تحالف دولي.. إيران في مواجهة هيمنة أميركا على المنطقة
شرحبيل الغريب*
إعلان طهران تشكيل التحالف الدولي يأتي كورقة رابحة لها، رغم الحصار الغربي، وبعد خطوات أقدمت عليها في الآونة الأخيرة في مسار الصناعات العسكرية والكشف عن أجيال جديدة من صناعة الطائرات المسيرة والصواريخ الدقيقة.
إعلان طهران قبل أيام على لسان قائد القوات البحرية الإيرانية تشكيل تحالفات دولية جديدة قيد التبلور إقليمياً ودولياً تضمّ دولاً خليجية، ومعها العراق والهند وباكستان، بهدف الحفاظ على الأمن الإقليمي في المنطقة، أثار غضب الولايات المتحدة الأميركية واستفزازها، وجعل قائد الأسطول الخامس الأميركي يخرج عن صمته لينتقد الخطوة بنحو علني ولاذع.
إعلان طهران تشكيل التحالف الدولي يأتي كورقة رابحة لها، رغم الحصار الغربي، وبعد خطوات أقدمت عليها في الآونة الأخيرة في مسار الصناعات العسكرية والكشف عن أجيال جديدة من صناعة الطائرات المسيرة والصواريخ الدقيقة، كصاروخ خيبر وصاروخ فتاح، وهو أول صاروخ بالستي فرط صوتي محلي الصنع يصل مداه إلى 1400 كلم، وهو ما يعكس قدرة ردع إيرانية غير مسبوقة في المنطقة.
رغم القيود والحصار الغربي الأميركي، تسير إيران وتتقدّم بخطى ثابتة، في وقت تقود تحركات أحدثت تحولات دبلوماسية سريعة تجاه دول المنطقة، بدأت تشكّل حال قلق كبيرة لأميركا التي كانت المهيمنة الوحيدة على المنطقة، ما جعلها تهرول إليها من جديد عبر زيارة لوزير خارجيتها بلينكن، في محاولة لاستعادة شيء من الدور الأميركي المفقود.
الهرولة الأميركية في المنطقة تأتي بعد اتخاذ دول خليجية وعربية خطوات عملية في البحث عن شراكة مع إيران لحماية نفسها، بعدما كشفت تلك الدول الزيف والخداع الأميركي بعد سنوات عدة، وبهدف إقناع السعودية بالمضي في مسار التطبيع مع كيان “إسرائيل”، وهو ما يعكس هواجس وقلقاً من التحركات الإيرانية.
أما أكبر قلق، فقد ظهر بعد اتفاق السعودية وإيران في الآونة الأخيرة وتطوير العلاقات والتمثيل الدبلوماسي والحديث عن الجهود التي تهدف إلى ترتيب العلاقات بين طهران والقاهرة، وهي جميعها قضايا مقلقة لأميركا وكيان “إسرائيل” بشكل أساسي.
أهملت أميركا منطقة الشرق الأوسط، واتجهت نحو الشرق الآسيوي، وفوجئت بواقع جديد وإنجازات غير معهودة حققتها إيران ودبلوماسيتها الناجحة، ووجدت في المقابل أن من كانت تعتبرهم حلفاء لها أصبحوا يتقربون من إيران أكثر لإيجاد صيغة تفاهمات معها، في وقت انكشفت الكذبة الأميركية الكبرى التي كانت تتمحور حول المظلة والحماية الأميركية لعدد من الدول من جراء ما كان يشاع عن “الخطر الإيراني”.
هل يمكن تشكيل مثل هذا التحالف بشكل عملي بين إيران والدول الخليجية والعربية الست، ومعها الدول الأخرى؟
بعد تجربة عملية، أدركت الدول العربية أن من الخطأ أن تضع بيضها في سلة واحدة، وأن الإدارة الأميركية لم تعد تشكل المظلة الحامية لها، وأن من الأجدر تصفير المشكلات مع إيران لحماية مصالحها والبحث عن مصالح مشتركة بشكل أكبر.
اتضح ذلك أكثر من خلال بدء الحديث عن إبرام تلك الدول صفقات مع روسيا والصين كمثال، وبالتالي يمكن توصيف الواقع الجديد بالاستدارات الحقيقية الاستراتيجية بهدف تقديم المصالح وتصفير المشكلات مع إيران، وهي أهم وأقوى من الرهان على الوعود الأميركية التي لا وجود لرصيد حقيقي لها بعد الشعور بحال الخذلان.
الحديث عن حراك أميركي يقوده بلينكن لإقناع السعودية ودول أخرى بالتطبيع مع كيان “إسرائيل” لا رصيد له أمام متغيرات المنطقة الجديدة التي تجاوزت هذه المسألة بواقعها وتوجهاتها. أما الحراك الإيراني، فيمكن القول إنه نابع من رؤية واستراتيجية تنوّع العلاقات بشكل دافئ، وتطوير العلاقات الدولية، وحماية المصالح والنفوذ المشتركة بديلاً من الصراعات، إذ إن المنطقة لم تعد أحادية القطب، كما كانت، ولم تعد الهيمنة المطلقة هي هيمنة أميركية مطلقة.
ستعمل أميركا على إحباط تشكيل هذا التحالف، وستستخدم كل ما بوسعها من أجل إفشاله، لكن في الوجهة الأخرى، إن نجاح إيران بشكل فعلي وحقيقي في تشكيله يعدّ فرضاً لنظرية ردع جديد وتحدياً كبيراً للولايات المتحدة الأميركية وهيمنتها على المنطقة، وهي التي بدأت تفقدها شيئاً فشيئاً، وبشكل واضح وملحوظ، فالمنطقة لم تعد محكومة بصبغة أميركية خالصة، إذ إن عدداً من الدول التي كانت تضع إيران في دائرة العداء أصبحت اليوم تقيم علاقات معها وتنظر إليها كحليف مهم وضروري.
أما الإدارة الأميركية، فهي تسير في مسار مكشوف، في محاولة لاستعادة شيء من السيطرة وضرب الاستراتيجيات الجديدة التي تنتهجها إيران، بعدما أثبتت أنها بدأت تحقق قفزات نوعية في السياسة الخارجية والصناعات العسكرية والقدرات الصاروخية التي وصلت إلى مرحلة متميزة، وهي لن تعجز عن تشكيل تحالف دولي يضمن الأمن الإقليمي لها ولكل دول التحالف، ويقوّض دور أميركا ونفوذها في المنطقة.
خطوات إيران في الإعلان عن تشكيل تحالف بحري دولي هي نقطة فعل قوية في بناء أمن تعاوني مشترك لدول المنطقة. وكما كل مرة، تربك طهران حسابات الإدارة الأميركية التي قبلت اتفاق إيران السعودية على مضض بعدما شكل صدمة لها.
إن مثل هذا التحالف سيثير حفيظة كيان “إسرائيل” التي لم تترك منصة من دون أن تحرض فيها على إيران ومشروعها النووي، لكنها عاجزة عن اتخاذ أي خطوات عملية عسكرية، نظراً إلى تباين الرؤى مع حليفتها أميركا التي ما زالت تفضّل الخيار الدبلوماسي على العسكري، وهي تبحث عن اتفاق، ولو جزئي، مع طهران يضمن العودة إلى الاتفاق النووي الذي جمدته إدارة الرئيس دونالد ترامب السابقة وتنصّلت منه.
التحالف الدولي البحري هو مشروع أمني مشترك لإيران ودول الخليج يشكّل تحقيقه واقعاً عملياً ضربة قاصمة للمصالح الاستراتيجية لـ كيان “إسرائيل” في تلك المنطقة، وتندرج ضمنه نقاط قوة مهمة في تصاعد قوة إيران في مقابل تراجعٍ وفشلٍ لهيمنة أميركا التي كانت تستعرض وتسيطر على كلّ شيء.
ويعدّ تحقيق مثل هذا التحالف خطوة مهمّة لزيادة الفهم الإقليمي الإيراني العربي للتهديدات الأمنية الأميركية والصهيونية، وتوسيع المصالح المشتركة بين مختلف أطرافه على كل المستويات والصعد، سواء الأمنية أو العسكرية أو في السياق السياسي العام بين مختلف الدول المشاركة.
* المصدر: موقع الميادين
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع