السياسية:

علي نور الدين*



يمثل استهداف المقاومة الإسلامية في لبنان - حزب الله الأخير لمنطقة كيرياه في فلسطين المحتلة، في إطار عمليات خيبر ضمن معركة أولي البأس، واحدةً من أهم عمليات المقاومة العسكرية وأندرها، خلال كل تاريخ الصراع مع الكيان المؤقت. لأن هذه العملية تؤكّد على تصميم المقاومة وعزمها، على إيلام إسرائيل، بأكثر ما تخشاه الأخيرة، من خلال ضرب مركز القيادة المركزي للأجهزة العسكرية والاستخباراتية لإسرائيل.

فالكيرياه بما تحويه من مقرات عسكرية، من وزارة الحرب وقيادة جيش الاحتلال، ترمز إلى القوة العسكرية الإسرائيلية لجيش احتلال كان "لا يقهر" طوال عقود. وبالتالي فإنه بالنسبة لحزب الله، فإن الهجوم المستهدف على مثل هذا الموقع الاستراتيجي لا يشير فقط إلى قدراته العملياتية ولكن أيضًا إلى نواياه وقراره الجريء وغير المسبوق، في تحدي الهيمنة العسكرية الإسرائيلية بحدوده القصوى. كما يؤكّد على وعد قطعه السيد الشهيد حسن نصر الله سابقاً، من أن المقاومة ستواجه أي عدوان يُفرض عليها، بلا ضوابط أو أسقف.

فما هي أبرز تداعيات هذه العملية على الكيان المؤقت؟

- تداعيات رمزية ونفسية:

فالكيرياه تتمتع بأهمية رمزية للصهاينة لأن هذا المقر الذي يقع في قلب "يافا المحتلة" عاصمة الكيان المسماة تل أبيب، يشكل معقلاً للبنية الأساسية العسكرية الإسرائيلية، حيث يضم مراكز عمليات حيوية، ويشغله مسؤولون عسكريون واستخباراتيون رفيعو المستوى، وحتى مكاتب حكومية. وأي هجوم مباشر على مثل هذا الموقع من شأنه أن يخلف تأثيراً نفسياً عميقاً على عامة المستوطنين في الكيان، وأن يعمل كأداة كي وعي قوية للمقاومة، بأن قلب الكيان العسكري ليس بمأمن من صواريخها وطائراتها الانقضاضية.

هذه العملية ستعزز بلا شك، خلق شعور بالضعف بين الإسرائيليين، بحيث "يرون" تهديدات المقاومة السابقة تتحول إلى حقيقة، الأمر الذي سيؤدي إلى الإضرار بمعنوياتهم وإثارة الشك لديهم من قدرة حكومة نتنياهو على حماية البنية الأساسية الحيوية للكيان، فضلاً عن حمايتهم.

- إعادة التقييم التكتيكي والاستراتيجي لدى الكيان:

إن استهداف الكرياه يشير أيضاً إلى القدرات التكتيكية المتقدمة لحزب الله ونطاقه العملياتي. فنعدما زعم قادة إسرائيل خلال الأسابيع الماضية، تمكنهم من ضرب غالبية قدرات حزب الله الهجومية وتحديداً الصاروخية. جاءت هذه العملية كإنذار ميداني، يستلزم من الإسرائيليين إعادة تقييم قدرات المقاومة الصاروخية، والعودة الى معادلات الردع السابقة. خاصةً وأن هذه العملية تثبت قدرة حزب الله، على توجيه ضربات بشكل أعنف وأخطر، وبدقة عالية قد لا تحيد مستقبلاً أي منشأة وهدف ذو أهمية حيوية استراتيجية للكيان.

وفي سياق متصل، يؤكد هجوم الكرياه كذب الاحتلال، بعدم وجود عجز في دفاعاته الجوية والاعتراضية، التي فشلت في التصدي للصواريخ والطائرات المسيرة الانقضاضية.

- الآثار المترتبة على الجبهة الداخلية:

إن هذا الهجوم يجبر كيان الاحتلال على توسعة نطاق عمل جبهته الداخلية في تل أبيب وغيرها من مناطق الوسط، بعدما كان جلّ تركيزه منصباً في المنطقتين الشمالية والجنوبية. وهذا يعني أن رقعة النزوح الداخلي لديه سوف تتوسع، بل ربما تشهد حركة النزوح الى خارج الكيان تصاعداً أيضاً.

إسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة

وفي الخلاصة، فإن هذه العمليات وما سبقها مثل عملية قيسارية وما سيتبعها، ستفرض على إسرائيل باللغة الوحيدة التي تفهمها، أي بلغة القوة، إما وقف عدوانها على لبنان وغزة، والذهاب الى المفاوضات، بسقف يتناسب مع معطيات الميدان، وإما الاستمرار في عدوانها، وما قد يحمله ذلك من فرص لمحور المقاومة قد لا تتكرر لاحقاً، وهذا في سياق ما كان حزب الله يقوله طوال أكثر من أربعين عاماً بأن "إسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة".



* المادة الصحفية نقلت من موقع الخنادق اللبناني بتصرف