخيارات للتعامل مع إيران، منها توجيه ضربة عسكرية صهيونية لإيران بشكل منفرد، وخلال ولاية بنيامين نتنياهو قبل نحو 10 أعوام، اقترب العدو من قرار تنفيذ الهجوم ثلاث مرات، في خريف العام 2010 وخريف العام 2011 وفي صيف العام 2012.

وتناولت تقارير صحافية إسرائيلية عديدة هذا الموضوع، خلال السنوات الماضية، أبرزها كتاب الصحافية الإسرائيلية، مازال مُعلم، بعنوان “شيفرة نتنياهو”، الذي سلط الضوء على خطوات نتنياهو من أجل إقناع مسؤولين سياسيين بتأييد مهاجمة إيران..

في الماضي والحاضر والمستقبل، تطرح ثلاثة أسئلة حرجة على طاولة المستويين الأمني والسياسي للعدو، هل لدى “الجيش” القدرة العملياتية على تدمير كلي أو جزئي للقدرات النووية الإيرانية؟ وما تداعيات الهجوم على إيران، ومدى قدرة الجبهة الداخلية الصهيونية على تحمّل حرب واسعة ستندلع في أعقاب الهجوم؟ وفي ضوء الرفض الأميركي للخيار العسكري، كيف ستتأثر العلاقات الأميركية – الصهيونية بعد تنفيذ الهجوم من دون التنسيق مع الإدارة الأميركية؟

الموقف الثابت لـ”جيش” العدو منذ سنوات هو صعوبات عملياتية تواجه قدرات “الجيش” في تنفيذ هجوم عسكري على إيران، وتضاعفت هذه الصعوبات في الوقت الراهن عما كانت عليه قبل سنوات، في ضوء تقارير عديدة أشارت إلى قيام إيران بنشر المواقع النووية في عدة مناطق، ووجودها تحت الجبال وفي أعماق الأرض يعقد عملية استهدافها بالقنابل الذكية التي تخترق الخنادق المحصنة، إلى جانب صعوبات تواجه القدرات الجوية للعدو في تغطية مساحة إيران الشاسعة والتي تبلغ 1,648,000 كم².

كما يفتقر العدو إلى القدرة العسكرية لتصدر الهجوم وتحمّل تداعياته ودفع أثمانه، والخشية من حرب استنزاف طويلة تقودها إيران وحلفاؤها في المنطقة، على غرار تنفيذ هجوم مضاد من مختلف الجبهات، لا سيما الجبهة الشمالية، والقدرة على إطلاق صواريخ باليستية إيرانية طويلة المدى وأخرى فرط صوتية، تصل إلى مسافة 2000 كلم وبرأس متفجر زنة 500 كلغ كما أعلن الجيش الإيراني مؤخراً.

على الرغم من توفر تأييد أكبر لموقف نتنياهو تجاه الخيار العسكري ضد إيران، داخل الحكومة، وجهازي الموساد والاستخبارات، فإن موقف “جيش” العدو لا يزال يؤكد أنه غير قادر من الناحية العملياتية على الخيار العسكري، إلى جانب الخشية من اندلاع حرب واسعة، وتداعياتها الخطيرة على الجبهة الداخلية للعدو، وعدم توفر دعم عسكري أميركي أو غطاء سياسي، كلها عوامل لن تدفع في اتجاه اتخاذ العدو قرار شن هجوم عسكري واسع على إيران.

وسيكتفي العدو بسياسة المعركة بين الحروب، من جهة، وابتزاز مزيد من الدعم العسكري والمالي الأميركي يتيح له المحافظة على تفوّقه العسكري في المنطقة، والحصول على تعهد والتزام أميركيين قاطعين بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي، من جهة أخرى، لذا يعتقد “جيش” العدو أن التوصل إلى اتفاق مع إيران يفضي إلى تجميد مشروعها النووي أفضل من بقاء الوضع الراهن الذي يتيح لها السير نحو امتلاك القنبلة النووية، بعد أن أصبحت دولة على حافة العتبة النووية.

* المصدر: الميادين نت
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع