السياسية:

يروي الكتاب سبعة فصول من الأعمال المفيدة عبارة عن شهادات وكتابات ومحاضرات تخللها مناقشات وحصاد ندوات خصصت للحديث عن التقسيم البريطاني لليمن بين الأمس واليوم.. إلى جانب وثائق وتقارير سرية بريطانية وردت قبل 100 عام تهدف إلى تقسيم اليمن، ومطامع احتلالية تدل على نوايا المستعمر البريطاني وشقيقاته الدول الأوروبية في السيطرة على اليمن والمنطقة على حد سواء .

محتويات الكتاب – الصادر في أكتوبر – 2020م الطبعة الأولى – تضمنت عناوين عدة تستحق جميعها أن نقف أمامها بكل وعي ومسؤولية للاطلاع على حقيقة المخططات التآمرية على اليمن منذ مطلع القرن العشرين وقبل ذلك بكثير. وعلى كل حال – فقد خُير لنا أن نختار من موضوعات الكتاب ما نبدأ به اقتباسا مما تحدث به المؤلف في كتابه عن مشاريع التقسيم وأطماع الغزاة تجاه اليمن، وما تعرضت له منذ ما قبل الميلاد لحملات الغزاة والاحتلال ، إضافة إلى مخطط تقسيم اليمن المشار إليه في الفصل الثاني.

أولاً تقسيم اليمن في عقلية الغزاة:
يقول المؤلف والباحث عبدالله بن عامر: تعرض اليمن لحملات الغزو والاحتلال منذ ما قبل الميلاد لأسباب مختلفة أبرزها موقعه الاستراتيجي المطل على بحرين وخليج ومضيق وفي منطقة تعتبر هي همزة الوصل بين المشرق والمغرب إضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بالثروة اليمنية من الزراعة واللبان والبخور قبل الميلاد إلى عائدات الموانئ والتجارة وكذلك الزراعة في عهد ما بعد الإسلام وخلال كل مرحلة غزو نجد أن الغزاة يعملون على بسط سيطرتهم على كل اليمن إلا أنهم يفشلون في تحقيق ذلك نتيجة مقاومة اليمنيين ولهذا نجد أن الصراع لا يتوقف فالغازي لا يستقر في اليمن مهما طالت مراحل محاولاته إخضاع اليمن ومع استمرار المقاومة نجد أن الغازي يحاول تثبيت سيطرته على ما تمكن من الوصول إليه من أراضي ومناطق محاولاً فصل تلك المناطق عن بقية الجسد اليمني بعد أن عجز عن ضم واحتلال ما تبقى.

بعد أن أخفق الرومان في احتلال اليمن والسيطرة عليه بحملتهم العسكرية في 24ـ 25ق.م حاولوا مجدداُ احتلال عدن بحملة عسكرية في القرن الأول الميلادي ثم الوصول إلى سقطرى ومن ثم تأسس تحالف روماني أكسومي كان من ضمن أهدافه انهاء الاحتكار اليمني للتجارة عبر الطرق البحرية والبرية فأتجهت أكسوم إلى ارسال جيوشها نحو الساحل الغربي لليمن وبفعل الخلافات بين اليمنيين بتلك الفترة تمكنت الجيوش الحبشية من السيطرة على الساحل الغربي والتمدد من باب المندب حتى جيزان ومن ثم الوصول إلى الساحل الجنوبي بعد فشل محاولات التوغل إلى المناطق الداخلية نتيجة المقاومة الشرسة ومع ذلك ظل الاحباش يحاولون الوصول إلى المناطق الداخلية وبالفعل وصل الاحتلال في بعض المراحل إلى نجران وفي فترات لاحقة حاول التمدد نحو المناطق الداخلية فلم يأتِ القرن الثاني الميلاد إلا وكانت قوات اكسوم قد أنشأت لها معسكرات وتجمعات تصل إلى ينبع شمالاً وقد حاولت أكسوم ومن خلفها الإمبراطورية البيزنطية أن تثبت سيطرتها على الساحل الغربي مدعية أن تلك المناطق تابعة لها ولهذا بدأ جنودها في الاستقرار مع التواجد في بعض الجزر واستمر الاحتلال الاكسومي لمنطقة الساحل الغربي لأكثر من ثلاثة قرون “من القرن الأول حتى منتصف القرن الرابع ” حتى تمكن اليمنيون من تحرير الساحل الغربي بعد الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي تكبدوها جراء عزلهم عن البحر .

كانت منطقة الساحل الغربي هي المنطقة التي يتمكن فيها الغزاة من تحقيق أهدافهم بالسيطرة عليها إلا أن تلك السيطرة لا تستمر طويلاً إذ سرعان ما تتصاعد المقاومة اليمنية حتى تتمكن تحرير تلك المناطق ولهذا لا غرابة أن نجد ان المقاومة اليمنية للاحتلال الأكسومي للساحل الغربي استمرت عقود بأكملها لدرجة أن هناك عدد من الملوك اليمنيين قادوا تلك المقاومة حتى تمكن شمر يهرعش من تحقيق الانتصار النهائي بل والوصول بجيشه إلى الضفة الأخرى للبحر الأحمر وإذا انتقلنا إلى مرحلة أخرى فسنجد أن الغزاة يحاولون اخضاع كل اليمن ثم يعملون على تثبيت سيطرتهم على مناطق بعينها والتخلي عن المناطق الأكثر رفضاً لهم تجنباً للمزيد من الخسائر في صفوفهم ,ففي القرن الحادي عشر ميلادي قرر الايوبيون اخضاع اليمن والسيطرة عليه مستفيدين من الصراعات بين مختلف المكونات اليمنية ومع وصول الحملات الايوبية إلى الساحل الغربي للبلاد حتى واجهها اليمنيون بإمكانياتهم الذاتية بتلك الفترة وليس صحيحاً أن المقاومة اليمنية اقتصرت على المناطق الشمالية فقط فقد كان هناك مقاومة في زبيد وكذلك في جبل صبر بتعز وفي عدن وفي مختلف المناطق لاسيما ذمار وصنعاء وكافة الجهات الشمالية لليمن ولهذا نجد أن الحاكم الأيوبي توران شاه اختار منطقة تعز ليؤسس هناك عاصمتهم في اليمن لأسباب عدة منها عدم استقرار الحكم الأيوبي في اليمن لاسيما في المناطق الشمالية ولهذا حاول الايوبيون اخضاع مناطق تعز أو ما يعرف بالركن الجنوبي الغربي لليمن من زبيد إلى تعز ومنها إلى عدن وبذلك يكونوا قد سيطروا على عائدات موانئ اليمن وكان صلاح الدين قد قال ” إن اليمن بلد مبارك وهي كثيرة الأموال ومملكته واسعة ” وحينها انتشر فساد الولاة الايوبيين وتسابقهم على جني الأموال الطائلة من عائدات زبيد وعدن على وجه التحديد ولقمع الثورات اليمنية كان الايوبيون يرسلون المزيد من الحملات في تأكيد واضح على أنهم غير مستعدين لخسارة العائدات الكبيرة للموانئ اليمنية ولهذا ركزوا على السواحل والموانئ ثم حاولوا اخضاع مناطق أخرى كحضرموت الا انهم فشلوا في ذلك تماما كما فشلوا في مد سيطرتهم إلى صعدة وحجة وعمران حيث واجهوا بكافة المناطق الشمالية حرب استنزاف استمرت عدة سنوات وكذلك ثورات أمتدت إلى مناطق برع وريمة ووصاب ولهذا تولدت لديهم القناعة بضرورة البقاء في السواحل مع التمدد إلى منطقة تعز وترك بقية المناطق تحت سيطرة اليمنيين .

وفي القرن السادس عشر واجه الأتراك العثمانيين خلال فترتهم الأولى باليمن مقاومة شرسة من مختلف المناطق اليمنية لا سيما المناطق الشمالية التي لم يتمكن الاتراك من السيطرة عليها واخضاعها , ومع تزايد الخسائر الكبيرة في صفوفهم كان هناك تصورات لتقسيم اليمن خاصة مع الخلافات بين الولاة وتوجههم نحو الفساد المالي والإداري واستغلال سلطاتهم في تكوين ثروات طائلة , وتعود فكرة التقسيم إلى محمود باشا الذي قرر الباب العالي نقله إلى مصر وتعيين رضوان باشا خلفاً له في اليمن إلا أن محمود باشا لم يرق له الوضع في مصر ورأى العودة إلى اليمن ولهذا رفع بمقترح تقسيم اليمن إلى ولايتين الأولى مناطق التهايم والثانية مناطق الجبال الشمالية ومع موافقة الباب العالي على المقترح إلا أنه عين مراد باشا والياً على التهايم والسواحل فيما رضوان باشا تولى ولاية الجبال الشمالية ويرى بعض المؤرخين أن محمود باشا رأى بتلك الفترة الانتقام من رضوان باشا الذي لن يتمكن من إدارة ولاية الجبال لشراسة المقاومة اليمنية فيها وقد تنبه اليمنيون لذلك المشروع التقسيمي من خلال اتساع رقعة المقاومة لتشمل المناطق الجنوبية للشمال اليمني ونقصد بها هنا إب وتعز ومنها إلى تهامة وبفعل إتساع المقاومة وتمددها حتى عدن فشل مشروع تقسيم اليمن .

وخلال القرن التاسع عشر تعرض الساحل الغربي للغزو العثماني بنسخته المصرية في البداية ثم وصلت حملة عسكرية عثمانية من الباب العالي في 1849م وحاولت التوغل إلى صنعاء إلا أنها فشلت فأضطر العثمانيون إلى تثبيت سيطرتهم على الساحل الغربي حتى 1872م حين قرروا مجدداً محاولة احتلال صنعاء والسيطرة على كل أراضي اليمن الشمالي إلا أن سيطرتهم ظلت غير مستقرة بسبب استمرار المقاومة حتى مطلع القرن العشرين ونتيجة للخسائر الكبيرة أضطر الأتراك إلى توقيع صلح دعان مع الإمام يحيى في نوفمبر 1911 م ومن واقع ما سبق نجد أن اليمن خلال مراحل الغزو كان أكثر عرضة للتقسيم سواء على الواقع الميداني من خلال بقاء قوات الغزو في مناطق بعينها أو من خلال مخططات التقسيم التي تظل مجرد أفكار ومقترحات قبل أن تتحول إلى محاولات فعلية على الأرض ضمن الحلول المبتكرة لتجنب التصادم مع المقاومة اليمنية لا سيما في المناطق الشمالية الغربية ولهذا نؤكد أن مشاريع التقسيم كانت نتيجة من نتائج الاصطدام بالواقع اليمني العصي على الخضوع والانكسار فيحاول الغزاة هنا عدم التفريط بكل شيء من خلال التمسك على الأقل بمناطق معينة كالسواحل الغربية والجنوبية ولهذا نجد أن البريطانيين تمسكوا بعدن وما حولها من محميات ليس لأنهم لا يريدون إحتلال كل اليمن بل لأنهم يدركون مصاعب احتلال كل اليمن وهم خير من أستفاد من التجربة التركية في الجبال والسهول اليمنية.
أسس التقسيم:
لعل الأساس الأبرز في تقسيم اليمن لدى الغزاة كان يتعلق بالمقاومة فالمناطق التي استمرت فيها المقاومة دون توقف سرعان ما، نآلت استقلالها وحريتها بتخلي الغزاة عنها وعادة أن تلك المناطق هي الأكثر تعقيداً من الناحية الجغرافية لكن كان هناك محاولات لتقسيم اليمن وفق أسس إضافية إلى جانب شراسة المقاومة فقبل الإسلام حاول التحالف البيزنطي الأكسومي تقسيم اليمنيين على أساس ديني من خلال الادعاء بمظلومية المسيحيين وذلك في عهد الاحتلال الأكسومي الثاني 525م وبعد الإسلام كان الأيوبيون قد قسموا اليمنيين على أساس مذهبي محاولين ترسيخ مفهوم أن أبناء السنة كانوا يؤيدون حملاتهم العسكرية وللأسف أن الكثيرين ظلوا يرددون ذلك حتى فترتنا الحالية رغم أن الحقائق التاريخية تؤكد أن أبناء اليمن من السنة كانوا في صدارة من قاوم الأيوبيين.
وعلى قاعدة التقسيم المذهبي جاء العثمانيون محاولين إعادة الدعاية الأيوبية من جديد وتقديم أنفسهم أنهم مع جزء من أبناء اليمن ضد الجزء الآخر وهذه المحاولات باءت بالفشل فمقاومة العثمانيون امتدت من صعدة بل ومن عسير شمالاً حتى عدن جنوباً وكان هناك مقاومة عنيفة في تعز واب ومختلف المناطق التي تستجيب لدعوات الثورة ومن يتحدث عن غير ذلك فإنما يعمل على تحريف التاريخ وعدم الاعتراف بحقائقه وخير مثال على وحدة اليمنيين ضد الغزاة في القرن السادس عشر ثورة الأمير علي الشرجبي في تعز إضافة إلى ثورات يافع وعدن وريمة وجبلة وغيرها من الانتفاضات الشعبية في عموم اليمن.. لقد حاول الإنجليز خلال فترة احتلالهم للجنوب اليمني الاستفادة من التاريخ اليمني لا سيما ما يتعلق بشراسة أبناء المناطق الداخلية في المقاومة ولهذا نجد أن الاحتلال البريطاني لم يحاول التوسع إلى الداخل لكنه استخدم أساليب مختلفة لمحاصرة اليمن الداخلي إضافة إلى تطويع المحميات من خلال حكامها واخضاعهم بعد أن كان البعض منهم يرفض الاحتلال، وعمل الإنجليز كذلك على استدعاء التفرقة المذهبية كما فعل الاتراك إلا أنهم فشلوا في ذلك.

ومن واقع قراءة التاريخ اليمني نجد أن الإنجليز اعتمدوا في سياساتهم التقسيمية على سياسة فرق تسد التي ارتبطت بهم إلا أنها تظل سلاح فعال بيد أي قوة أجنبية ضد أبناء البلد، وهذا السياسة لا تقتصر على إثارة الفتن بل تشمل كذلك شراء الذمم وتحريض طرف على آخر وترسيخ مفاهيم معينة ورفع شعارات مناطقية ومذهبية بما يُفضي إلى تكريس مبدأ التشظي والانقسام وكل ذلك من أجل أبعاد اليمنيين عن هدفهم الرئيسي المتمثل في مقاومة المحتل وتحرير بلدهم منه، وكما قال ماكرو: اليمنيون لا يفتحون أبواب بلادهم للأجانب لئلا يفسدون عليهم نظمهم وتقاليدهم ويقول سلفاتور : “اليمنيون حتى عندما يفتخرون بأنهم أحرار من كل قيد يرفضون بإباء وشمم التشبه بالعالم الخارجي أي عالم غير المسلمين أو التطلع لشعوب أوروبا وأمريكا كما يتطلعون للشعوب العربية.

ثانياً: مخططات تقسيم اليمن:
– اليمن وفق المفهوم البريطاني
عندما نتحدث عن التقسيم البريطاني لليمن فيجب التذكير هنا بأن معظم مقترحات التقسيم أو خطط ومشاريع التقسيم كانت تستند إلى معرفة بجغرافيا وتاريخ اليمن إضافة إلى العوامل الاقتصادية والاجتماعية ، وسنجد أن العوامل الجغرافية والاقتصادية لعبت دوراً كبيراً في ذلك ” فاليمن يمتلك جبهات بحرية واسعة وصالحة للملاحة طوال العام وموانئ ذات ميزة موقعية عالمية لا تتوفر في أي موانئ أخرى في الجزيرة وموقع اليمن البحري يتيح له إقامة مواقع حضرية ممتازة على طول السواحل واستغلالها كموانئ وأماكن سياحية ومواقع صناعية وتجارية في ضوء سوء توزيع السكان ويمكن الاستفادة من هذه التجمعات الجديدة عسكرياً وأمنياً” وقد أعتمد المؤلف الروسي عزيز بيرادييف في كتابه بريطانيا وتقسيم اليمن على وثائق الهند البريطانية فيما أعتمد باحثون آخرون على وثائق الأرشيف البريطاني ولا يمكن رسم صوره متكاملة عن رؤية اليمن بالنسبة لبريطانيا دون الاستناد إلى كل تلك المراجع والوثائق فهناك ما يؤكد وما يوضح الأهداف البريطانية في اليمن من خلال وثائق حكومة الهند البريطانية تماماً كما هو الحال عليه في وثائق الأرشيف البريطاني ولعل أخطر ما ورد بشأن اليمن المخطط الذي يعتمد على تفسير الجغرافيا اليمنية بأنها المناطق الجبلية الداخلية فقط أي اليمن بدون عسير أو جيزان أو تهامة – الحديدة أو عدن أو المحميات البريطانية، فاليمن هنا يقتصر على الجغرافيا الزيدية مع بعض المناطق الشافعية أي من صعدة شمالاً حتى تعز جنوباً وما تبقى بما في ذلك البيضاء وبيحان دول أو إمارات أو مناطق لا يشملها اليمن.

1- عندما وقعت الاتفاقية الإيطالية – اليمنية طلبت بريطانيا من إيطاليا توضيحاً عن اعترافها باليمن: هل اليمن الذي يضم كل جنوب غرب شبة الجزيرة العربية أم اليمن وفق المفهوم البريطاني.؟

2- تواصلت بريطانيا مع الدول التي كانت تحاول عمل علاقة مع اليمن وقتها بهدف منع تلك الدول من الاعتراف بالإمام يحيى كحاكم على كل اليمن التاريخي بما في ذلك عدن وساهمت بريطانيا في إفشال أو تأجيل إقامة علاقات يمنية مع دول أجنبية منها مع الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وحاولت إفشال العلاقات اليمنية الإيطالية وكذلك العلاقات اليمنية السوفيتية.

وفي الحقيقة أن اليمن التاريخي تعرض لعملية تمزيق وتقسيم تحمل البصمات البريطانية بعد أن فشل البريطانيون في إدخال اليمن ضمن نفوذهم وهذا ما تؤكده الأحداث التاريخية فالشمال اليمني المتمثل بأقاليم عسير ونجران قدمت بريطانيا الدعم لابن سعود لضم كل تلك المناطق إلى مملكته ، وبريطانيا نفسها من عملت على تحديد الحدود بين اليمن وعمان فحاولت في البداية دراسة ما إذا كانت حضرموت إضافة إلى المهرة وظفار يمكن أن تشكل دولة ثم ذهبت نحو الرأي القائل بضم حضرموت والمهرة إلى عمان قبل أن تسهم المتغيرات في الإبقاء على المهرة وحضرموت ضمن اليمن وفي مرحلة أخرى نجدها تمنح أبن سعود ضوءاً أخضر لاتخاذ إجراءات لضم المهرة وحضرموت ضمن اتحاد فيدرالي كما سنعرف ، كان ذلك ما يتعلق بالمناطق الشرقية وقبلها الشمالية امتداداً إلى جيزان ونجران وعسير، أما الغربية فقد كان هدفها الكبير يتمثل في احتلال الحديدة والمخا وأغلاق السواحل على الدولة اليمنية مع التخطيط لإحتلال تعز وفي السياق ذاته في اتجاه الجنوب فعدن ترى إليها بأنها جزء من الأملاك الخاصة، فيما المحميات الشرقية والغربية تخضع للحماية البريطانية وقد ساهم الواقع الجغرافي اليمني في تشكيل هذه النظرة البريطانية تجاه اليمن فالتركيز على البحر من خلال السواحل والموانئ والجزر يعود إلى أهمية موقع اليمن البحري عسكرياً واقتصادياً ولهذا نجد البريطانيين يعملون على التركيز على السواحل والجزر والموانئ إضافة إلى مناطق الثروة كحضرموت وشبوة فيما يتم تجاهل اليمن الداخلي ليس لأنه ليس مهماً، بل لأنه عصي على الانكسار والخضوع وهذا ما أثبته التاريخ فمركز الثقل السكاني في الهضبة الجبلية الشمالية الغربية والممتدة حتى تعز معقدة جغرافيا ًإضافة إلى أن سكان الجبال أكثر مقاومة من غيرهم وهذا لا يعني أن بقية اليمنيين لا يقاومون الغزاة، بل أن جميع اليمنيين عبر مراحل التاريخ سطروا تضحيات وملاحم بطولية من المهرة إلى سقطرى وحتى صعدة وعسير غير أن العقلية البريطانية لها نظرة خاصة لأبناء الجبال خاصة الزيدية نظراً للنزعة الاستقلالية الأكثر حضوراً لديهم وبروز المشاريع ذات الطابع السياسي السلطوي الحاكم من تلك المناطق لأسباب تاريخية وجغرافية وثقافية ولهذا نجد أن العقلية البريطانية وضعت حلولاً للتعامل مع أبناء الجبال أو يمن الداخل وهذه الحلول تتمحور حول نشر الفوضى ودعم الصراعات وتغذية الخلافات ليستمر اليمن الداخلي في حالة فوضى وصراع فيما السواحل محتلة وهناك مستعمرات ومحميات ونشاط اقتصادي ونهب ثروة كل ذلك لصالح المحتل.
الموقف البريطاني من اليمن المستقل:

رفض اليمن الخضوع للبريطانيين واتجه بإمكانيات ذاتية نحو مواجهتهم الأمر الذي دفع بريطانيا إلى محاصرته واستهدافه وشن الحرب عليه العسكرية والاقتصادية فقط لأنه رفض التبعية أو الدخول ضمن مناطق حمايتها وعمل على تدعيم ركائز استقلاله بجهود أبنائه وتضحياتهم ضارباً عرض الحائط بكل المغريات الأجنبية ورافضاً للتهديدات، وفي ذلك يقول الريحاني: “أن اليمن أشرف الأقطار إسماً وأنزهها خطة وأمنعها جانباً لأنه وحده اليوم مستقل إقتصادياً عن الأجانب ويأبى التقيد بشيء من مالهم، ولقد سمعت من العرب أن اليمن هو تلك البقية الباقية البقية الصالحة التي لا تنقاد بالسلاسل الذهبية إلى العبودية الاقتصادية، ذلك اقتصادياً، وأما عسكرياً فقد كانت جميع الحروب اليمنية الداخلية أو مع أطراف خارجية منذ 1918م تقف خلفها بشكل مباشر أو غير مباشر بريطانيا ويقول ج انكارين بعد الحرب العالمية: بقى اليمنيون لوحدهم عملياً ضد الإنجليز وكان يتحتم عليهم خوض نضال طويل وعنيد ضدها وفي هذا الصراع جرب العدو كل الأساليب لضعضعة الدولة اليمنية الفتية وبدأ بالاحتلال العسكري للحديدة إلى تنظيم الانتفاضات الداخلية وإلى تحريض الدول المجاورة والحصار الاقتصادي”. والرشوة والتجسس والقصف بالطائرات ، وهكذا فقد حاول البريطانيون إعاقة قيام الدولة اليمنية المستقلة في 1918م إثر خروج الأتراك العثمانيين وكان من ضمن إجراءاتهم وخطواتهم:

أولاً: تسليم جزء من الساحل الغربي للادريسي واحتلال الحديدة ومن ثم تسليم الحديدة للإدريسي.
ثانياً: خنق اليمن إقتصادياً حيث أدى احتلال الحديدة إلى انعكاسات خطيرة على الوضع الداخلي لا سيما على الصعيد الاقتصادي وتأثرت الحديدة نفسها بذلك فقد تقلص عدد سكانها من 30 ألف إلى أقل من 10 آلاف.
ثالثاً: العمل على محاصرة اليمن المستقل من إقامة أية علاقات مع دول الخارج وتطويقه وعزله وفي هذا يقول عزيز خودا: لم يحرز الاستقلال شكلياً من بين كل الأقطار العربية إلا اليمن الشمالي لكن اليمانيين المطوقين بأتباع بريطانيا أضطروا أمداً طويلاً للنضال من أجل توحيد بلدهم وإحراز استقلالهم التام ويضيف كذلك: أن مخططات التقسيم البريطاني لليمن تتمثل في عزله عن ساحل البحر الأحمر وجعله في حالة تبعية وذلك بموجب ما ورد في وثائق الأرشيف الوطني الهندي.
رابعاً: إثارة النزعات الانفصالية لدى القبائل لا سيما في مراحل الصراع كما حدث في 1928م حيث اشترى البريطانيون الشيوخ ذوي الميول الانفصالية وأشعلت العداوات المذهبية بين اليمنيين إلا أن معظم تلك المحاولات باءت بالفشل منها إلقاء المنشورات عبر الطيران وكان اليمن قد تعرض للقصف البريطاني ما بين 1927م و 1930م أكثر من مرة وقدرت الخسائر في تعز وحدها بمقتل 300 معظمهم من النساء والأطفال.
خامساً: تدبير النزاعات الحربية بين اليمن والسعودية بغية تقوية السيطرة البريطانية على كلا البلدين.
سادساً: حرمان اليمن من أي منفذ إلى البحر وقطع كل الصلات الاقتصادية والتجارية بين الساحل والمناطق الداخلية وحصر تجارة المناطق الجبلية والداخلية إلى عدن.

المؤلف: عبدالله بن عامر – باحث واعلامي – نائب مدير دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة – نائب رئيس تحرير صحيفة اليمن.
* المصدر: موقع عرب جورنال
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع