أمجد عبد الله*

ليس بجديد القول، إنه حيثُ يُوجد احتلال تجب المقاومة، على رغم اختلال موازين القوة الماديّة لمصلحة المعتدين.

أمام أيِّ احتلال، لا مجال للتراجع والمهادنة، بذريعة أنَّ الكَفَّ لا تُلاطم المخرز. والشعبُ الفلسطيني هو أكثر شعوبِ الأرض المحتلة، الذي يجب عليه الإيمان بأن الكفَّ تُلاطم المخرز ولن تعجز، كما أبدع الشاعر أحمد دحبور في توظيفه هذا المثل في حديثه عن أطفال فلسطين.

لكن، ما يؤسف له، أن أعواماً مهمة من الأعوام الخمسة والسبعين، هي عمر نكبة الشعب الفلسطيني، لغاية الآن، عرفت اختلالاً خطيراً في طريق التحرير، الذي أصبح له مشاريع مغايرة، ابتدعتها بعض قواه المؤثرة، بعد أن ضلت الطريق على رغم وضوح الهدف.

كان على تلك القوى، وخصوصاً مع اتّضاح الرؤية لطبيعة الاحتلال الإسرائيليِّ، الذي يمثل رأس حربة المشروع الاستعماري في المنطقة، أن تَثبُتَ في مسار التحرير الوحيد، المتمثل بالمقاومة، وخصوصاً أن المحتل الصهيوني يتباين عن غيره، في تبرير احتلاله عبر ادّعاءات باطلة، زعَم فيها أنَّ هذه الأرضَ لشعبٍ بلا أرض، لكنّها بدلاً من ذلك جعلت القضيّة الفلسطينية حقل تجارب. كانت البداية بتبني الكفاح المسلح والتحرير الكامل من البحر الى النهر، ووصلت إلى تهريج المرحلية التي أفضت إلى الدخول في دهاليز السياسة وما جرّته من ويلات، يُعَد اتّفاق أوسلو أسوأ كارثة في مخرجاتها، بعد أن ثبت لأصحابه قبل معارضيه، أنه وبال حلّ على الشعب والقضية.

أرض فلسطين، التي يدور على ثراها في العالم، اليوم، أشرس صراع بين احتلال وشعب مقاوم، حتى إنها أصبحت مؤشراً على معرفة المنحازين إلى الحق والمطبّلين للباطل، كما قال مظفر النواب: “إنّ بوصلة لا تشير إلى القدس فهي مشبوهة”، وكما قيل إنَّ فلسطين والقدس هما كاشفتا العورات، وهو شعار يغني كل باحث عن الحق معرفة أصحابه. هذه الأرض، وهذه القضية، لم تكن تستحق كل هذا التجريب، وكل هذا العناء للثبات على مشروع وحيد للعودة والتحرير.

الطامة تشتدّ، بالتذاكي في الخيارات، أمام عدو ليس كأي عدوّ، عدوّ واضح كالشمس، بمن يقف خلفه، وبأهدافه وأطماعه الإحلاليّة؛ عدوّ وصفه القرآن الكريم بما يكفي من خصائص: النبذ بالعهد، وتحريف الكلام عن مواضعه، والأشد عداوة للذين آمنوا، والتشتت الداخلي، الذي يؤكد أن هذا الكيان أوهن من بيت العنكبوت، وأنَّ النّصر ممكن وقريب، كي يعرف المتذاكون أن كل خياراتهم المطروحة، ساقطة، ولا تقوى على النهوض والتصدي لمشاريع الاحتلال الإجرامية.

من الجهل التّذاكي بشأن خيارات التحرير، والخيار الوحيد الذي يجب الإيمان به، والعمل من أجله، هو حتمية الزوال لهذا الكيان الغاصب، عبر الوعد الإلهي، الذي يتهاوى به، ما يسمى قضايا الحل النهائي والتعايش السلمي، لأنَّ الحل النهائيَّ لا يكون إلّا عبر التحرير الكامل، وزوال الاحتلال.

التّذاكي في الخيارات خطرٌ أدركه مبكّراً، الشهيد غسان كنفاني، فأطلق صرخته الشهيرة: إذا كُنّا مُدافعين فاشلين عن القضية، فالأجدر بنا أن نُغيّر المدافعين لا أن نُغير القضية. ولكم أن تتخيّلوا كم خسرت فلسطين وكم خسر الشعب الفلسطيني، أعواماً مِن عمره، من جرّاء الدفاع الفاشل عن قضيّته العادلة مِن جانب قادة فاشلين، ضلُّوا الطريق فأَضلُّوا كثيراً عن سواء سبيل التحرير والعودة!

مَن يَفهم قول الحقِّ تبارك وتعالى “ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكُمُ النار”، و”ودّ الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلةً واحدة”، ومَن يفهم المشروع الصهيوني الاستعماري، فسيترسّخ لديه أنَّ الحلول الترقيعية لن تُجدي نفعاً في استئصال الكيان السرطاني من جسد الأمة، وأن لا سبيل إلى مواجهته، سوى بالعودة إلى أدبيات الثورة الفلسطينية الأصيلة، وتبني نهج “خَلّي السلاح صاحي”.

هذا الفهم، تميّزت به حركة الجهاد الإسلامي، التي بَنَتْ ثوابتَها انطلاقاً مِن آيات القرآن الكريم وحقائق التاريخ والواقع، فأبقت سلاحَها صاحياً منذ النّشأة، وحين هلّت كارثة أوسلو، وإلى الآن، ودفعت في سبيل ذلك، تكاليف وأثماناً باهظة، لن يكون آخرها الدماء الزكيّة والطاهرة، والتي سالت في معركة “ثأر الأحرار”.

حركة الجهاد الإسلامي أدركت أنَّ تحرير فلسطين، سيكون وَفق حلول جذريّة، ورؤيةٍ استراتيجيّة، وأنَّ الحلول الجذريّة، لا مكان فيها في تجربة المجرّب، ولا عبر استجداء الشفقة مِن المؤسسات الأُمميّة باعتبارها الخصم والحكم، ولا تقبل التّذاكي والتّشاطر والفهلوة في عالمٍ ظالم ومنافق، لا يُقيم وزناً لحقوق المظلومين، ولا يَعترف إلا بجبروت المستبدين الظالمين.

حركة الجهاد الإسلامي، لها من اسمها نصيب، وُلدت عملاقة في الفكر الذي تترجمه الممارسة العمليّة، وإيمانها الوحيد من أجل تحقيق الانتصار، وانتظار الوعد الإلهي، هو ما اختصره الشاعر نزار قباني، بحيث يقول: “قصة السلام مسرحية.. والعدل مسرحية.. إلى فلسطين طريقٌ واحدٌ، يَمُرُّ مِن فُوَّهة بندقية”.

* المصدر: الميادين نت

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع