بقلم:  جوناثان فينتون-هارفي*

(صحيفة “در فرايتاج” الألمانية، نقلاً عن موقع “لوبلوج” الأميركي التابع لمعهد الدراسات السياسية بواشنطن، ترجمة: نشوى الرازحي-سبأ)

لا تُستخدم الأسلحة الأمريكية والبريطانية في المناطق المدنية اليمنية فحسب، بل إن الدعم العسكري الغربي والموافقة على الحرب التي تقودها المملكة العربية السعودية على اليمن تُلحق أضراراً بجهود السلام الهشة فعلاً بين جماعة الحوثيين وحكومة عبدربه منصور هادي المدعومة من السعودية والمعترف بها من الأمم المتحدة.

إن الدعم غير المشروط تقريباً من جانب كل من الإدارتين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة للتحالف الذي تقوده السعودية يزيد من عدم الثقة لدى جماعة الحوثيين ويزيد من حدة التوتر بين الأطراف المتحاربة.

كانت الأمم المتحدة قد وصفت في وقت سابق الأزمة الإنسانية في اليمن بأنها “الأسوأ في العالم”، كما أعلنت مؤخراً أن عدد القتلى قد يتجاوز 230.000 بحلول أواخر العام 2019. إن الوضع، وفقاً للأمم المتحدة في اليمن قد بات على شفا “أسوأ مجاعة في العالم حدثت منذ 100 عام”. ولذا أصبح من الواضح أن هناك حاجة مُلحة لإنهاء الصراع، الذي دمر بلد فقير بالفعل.

ومع ذلك، فإن استخدام الرئيس دونالد ترامب حق النقض (الفيتو) ضد قرار الكونغرس المستند على قانون صلاحيات الحرب لإنهاء الدعم العسكري الأمريكي للمملكة العربية السعودية يدل على أن البيت الأبيض يهتم أكثر بالعلاقات التجارية السعودية وبضعة آلاف من الوظائف الأمريكية مقابل حياة ملايين اليمنيين.

كما كرر وزير الخارجية مايك بومبيو التأكيد على الدعم العسكري للسعودية باعتباره “في مصلحة أمريكا”، بالإضافة إلى إلقاء اللوم على إيران في الحرب – على الرغم من دور طهران المحدود إلى حد ما في دعم الحوثيين. الإدارة الأمريكية الحالية، كما تشير هذه التصرفات، ليست شريك سلام محايد وجاد لليمن.

وقد التقى وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت مع نظيريه السعودي والإماراتي في لندن يوم 27 أبريل لإجراء المزيد من محادثات السلام. و رغم أن هانت قال إنه يعارض الحل العسكري، إلا أنه فشل في معالجة دور التحالف والحكومة اليمنية المدعومة من السعودية. وفي الوقت نفسه، انتقد الحوثيين بسبب أفعالهم. كما ركزت المملكة المتحدة عند صياغة قرارات الأمم المتحدة في الغالب على إدانة دور إيران المزعوم في اليمن.

وعلى الرغم من أن هنت كان نشطاً في التواصل مع مختلف الأحزاب الإقليمية، بما في ذلك جماعة الحوثيين، إلا أن جهوده لن تكون مثمرة دون معالجة أعمال التحالف بشكل مناسب.

وقد أشارت الأمم المتحدة أن المملكة السعودية هي المسؤولة عن معظم الوفيات بين المدنيين. كما أن جماعات حقوق الإنسان مثل هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، ولجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة تتهم التحالف باقتراف جرائم الحرب.

ناهيك عن كل من الرياض وأبو ظبي قد أظهرتا أنهما ملتزمتان بحل عسكري ضد الحوثيين. وبتجاهل هذه الحقيقة الواضحة، تظهر الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تحيزاً واضحاً في الصراع. وهذا التحيز يسبب المزيد من الاستقطاب في الصراع وعلى إثره تكون جهود السلام هشة بالفعل.

سيكون من الصعب التفاوض مع الحوثيين، الذين تحركهم  المشاعر المعادية للولايات المتحدة وعدم الثقة في عملية السلام، بعد أن أشار ترامب إلى استمرار تورط الولايات المتحدة في الحرب. كما أن القتال اشتد، مع مزيد من الانتهاك لوقف إطلاق النار في الحديدة وفي مناطق أخرى من اليمن.

وهدد الحوثيون بإطلاق صواريخ على الرياض وأبو ظبي. وعلى الرغم من إنها ما تزال مجرد تهديدات، إلا أنها توضح مدى حدة التوتر. لقد أدت المشاركة الأمريكية في الماضي والحاضر في المنطقة إلى تطرف الحوثيين جزئياً.

وقد تبنت الجماعة موقفا معاديا للولايات المتحدة إلى حد كبير في عام 2003 في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق.

كانت أحد دوافعهم في العمليات القتالية ضد الرئيس السابق علي عبد الله صالح في سلسلة من ست حروب استمرت من العام  2004 إلى 2010 علاقته بالولايات المتحدة والسعودية، وهي الدولة الأكثر صداقةً للولايات المتحدة.

ذكر الصحفي اليمني ناصح شاكر أن الحوثيين أطلقوا حملة على الجدران في العاصمة صنعاء التي تقع تحت سيطرتهم، تحمل عبارة “الولايات المتحدة تقتل الشعب اليمني”. يقول شاكر أيضاً أن الانحياز الأمريكي الواضح تجاه السعودية يقلل من الثقة في أن تكون محادثات السلام حقيقية.

إن هذه السياسة الغربية المستمرة المتمثلة في تمكين التحالف الذي تقوده السعودية من الإفلات من العقاب، مع إلقاء اللوم على الحوثيين وإيران في الصراع لن تؤدي إلا إلى إطالة أمد التوترات وجعل السلام بعيداً.

إن نبذ الحوثيين ببساطة كعميل إيراني يدل على سوء فهم عميق للمظالم التي لم تحل من الجماعة الشيعية الزيدية ودوافعها للتوسع. ومثل هذا الفِهم يجعل التفاوض على هدنة معهم أمراً صعباً.

نمت آمال السلام بعد تصويت مجلس الشيوخ في نوفمبر 2018 لإنهاء الدعم العسكري الأمريكي للسعودية.

وخوفاً من أن تسقط دعامة الدعم المالي الرئيسية بعد هذه الأخبار، تم دفع حكومة هادي المدعومة من السعودية إلى محادثات السلام.

وفي الوقت نفسه، من المرجح أن يكون تصويت مجلس الشيوخ قد أثار توقعات الحوثيين بإجراء محادثات سلام عادلة – الأمر الذي سحقه حق النقض لترامب.

لو كانت الولايات المتحدة وبريطانيا قد تعاملتا بنزاهة على الأقل مع الانتهاكات السعودية والإماراتية، أو حتى قلصتا دعمهما العسكري الواسع للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فإن كان من شأنه أن يبني الثقة بين الجماعات اليمنية المتحاربة.

طريق اليمن نحو السلام ليس واضحاً، وهناك حاجة إلى التفكير في ديناميكيات أخرى قد تكون متمثلة في عملية طويلة الأمد.

ومع ذلك، يتعين على الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إعادة تقييم دعمهما للتحالف السعودي بشكل كبير من أجل المساعدة الحقيقية في تقليص التوترات و كذلك تقليص استمرار المعاناة اليمنية.

ـــــــــــــ

*جوناثان فنتون-هارفي هو صحفي وباحث متنقل يركز على النزاعات والعلاقات الدولية والقضايا الإنسانية داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وقد ركز بشكل خاص على الصراع اليمني والسياسة الخارجية الإقليمية لمجلس التعاون الخليجي والليبي. درس أيضاً دراسات التاريخ والشرق الأوسط بجامعة إكستر بالمملكة المتحدة.