شوقي عواضة*

شكّلت عودة الإمام الخميني (قد) من منفاه في نوفل لو شاتو إلى طهران وسط الجماهير المليونيّة الزّلزال المدمّر للولايات المتحدة الأميركيّة والكيان الصّهيوني بالدّرجة الأولى، حيث رسمت تلك العودة الخطوط الأولى للشّرق الجديد، الشّرق المقاوم المناهض للاستكبار العالمي والشّيطان الأكبر الأميركيّ وحلفه في المنطقة.

في تلك اللّحظة التّاريخيّة أعلن قائد الثّورة الإسلاميّة عنوان الثّورة ورفع شعارها الذي أرعب المستكبرين (اليوم إيران وغداً فلسطين)، هو شعار زاد ترسّخاً في ضمائر الأحرار والشّرفاء في العالم، أعطى للقضية الفلسطينيّة بعدها الإنسانيّ والعقائديّ فكانت قضية الثّورة الأولى التي دعمها روحياً ومعنوياً متحديّاً جبابرة العصر وطواغيته.

كسر الإمام الخميني شوكة الاستكبار في إيران والعالم، معلناً بكلّ فخر وصلابة أنّ الجمهورية الإسلاميّة لن تكون إلّا في الصّف الأوّل لدعم المقاومة في لبنان وفلسطين ولن تكون إلّا على الجبهات في مواجهة الاستكبار العالمي وإسقاط الهيمنة الأميركيّة في المنطقة، ومبشّراً بانتصار المقاومة على العدوّ الصّهيونيّ وتهشيم صورة جيشه النّخبويّ، محيّياً بذلك روح الانتصار في زمن الرّدة والانصياع للأميركي.

وقف الإمام الخميني في زمن الرّدة والتّرويج (للسّلام) مع العدوّ باتفاقية كامب ديفيد التي روّج لها بعض كبار العلماء المنهزمين من فقهاء السّلطة والبلاط معلناً أنّ “إسرائيل” غدّة سرطانيّة يجب اجتثاثها من الوجود. إعلان سرعان ما ترجمه الإمام عمليّاً خلال دعم المقاومة في لبنان في مواجهة الاحتلال الإسرائيليّ للبنان مدعوماً بوجود قوّات المارينز والمظليّين الفرنسيين، لتأتي ثمار زرع الإمام باندحار القوّات الأميركيّة والفرنسيّة بعد استهداف ثكنة للكتيبة الأولى من مشاة البحريّة الثّامن لقوّات المارينز الأميركيّة ومقرٍّ لقوّات المظليّين الفرنسيّين في بيروت.

عمليتان عسكريتان منفصلتان أدّتا إلى مقتل 241 عسكريّاً أميركيّاً و58 عسكريّاً فرنسيّاً اعتبرتهما واشنطن وباريس الضّربة الأكبر بعد حرب فيتنام والجزائر، بحيث رسّختا معادلةً جديدةً في المواجهة في المنطقة تقول إنّ أميركا ليست قدراً ويمكن هزيمتها، ولطالما استطاعت المقاومة التصدّي للمشروع الأميركيّ وإفشاله.

لذا يمكن تحقيق الإنجازات وإنزال الهزيمة بالاحتلال الإسرائيليّ، فكان التّحرير الأوّل لقسمٍ من جنوب لبنان المحتلّ عام 1985 الذي عايشه الإمام الخميني(قد) الذي ألهب الرّوح الثّوريّة في الشّباب وبثّ الوعي والثّبات والإقدام في نفوسهم، فكان القائد الثّوري والمناضل الأممي أو الرّمز الثّوري المقاوم الذي وهب للمقاومين روح التّفاني والاندفاع نحو المضيّ في مسيرة التّحرير وترسيخ ثقافة انتصار الدّم على السّيف وهزيمة الجلّاد بالاعتماد على الله.

فعلى الرّغم من عدم تكافؤ القدرات في المواجهة وقلّة العدد تترجم المقاومة في لبنان أبجديّة الإمام المقاومة عمليّاً بانتصاراتها في حرب الأيّام السّبعة في يوليو 1993 وفي عناقيد الغضب عام 1996 وتكلّلت بانتصارات أدّت إلى اندحار العدوّ عام 2000 وإلحاق الهزيمة به في عدوان تموز 2006.

أمّا في فلسطين التي لم تكن تغيب عن عين الإمام بقدسها وبحرها وبرّها وشعبها المظلوم وأطفال الحجارة فيها وشهدائها وأسراها وجرحاها فكانت حاضرة حتى في وصيته الأخيرة للشّعب وقيادات الثّورة في إيران التي استطاعت أن تشكّل بدعمها لفصائل المقاومة الفلسطينيّة تحوّلاً نوعيّاً في مواجهة الاحتلال الإسرائيليّ حتى اليوم.

فإيران التي أسّست قوة القدس الذي أدرجته الولايات المتحدة على قائمة المنظّمات الإرهابيّة الأميركيّة عام 2007 مع قائده السّابق الجنرال الشّهيد قاسم سليماني، ويستمرّ اليوم بقيادة الجنرال إسماعيل قاآني ما زالت تحفظ وتعمل بوصية الإمام الخميني الخالدة تجاه فلسطين وشعبها حتى تحوّلت مسألة الصّراع مع العدوّ إلى معركة وجود لا معركة حدود.

هو ذاك الإمام الخميني (قد) الذي أطلق على الثّورة اسم ثورة المستضعفين في العالم مع دلالةٍ على عمق إنسانيّته ورؤيته الثّاقبة وإدراكه لحجم المواجهة مع الاستكبار العالمي والشيطان الأكبر المتمثّل بأميركا. تلك الإنسانيّة الثّوريّة التي أرساها الإمام الخميني (قد) لنصرة المظلومين والمستضعفين عامّة مهما اختلفت أديانهم ولغاتهم ومذاهبهم.

لم يؤثِر الإمام الخميني المسلمين على غيرهم من المظلومين، ولا الشّيعة على السنّة ولا المسلمين على المسيحيين، وما إرسال ناقلات النفط والوقود إلى فنزويلا في ظلّ الحصار المطبق عام 2020 إلّا تجسيداً لفكر الإمام الإنسانيّ، فبالرّغم من تهديدات الرّئيس الأميركي السّابق دونالد ترامب باستهداف الناقلات المتجهة إلى فنزويلا استطاعت إيران كسر الحصار عن كاراكاس متحدّية إدارة ترامب لإيصال النّفط.

ولا ننسى دور إيران أيضاً خلال العدوان الكوني على سوريا وقانون قيصر والعقوبات الأميركيّة المفروضة على لبنان أيضاً، والدّور الإيراني في كسر العقوبات وإيصال النّفط والدواء إلى لبنان، وما زالت إيران الثّورة حاضرة في كلّ السّاحات والميادين بفكرٍ فجّر ثورتها الإمام الخميني الذي يشهد له العديد من قيادات وشخصيّات العالم بعظمة ثورته وحكمة قيادته وعمق رؤيته.

هو الإمام الخميني الذي رأى فيه المطران هيلاريون كبوجي رحمه الله أباً للمستضعفين في العالم، وهو القائد الذي رآه نيلسون مانديلا فريداً من نوعه ومتميّزاً بقيادته ليس لإيران فحسب بل لكلّ حركات التّحرّر في العالم. وهو الذي قال فيه الصّحافي الكبير الرّاحل محمد حسنين هيكل إنّ الإمام الخميني هبةٌ ربانيّةٌ وسماويّةٌ لأهل الأرض.

هو ذا زمن الإمام الخميني (قد) الحاضر الأكبر رغم الغياب عند كلّ ثغرٍ من ثغور المقاومين وعلى أعتاب العواصم المحاصرة وفي ضمائر الشّرفاء والمستضعفين والمقاومين الذين يعيشون الانتصارات بتوقيت روح الله.

* المصدر: موقع الميادين نت