السياسية:
د. علي دربج*

 

تصدرت أزمة الديون الأمريكية اهتمامات المسؤولين والمشرّعين والخبراء في الولايات المتحدة، وتقدمت على جميع الملفات الداخلية والخارجية حتى، وتحولت الى مصدر قلق كبير لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، في ظل تحذيرات من المخاطرة بعجز كارثي بين يوليو وسبتمبر المقبلين في حال لم يتم رفع حد ديون البلاد في اللحظة المناسبة، بحسب توقعات صدرت في 15 فبراير الجاري، عن مكتب الميزانية في الكونغرس.

ما توقعات الجهات المالية في الكونغرس حول ديون أمريكا؟

في الوقت الذي تبسط واشنطن كفيها لأوكرانيا، وتمنحها بسخاء كبير عطاياها المالية من وقت لآخر لدعم المجهود الحربي لهذا البلد، قدّم كبير مراقبي الميزانية في الكابيتول هيل تقييما قاتما حول الصحة المالية للبلاد، حيث قدّر أن الحكومة يمكن أن تضيف ما يقرب من 19 تريليون دولار من الديون الجديدة على مدى العقد المقبل إذا بقيت الأمور على مسارها الحالي.

استند تقييم هذا المراقب، الى تقديرات مكتب الموازنة في الكونغرس في 15 فبراير ـــ ولمراجعة قاسية للميزانية الفيدرالية ـــ والتي كشفت بمجملها عن تحديات صعبة وطويلة الأجل سيواجهها المشرعون لمعالجة الشؤون المالية للبلاد. إذ من المتوقع أن يصل العجز هذا العام ــ وهو عدم التوازن السنوي بين ما تنفقه الحكومة وما تتلقاه من إيرادات ــ إلى 1.4 تريليون دولار، ومتوسط 2 تريليون دولار، إضافي كل عام بعد ذلك حتى عام 2032، وفقًا لتوقعاتها.

الأكثر أهمية أنه في السنوات المقبلة، من المتوقع أن يتسع العجز إلى حد كبير ليصل إلى 18.8 تريليون دولار بحلول نهاية العقد، أو ما يقرب من 3 تريليونات دولار أكثر مما توقعه مكتب الموازنة في تقريره في الربيع الماضي. وهذا بدوره يعني أن مجموع إجمالي الالتزامات المستحقة للبلاد – المبلغ الخاضع لقانون سقف الديون – يمكن أن يصل إلى 52 تريليون دولار في عام 2033، وفقًا لمكتب الموازنة في الكونغرس.

ليس هذا فحسب، يواجه الكونغرس تحديًا أكثر إلحاحًا، ويتمثل بسقف الديون، كونه يحدّ من المبلغ الذي يمكن للحكومة اقتراضه لدفع فواتيرها. ومن هنا، قد يكون أمام المشرعين الأمريكيين، ما لا يقل عن خمسة أشهر لرفع أو تعليق الحد الأقصى للديون، وهو ما رفض الجمهوريون القيام به ما لم يتمكنوا أولًا من تأمين تخفيضات حادة في الإنفاق. لكن مطلبهم هذا قوبل برفض قاطع من قبل الرئيس بايدن، خوفًا من عواقب سياسة قد تدفع أمريكا إلى حافة الهاوية المالية.

من المسؤول عن حجم الديون؟

صبّت الأرقام الجديدة أعلاه الزيت على نار النقاش الحاد المشتعل في واشنطن، إذ يحمّل الأمريكيون كِلا الحزبين المسؤولية عن ديون أمتهم التي تتجاوز 31 تريليون دولار، ومع ذلك سعى قادة الحزب الجمهوري إلى تصوير الخلل بأنه نتيجة لسيطرة الديمقراطيين على واشنطن لمدة عامين.

علاوة على ذلك، عكست الصورة المالية السيئة الارتفاع الأخير في الإنفاق الفيدرالي، خاصة بعد أن وافق المشرّعون من الحزبين على أموال جديدة لرعاية المحاربين القدامى وتعزيز الجيش، فضلاً عن المشاكل المستمرة المتمثلة في ارتفاع معدلات التضخم وزيادة أسعار الفائدة، وبهذا جعلت القوى الاقتصادية مجتمعة الإنفاق والاقتراض أكثر تكلفة بالنسبة للحكومة، مثلما فعلت مع ملايين العائلات في جميع أنحاء البلاد على ذمة الخبراء.

وبناء على ذلك، من المتوقع أيضًا أن تتسبب هذه العوامل مجتمعة، في مزيد من التراجع على مستوى الاقتصاد الأمريكي، استنادًا لمكتب الموازنة في الكونغرس، الأمر الذي سيؤدي إلى “توقف” النمو في الناتج المحلي الإجمالي هذا العام (المعدل حسب التضخم). وتعليقًا على ذلك، قال مارك جولدوين نائب الرئيس الأول في لجنة الموازنة الفيدرالية المسؤولة التي تدعو إلى خفض العجز: “وضعنا المالي الذي كنا نعلم بالفعل أنه سيئ قد تدهور بشكل كبير”.

ماذا عن موقف الحكومة الأمريكية؟

إزاء هذه المعطيات حذّرت إدارة بايدن من أنه إذا لم يتحرك المشرعون، فقد تكون التداعيات واسعة وشديدة، مما يرسل موجات صدمة عبر الاقتصاد العالمي، يحتمل أن تدفع معها الولايات المتحدة إلى الركود.

أما مرد ذلك فيعود الى أن المأزق السياسي أصبح أكثر حراجة منذ يناير الماضي، بعدما وصلت الولايات المتحدة رسميًا إلى سقف الديون، الأمر الذي أجبر وزارة الخزانة على البدء في اتخاذ ما تسميه “إجراءات استثنائية” لنقل الأموال بدلاً من اقتراض المزيد منها، فيما الهدف هو دفع مستحقات الإنفاق التي وافق عليها الكونغرس بالفعل.

وعلى المنوال ذاته، دقّت وزيرة الخزانة جانيت إل يلين، ناقوس الخطر، ونبهت من أن التحركات المحاسبية قد تمنح المشرعين حتى أوائل يونيو، لرفع أو تعليق سقف الاقتراض في البلاد.

أما الإنذار الأخطر، فقد جاء من مكتب الميزانية الذي كشف أن تراجع الإيرادات يمكن أن يسرع الانهيار المالي، مما يعني أن وزارة الخزانة قد تنفد من الأموال قبل يوليو المقبل.

بالمقابل، يصرّ الجمهوريون على رؤيتهم المتمثلة بتركيز تخفيضاتهم على البرامج والوكالات المحلية، بما في ذلك تلك التي تتناول الصحة والعمل والتعليم، في حين تقترح خطة بايدن (ومعه الديمقراطيون) لخفض الديون، زيادات ضريبية تستهدف الشركات الكبيرة والأثرياء، مما سيساهم بحسب قوله في “خفض العجز بمقدار 2 تريليون دولار على مدى 10 سنوات”.

في الختام، وأمام هذه المواجهة المستعرة بين الطرفين، دخل الخبراء داخل الولايات المتحدة على الخط، لتجنب الكارثة، عبر إقناع إدارة بايدن بمحاولة إنهاء المواجهة مع الجمهوريون من جانب واحد، لشعورهم بالقلق من أن الإجراءات الأحادية التي تصر إدارة بايدن على اتخاذها، يمكن أن تأتي بنتائج عكسية بشكل أكبر من خلال تقويض قيمة الدولار الأمريكي، وهو ما قد يؤدي إلى إصابة الأسواق المالية العالمية بالذعر. لكن حتى الساعة الأمور على حالها، وكل طرف يتشبث بموقفه، فيما أمريكا ستكون المتضرر الأول والأخير بالنهاية.

* المصدر: العهد الاخباري

* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع