بقلم : سماح محمد*

(صحيفة “لوريون لوجور- lorientlejour” الناطقة بالغة الفرنسية , ترجمة : أسماء بجاش – سبأ)

يعيش اليمن منذ أواخر مارس من العام 2015م, حرباً ضروس ولدت أزمة إنسانية وصفت بأنها الأسوأ منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية , فهذه الحرب الأهلية كانت نتيجة لفشل عملية الانتقال السياسي التي تلت ثورة 2011م التي جابت المنطقة العربية.

وعلى الرغم من الخسائر الفادحة التي خلفتها الحرب والتي بلغت أكثر من 60 الف حالة وفاة منذ العام 2016م، وذلك وفقا للأرقام الصادرة في شهر ديسمبر الماضي عن منظمة “”ACLED غير الحكومية , ناهيك عن وجود الملايين من الناس الذين اصبحوا مهددين بالوقوع في شرك المجاعة , إلا أن  الصراع اليمني لا يزال يفتقر للتغطية الإعلامية.

ومع ذلك ، فمنذ نشر صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في أكتوبر من العام 2018م، صورة للفتاة اليمنية “أمل” والمصابة بسوء التغذية الحاد والتي توفيت بعد نشر صورتها بأيام قلائل ، ارتفعت الأصوات المنادية لوضع حد لهذه الحرب أكثر فأكثر.

قضايا استراتيجية

نجح الانقلاب الذي قادة التمرد الحوثي في أواخر سبتمبر من العام 2014م, بالإطاحة بالحكومة الانتقالية السياسية برئاسة “عبد ربه منصور هادي”.

ينتمي التمرد الحوثي إلى المذهب الشيعي الزيدي ، كما كانوا من بين الجماعات المتمردة التي خاضت غمار ثورة 2011 والتي أنهت نظام الرئيس “علي عبد الله صالح” الذي ظل متربعاً على عرش السلطة في البلد لما يقرب من 33 عاماً, فهذه الثورة المستوحاة من الربيع العربي أدت إلى انتقال سلمي بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية ومجلس التعاون الخليجي.

ومع ذلك ، فإن حكومة الرئيس “هادي” لم تكن قادرة على تشكيل وحدة وطنية مستندة على مشروع سياسي جديد , حيث تم رفض النموذج الفيدرالي لدولة التي تم اقترحها من قبل التمرد الحوثي الذين تحالفوا مع الرئيس السابق ” صالح” للاستيلاء على السلطة.

ففي فبراير من العام 2015م، بعد أن تم اجتياح المناطق الشمالية والسلطة المركزية في العاصمة صنعاء , بدء التمرد الحوثي في توجيه ناظريه صوب المناطق الجنوبية للبلد , ونظراً لذلك أدت مقاومة السكان الجنوبيين لتقدم الحوثي إلى اندلاع حرب أهلية.

ومن مدينة عدن الجنوبية ، حيث التجئ, دعا الرئيس “هادي” إلى ضرورة التدخل السعودي لكسر شوكة الحوثيين, وبالتالي كان اليمن في 26 مارس من العام 2015م, على موعد مع اعلان المملكة العربية السعودية تشكيل تحالف عسكري مكون من تسع دول عربية وإسلامية تحت مسمى “عاصفة الحزم”, فقد كان لهذه العملية العسكرية أهدافاً محددة , تكمن في إعادة تأسيس حكومة الرئيس “هادي” المعترف بها من قبل المجتمع الدولي في اليمن ومحاربة التمرد الحوثي المتهم بخدمة مصالح إيران في المنطقة.

ومن هنا تبنى السعوديون خطاباً شرعياً يستند إلى الدفاع عن السنة العربية ضد تهديد الشيعة الفارسية , ومع ذلك يختبئ وراء هذه السجلات الطائفية والعرقية قضايا جيواستراتيجية واقتصادية هامة.

ودون التقليل من شأن هذه الحرب إلى اعتبارها مجرد اشتباك أو مواجهات بسيطة بين إيران والمملكة العربية السعودية حول فرض الهيمنة في منطقة الشرق الأوسط ، فاليمن تحتل مكانة خاصة وهامة بسبب موقعها الجغرافي.

يسود التمرد الحوثي في مناطق اقصى الشمال بالتحديد في محافظة صعدة الحدودية مع المملكة العربية السعودية ، ولهذا تسعى الرياض من جانبها إلى ضمان أمنها القومي ضد الجماعة الشيعية المتحالفة مع طهران.

ترى الرياض وبعض حلفائها ضمن منظومة التحالف العربي : الإمارات العربية المتحدة , ومصر والأردن ، في تدخلهم في اليمن السماح في تأمين صادراتهم البحرية من خلال ضمان المرور الحر في منطقة مضيق باب المندب في خليج عدن وهذا يضمن مرور 35 إلى 40 ٪ من اجمالي التجارة البحرية العالمية.

وبالرغم من العرض القوي للوحدة الذي تُظهرها منظومة التحالف العربي ، إلا أن خطط المملكة العربية السعودية في اليمن لا تتطابق دائماً مع خطط حلفائها , فعلى سبيل المثال ، تتعارض مصالح دولة الإمارات العربية المتحدة ، الشريك الرئيسي في التحالف العربي مع راس حربة قوات التحالف الرياض ، حيث تدعم المملكة العربية السعودية جماعة الإخوان المسلمين في اليمن , كما اختارت ايضاً أن تغض الطرف عن محاربة تنظيم القاعدة الإرهابي المتواجد في البلد منذ العام 2009, أضف إلى ذلك،  معارضة صناع القرار السعودي لما يؤيده نظرائه الإماراتيون في  استقلال جنوب اليمن الذي أعلنته الحركة الجنوبية أحد العناصر الفاعلة المحلية الرئيسية في حيثيات الصراع.

وأما بالنسبة لإيران ، فبالإضافة إلى التنافس البحري حول السيطرة على نقاط العبور في المنطقة التي تمتد من مضيق هرمز في الخليج العربي – الفارسي إلى مضيق باب المندب ، ترى وجود تناغماً يناسبها مع الحركة الحوثية التي اصبحت جزء من استراتيجيتها لتشكيل تحالف شيعي.

ومع ذلك ، وعلى عكس الفكرة التي يسعى التحالف العربي إلى تأكيدها : لا تلعب إيران سوى دور ثانوي في الصراع اليمني , إذ يقتصر الدعم الذي توليه طهران للحركة الحوثية على المعدات الفنية وتقنية للصواريخ الباليستية وخبرتها من خلال الحرس الثوري الإسلامي وحزب الله اللبناني , وعلاوة على ذلك ، أدى تدخل الجهات الإقليمية الفاعلة في حرب في اليمن إلى تفاقم التوترات المحلية التي أدت إلى انتشار مختلف الفصائل المسلحة.

مأزق وجمود

بينما تؤكد القوى الغربية : الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا … باستمرار على ضرورة الحل السياسي للصراع اليمني ، إلا إن دعمها العسكري لدول التحالف العربي يشكك في إرادتها ومصداقيتها لوضع حد لهذا الصراع الدامي.

مع تدهور الوضع الإنساني الذي القى بشباكه على اليمن ، برزت مسألة مبيعات الأسلحة إلى دول التحالف العربي ايضاً في الأسابيع الأخيرة.

عارض الرئيس دونالد ترامب في 16 أبريل المنصرم قرار الكونجرس الأمريكي الذي يطالب بإنهاء الدعم العسكري للولايات المتحدة الأمريكية للمملكة العربية السعودية.

في الوقت نفسه ، كشفت وسائل إعلام ألمانية ودولية أن الأسلحة الألمانية والفرنسية المباعة للسعودية والإمارات العربية تستخدم في حرب اليمن.

وحتى الآن ، لم تختتم أي من المحادثات التي بدأتها الأمم المتحدة منذ عام 2014, فهذا المشهد المتنازع عليه جمع بين العناصر الفاعلة المحلية والديناميات الإقليمية والغربية ، ناهيك عن تعقيده لعملية التهدئة , وحتى الآن ، لم تسفر أي من محادثات السلام التي تشرف عليها الأمم المتحدة منذ عام 2014 ، عن أي نتائج ملموسة…. حيث لم يتم تنفيذ أخر اتفاقية لسلام والتي عقدت في ستوكهولم في حين أن التوقيع عليها بين أطراف الصراع يعود إلى ديسمبر الماضي.

ومع دخول الحرب في اليمن عامها الخامس ، من المحتمل أن يؤدي هذا الجمود السياسي والعسكري إلى إطالة أمد الصراع لسنوات عديدة أخرى.

*سماح محمد, مؤرخ وباحث مشارك في معهد البحوث والدراسات حول العالمين العربي والإسلامي “إيكس إن بروفنس” ومركز الدراسات التركية والعثمانية والبلقانية وآسيا الوسطى “باريس”.