النَّصْع في اليمن.. عادة لتفريغ الطاقة العدوانية
السياسية- متابعات:
اليمن كلمة حروفها قليلة، لكنها تحمل من العادات والتقاليد والطقوس ما يكفي العالم العربي بأكمله، وتختلف باختلاف المكان والزمان، فهناك عادات تتعلّق بالعيدية توجد في عيد وتختفي في الآخر، وطقوس ريفية غير تلك المدنيّة.
في هذه البلاد، لا يقتصر انتشار السلاح على شريحة معيّنة، بل هو في متناول كلّ الشرائح والأعمار، فمنذ أن يُدرك الطفل نفسه، يرى السلاح على أكتاف الأكبر منه سناً، ويراه جزءاً من ديكور المنزل، ومن هنا بدأت عادة النَّصْع، أي القنص.
حضور كبير
حبّ اليمنيين للعادات والتقاليد جعلهم متميّزين عن غيرهم من البلدان العربية، وهم يمارسون عادة النَّصْع، أي الرماية أو القنص في عدة مناسبات، منها الأعياد، الأعراس، عقد القران، ختان المواليد والتجمّعات القبلية، حيث ينصبون حجراً مميزاً أو علبة أو سيجارة، ثم يبتعدون عنها عشرات الأمتار، ويقومون بالتصويب عليها بالسلاح الشخصي واحداً تلو الآخر.
ويقول محمد الذماري للميادين نت، وهو مواطن من أبناء محافظة ذمار، إن رجالاً في محافظته يخرجون إلى خارج القرية بالزوامل، أي الأناشيد الشعبية اليمنية. وأثناء رقصات “البرع” يمارسون عادة النَّصْع حتى ثالث أيام العيد، ومن يتخلّف عن الخروج مع الجماعة، يُعاقب بإدخاله في أكبر سدّ في القرية بكامل ملابسه.
أما عند ختان المواليد، يأتي أخوال الطفل إن كانوا من غير المنطقة، يقدّمون الخرفان كهدية، ثم يقومون بممارسة النَّصْع فرحاً وابتهاجاً.
وفي محافظة ريمة، كانت عادة غير منظّمة تمارس عادة عند عقد القران مباشرة، حيث يصعد العريس وإخوانه وأخواله إلى سطح المنزل، ثم يطلقون النار عشوائياً لإعلان إتمام عقد القران.
وفي بعض الأرياف يُطلق العريس النار جواً بشكل عشوائي من على نافذة منزله بعد فض غشاء البكارة مباشرةً، لإعلان طهارة وعفة العروس، وأيضاً يطلق النار بالطريقة نفسها عند الذهاب إلى عائلة العروس.
التحكّم بالعواطف
وتعليم النَّصْع في اليمن يُعدُّ رياضةً مفيدةً للجسم والعقل، ويعزّز الثقة بالنفس والتفكير الإيجابي وثبات الموقف.
يقول الباحث الاجتماعي علي الهادي للميادين نت “إن الرماية تعتبر من الرياضات غير المألوفة لدى الكثيرين الذين يجهلون فوائدها للشخص نفسه وللمجتمع”.
وبشأن فوائد ممارسة عادة النَّصْع، يقول الهادي “إن ممارستها تعتبر فرصة للتطوير الشخصي، وهي مفيدة للجسم والعقل لأنها تتطلّب تركيزاً ودقة عالية”.
ويتابع الباحث الاجتماعي: “عندما يتعلّم الفرد كيفية التحكّم في السلاح والتركيز على الهدف، فإنه يتعلّم أيضاً كيفية التحكّم في العواطف والتركيز على الأهداف في الحياة، وهذا يمكن أن يساعد في تحسين الثقة بالنفس والتفكير الإيجابي”.
وللمجتمع نصيب، بحسب الهادي، “من تعليم وإتقان هذه العادة الذي يفضي إلى تعزيز العلاقات الاجتماعية والصحة النفسية، لأنّ تعلّمها يتطلّب الحضور في التجمّعات أو الخروج إلى المناطق الخالية من السكان وتعلّمها مع مجموعات، وهذا يساعد في تعزيز الانتماء إلى المجتمع وتحسين العلاقات الاجتماعية وفرصة للتفاعل مع الآخرين وبناء صداقات جديدة”.
ويضيف الهادي “تعليم النَّصْع أيضاً له فوائد كثيرة منها التقليل من نسبة الجريمة التي عادةً ما يكون سببها عدم المعرفة الكاملة بالسلاح والتصويب ومسافات الهدف، وكذلك تقليص الجرائم التي تُسجّل ضد مجهول والتي تكون نتيجة الرصاص الطائش”.
“صوت الطلقات يسعدني”
سرعان ما كشف سرّ ابتسامته وشعوره بالسعادة، من أول كلمة نطقها لسانه، ليخبرنا عن موعد الذهاب إلى رحلة النَّصْع، ويصف انتظار الموعد كانتظار السجين لشمس حريته!
إنه أحد أبناء محافظة صنعاء، الطفل عبد الرحمن الطوقي، الذي يبلغ من العمر 12 عاماً، يقول للميادين نت: “عندما يخبرني والدي بأننا يوم غد سنذهب للنَّصْع يغادر النوم عينيّ، فالنَّصْع يعلّمني الشجاعة والصبر الذين يفيدانني في حياتي اليومية”.
يعتبر اليمنيون أن عادة النَّصْع تساعدهم في تفريغ الطاقة العدوانية المتعلّقة بحب النفس البشرية للقتال والفوضى، وتبعث فيهم الطاقة الإيجابية عند إصابة الهدف وتحدي الذات بثبات عالٍ، وتمكّنهم من التركيز الدقيق وصفاء الذهن، وهم بذلك أيضاً ينفّذون قول رسول الله: “علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل”.
- هاشم طه – اليمن
- المصدر: الميادين نت
- المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع