الأمم المتحدة وضرورة التعاون لإنقاذ سوريا.. ماذا عن بعض الدول؟
السياسية :
مؤخراً، اجتمع مجلس الأمن الدوليّ لبحث الأوضاع في سوريا، وقال المبعوث الأممي الخاص غير بيدرسن لمجلس الأمن إن تجدد الاهتمام الدبلوماسي بسوريا ومعاناة شعبها في أعقاب الزلزال المميت الأخير، يخلق التزامات وفرصًا جديدة لإرساء سلام دائم، حيث تعرضت سوريا التي مزقتها الحرب وتركيا المجاورة لزلزالين مزدوجين في 6 فبراير، ما أسفر عن مقتل أكثر من 56000 شخصاً وتسبب في دمار واسع النطاق، وتشريد الملايين، فيما صدرت اتهامات من دمشق لبعض الدول في تلك القضة إضافة إلى مساندة دول مهمة ومؤثرة كالصين وروسيا في المجلس بما يخص الأزمة الإنسانيّة والعقوبات الغربية الخانقة.
ضرورة التعاون الأممي
“الوضع اليوم غير مسبوق لدرجة أنه يستدعي القيادة والأفكار الجريئة وروح التعاون”، عبارة جاءت على لسان بيدرسن، مضيفاً “إنّ الحل السياسي هو السبيل الوحيد للتقدم لسوريا، وقد لا نتمكن من الوصول إلى ذلك في خطوة واحدة لكنني أعتقد أنه يمكننا التقدم نحو ذلك تدريجياً “، حيث تركّز الأمم المتحدة على ضرورة مواصلة توفير الموارد لدعم الاستجابة للزلزال والعمليات الإنسانية الجارية المتعلقة بالحرب، التي دخلت هذا الشهر عامها الثاني عشر، ويحدد قرار مجلس الأمن 2254، الذي تم تبنيه في ديسمبر 2015، خارطة طريق لوقف إطلاق النار والحل السياسي للصراع.
من ناحية أخرى، شدد المبعوث الأممي على ضرورة استمرار الهدوء على الأرض وخاصة في المناطق المتضررة من الزلزال، قائلاً: “في الأسبوع الذي تلا الزلازل، ظهرت بوادر مثل هذا الهدوء، مع هدوء نسبي في أعمال العنف في معظم الأوساط، وللحظات وجيزة، أصبح ما لا يمكن تصوره حقيقة، وبات كل طرف من خط المواجهة يمتنع إلى حد كبير عن الأعمال العدائية، ومنذ ذلك الحين، شهدنا ارتفاعًا زاحفًا في الحوادث “، وإنّ أكثر ما يقلق الأمم المتحدة –حسب قولهم- المدنيون وخطر التصعيد، ولا سيما في المناطق المتضررة من الزلزال في شمال غرب سوريا، وهي آخر معقل للمعارضة.
وترى الأمم المتحدة أنّه بالطريقة نفسها التي رأينا بها تحركات من جهات مختلفة في المجال الإنساني ، يمكن ويجب تطبيق هذا المنطق لمعالجة إعادة التأهيل بعد الزلزال والتحديات السياسية الأوسع نطاقاً، فقبل الزلزال، كانت القوافل الإنسانية تنقل المساعدات إلى شمال غرب سوريا عبر معبر حدودي واحد مع تركيا، وأعيد فتح نقطتي عبور إضافيتين في وقت لاحق، ما يعني أنّ الأطراف المختلفة يمكن أن تتخذ خطوات بناءة، والدليل قول بيدرسون: “أشعر من خلال جميع المناقشات التي أجريتها، أن هناك فرصة للمضي قدمًا بتحركات إضافية من جميع الأطراف خارج حالة الطوارئ العاجلة”.
وإنّ من أبرز النقاط التي شدّد عليها المبعوث الأمميّ هو الانخراط مع جميع الأطراف للمضي قدماً في هذه القضية، حيث دعا بيدرسن إلى التواصل مع الأطراف السورية حول كيفية خلق بيئة مواتية لإعادة التأهيل بعد الزلزال، وستكون المشاركة مع “الجهات الخارجية” مطلوبة أيضًا لتحديد كيفية توفير موارد محسنة وإزالة العوائق، بما في ذلك تلك المتعلقة بالعقوبات، وذكر بعض القضايا التي سيتعين مناقشتها، مثل الأمن، وحماية المدنيين، والخدمات الأساسية، والبنية التحتية للطاقة، وسبل العيش، والأراضي المخصصة للإسكان؛ ولكن أيضًا التجنيد أو الاحتجاز، الذي قال إنه أمر حيوي بالنسبة للسوريين، بمن فيهم اللاجئون والمشردون داخليًا.
كذلك، ركّز بيدرسون على أنّ التعاون أمر بالغ الأهمية لإيجاد طريق للمضي قدماً، معتبراً أنّ الحكومة السورية والمعارضة السورية، واللاعبون الغربيون، واللاعبون العرب، ولاعبو الأستانة، والأطراف المعنية الأخرى، لا أحد يستطيع بمفرده دفع هذه العملية إلى الأمام، ولكن إذا كان الجميع مستعدين لوضع نقاط عملية على الطاولة، وإذا قام اللاعبون بالتنسيق والعمل معًا، فالأمم المتحدة مقتنعة أكثر من أي وقت مضى أنه من الممكن والضروري المضي قدمًا، خطوة بخطوة.
معاناة في ظل العقوبات
في الجلسة نفسها، استمع المجلس إلى آخر المستجدات بشأن الاستجابة للزلزال من القائم بأعمال مدير مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا)، الذي قال: “لا يمكننا إغفال حقيقة أن هذه المأساة الهائلة أصابت ملايين الأشخاص في سوريا الذين يعانون بالفعل من الفقر والنزوح والحرمان على مدى 12 عامًا من الصراع”، حيث تواصل الفرق إزالة الأنقاض من الزلزال، الذي تسبب في خسائر تقدر بنحو 5.2 مليارات دولار، وفقًا للبنك الدولي، على الرغم من أن المبلغ الفعلي من المرجح أن يكون أعلى من ذلك بكثير.
ويتم الحديث عن أن الاحتياجات تتزايد، في مجالات مثل المأوى، والعودة، ولم شمل الأسرة، وخدمات الحماية، وخاصة للنساء والفتيات، وسيتعين أيضًا رصد تفشي الكوليرا المستمر وحالات الطوارئ الصحية العامة الأخرى، رغم حديث المنظمة الدولية عن أهمية دور دعم المانحين في المؤتمر الدولي الذي عقد هذا الأسبوع في بروكسل، والذي جمع سبعة مليارات يورو لسوريا وتركيا، إلا أنه من الضروري استمرار الدعم الدولي، فقد تم تمويل خطة الاستجابة الإنسانية لسوريا التي تبلغ تكلفتها 4.8 مليارات دولار هذا العام – وهي الأكبر في جميع أنحاء العالم – بنسبة 6 في المئة فقط.
وعلى هذا الأساس، طالبت الصين برفع العقوبات الغربية عن سوريا للحيلولة دون وقوع كارثة إنسانية في هذا البلد، وقال نائب المندوب الصيني الدائم لدى الأمم المتحدة، في اجتماع مجلس الأمن بشأن سوريا، إن الدول الغربية علقت مؤقتًا جزءًا من عقوباتها ضد سوريا بعد الزلزال المدمر، لكن هذه الإجراءات المؤقتة لا يمكن أن تغطي الضرر الممنهج للعقوبات طويلة المدى، ونتيجة لذلك، يتعين على الدول المعنية أن تلغي فوراً ودون قيد أو شرط جميع العقوبات غير القانونية أحادية الجانب، ووقف الوضع المأساوي بعد هذه الكارثة الإنسانية.
أيضاً، أعربت بكين عن قلقها إزاء الهجوم الإسرائيلي على مطار حلب وشددت على ضرورة عدم تكراره وضرورة احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها، حيث إن المطار يمثل بنية تحتية عمرانية مهمة والمحور الرئيسي لنقل المساعدات الإنسانية، ويجب ضمان تشغيله بشكل آمن، مطالبة القوات الأجنبية الموجودة بشكل غير قانوني في سوريا بإنهاء وجودها غير الشرعي في سوريا والتوقف عن نهب الموارد الطبيعية للبلاد، ودعم مكافحة الإرهاب، وقد أعلنت الصين دعمها لاستئناف اجتماعات لجنة مراجعة الدستور في أقرب وقت ممكن، مرحبة بالتطورات السياسية والتقارب بين سوريا والدول العربية.
من جهة ثانية، أوضحت روسيا أن العقوبات الغربية تمنع إرسال معدات لإعادة إعمار المناطق المنكوبة بالزلزال في سوريا، وذكرت مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة أن العقوبات الغربية تمنع إرسال مركبات البناء الثقيلة إلى سوريا، وهي ضرورية لإزالة أنقاض الزلزال، قائلة: “مشاكل سوريا المصرفية مستمرة، الشركات الأجنبية لا تمتثل لمطالب الأمم المتحدة، نطلب من الأمم المتحدة عدم تغطية أفعال أمريكا وبروكسل، وهذ ما أكّدت عليه المقررة الخاصة للأمم المتحدة بقولها: “إن العزلة الاقتصادية والمالية الكاملة الناجمة عن العقوبات الغربية أضعفت قدرة سوريا على الاستجابة لاحتياجات شعبها”.
ومن جهة الحكومة السورية، شنّ ممثل سوريا هجوماً على أمريكا وفرنسا وألمانيا، معتبراً أنّ تلك الدول تشوه الحقائق من أجل التنصل من مسؤوليتها تجاه إراقة دماء الشعب السوري، ووفقاً لوسائل إعلام محليّة أشار بسام صباغ المندوب الدائم لسوريا لدى الأمم المتحدة، إلى أن السياسات التدميرية للدول الدائمة العضوية في الأمم المتحدة حالت دون التفاعل بشكل جدي ومسؤولية مع مئات الرسائل المتعلقة بمشاكل سوريا، المشاكل التي تشمل العدوان والانتهاك لوحدة أراضي هذا البلد وأمنه وتدخل واضح في شؤونه الداخلية.
“أمريكا وفرنسا وإنجلترا وألمانيا مستمرة في تشويه الحقائق والديماغوجية من أجل تجنب عبء مسؤوليتهم تجاه إراقة دماء الشعب السوري وإلحاق الأذى بهم ومعاناتهم، ودعم الإرهاب وفرض العقوبات والاجراءات الجائرة بحق ابناء هذا البلد”، هذا ما أكده الصباغ في اجتماع مجلس الأمن، موضحاً أنّ سوريا بعثت مئات الرسائل إلى مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة خلال الـ 12 عامًا الماضية مرارًا وتكرارًا بشأن الاعتداء على السيادة، والأمن والتدخل الواضح في الشؤون الداخلية، ولكن لم يكن هناك تفاعل جاد ومسؤول مع هذه الرسائل والبيانات، وذلك بسبب السياسات التخريبية التي انتهجتها الدول الثلاث الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، بسبب سياسات العقاب الجماعي والإصرار على حرمان الشعب من ثروتهم الوطنية.
المصدر : موقع الوقت التحليلي
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع