"ذي غارديان": الهدف الحقيقي لـ "إسرائيل" في شمال غزة هو احتلال المنطقة
السياسية:
صحيفة "ذي غارديان" البريطانية تنشر تقريراً للصحافي بن ريف، وهو محرّر أوّل في مجلة "+972 الإسرائيلية"، يتحدّث فيه عن نيّة "إسرائيل" الحقيقية وراء حملتها على شمال غزّة، وهي احتلال المنطقة.
أدناه نصّ التقرير منقولاً إلى العربية:
في الأسبوع الماضي، اعترف العميد إيتسيك كوهين، وهو ضابط كبير في الجيش "الإسرائيلي"، بهدوء بما كان المجتمع الدولي متردّداً في الاعتراف به منذ فترة طويلة: أنّ "إسرائيل" تنفّذ تطهيراً عرقياً في شمال غزة، وتخدع العالم بشأن أهدافها الحقيقية في المنطقة المحاصرة.
وقد أدلى بهذا الاعتراف خلال إحاطة مغلقة للصحافيين الإسرائيليين يوم الثلاثاء الماضي بشأن أنشطة "الجيش" في شمال القطاع. وتباهى بأن القوات "الإسرائيلية" تقترب من "الإخلاء الكامل" لجباليا وبيت حانون وبيت لاهيا؛ المدن الثلاث الواقعة في أقصى شمال غزة، والتي تعرّضت لقصف "إسرائيلي" مكثّف منذ أوائل تشرين الأول/أكتوبر. وتابع كوهين قائلاً: "لا توجد نيّة للسماح لسكان شمال قطاع غزة بالعودة إلى منازلهم"، قبل أن يضيف أن "أوامره الواضحة" كانت "إنشاء مساحة مطهّرة".
وسارع "الجيش" إلى النأي بنفسه عن تعليقات كوهين بعد أن لفتت انتباه وسائل الإعلام الدولية. ولكن ما نراه يحدث على الأرض في شمال غزة هو بالضبط كما وصفه كوهين: عشرات الآلاف من المدنيين يُجبرون على مغادرة منازلهم وملاجئهم ومستشفياتهم، يوماً بعد يوم، بسبب الغارات الجوية، أو نيران المدفعية، أو طائرات من دون طيار، أو القوات المسلّحة التي تصل إلى أبوابهم ــ والتي تتأكّد من هدم أو حرق كلّ ما تبقّى وراءهم.
ويعاني السكان المتبقّون من المجاعة؛ ويضطرّ بعضهم إلى البقاء على قيد الحياة على الملح والماء فقط. وفي ظل عدم وصول أي طعام إلى المناطق المحاصرة لأكثر من شهر، حذّر خبراء الأمن الغذائي العالمي من "احتمال قوي بأن المجاعة وشيكة".
وتزعم "إسرائيل" أنّ عمليتها الحالية في شمال غزة، التي تشبه نسخة أكثر وحشية من "خطة الجنرالات"، أطلقت لقمع محاولات حماس لإعادة ترسيخ موطئ قدم لها في المنطقة. ومن المؤكّد أنّ "الجيش" يواجه جيوباً صغيرة من مقاتلي حماس، ويتكبّد خسائر في هذه العملية. ومع ذلك، قال كبار المسؤولين الدفاعيين لصحيفة "هآرتس الإسرائيلية" بعد وقت قصير من بدء الحملة إنّ المستوى السياسي كان يدفع نحو هدف مختلف تماماً: هو الضمّ.
ويبدو أنّ اعترافاً ثانياً رفيع المستوى الأسبوع الماضي، من قبل وزير الدفاع "الإسرائيلي" المنتهية ولايته، يؤكّد هذا. فقد استغلّ يوآف غالانت، الذي طرده بنيامين نتنياهو، ساعاته الأخيرة في منصبه لإجراء مناقشة صريحة مع بعض عائلات الأسرى الإسرائيليين الذين ما زالوا محتجزين في غزة. وفي تعليقات حظيت باهتمام إعلامي دولي أقل من تعليقات كوهين، ورد أنّ غالانت صرّح بأنّه لا يوجد مبرّر عسكري لمواصلة الحرب أو إبقاء القوات "الإسرائيلية" داخل القطاع. وقال للعائلات: "لم يتبقّ شيء في غزة يمكن فعله.. لقد تمّ تحقيق الأهداف الرئيسية. وأخشى أن نبقى هناك فقط لأنّ هناك رغبة في البقاء هناك".
ويبدو أنّ هذه الرغبة تزداد قوة يوماً بعد يوم بين شريحة متنامية من اليمين "الإسرائيلي" ، فمع تطهير شمال غزة من سكانها الفلسطينيين، سوف يتمكّن المستوطنون الإسرائيليون، بمن في ذلك المهندسون الخفيون لخطة الجنرالات، من تحقيق ما كانوا يحلمون به منذ عام 2005، والذي ظلوا يصرخون من أجله منذ الأيام الأولى للحرب الحالية: إعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في قطاع غزّة.
لا شكّ أنّ هذه ليست السياسة الإسرائيلية الرسمية، على الأقل حتى الآن. ولكن تصريحات كوهين وغالانت الأسبوع الماضي تقدّم بالتأكيد مؤشرات قوية على أنّ هذا هو الاتجاه الذي نسير إليه. وجاء مؤشر آخر في هيئة دعوة وزيرين إضافيين من أقصى اليمين للانضمام إلى مجلس الوزراء الأمني "الإسرائيلي" في بداية هذا الأسبوع: أوريت ستروك، وزيرة المستوطنات والبعثات الوطنية، وإسحاق فاسرلاوف، وزير تنمية المناطق المحيطة والنقب والجليل. وإذا كنت تبحث عن أعضاء الكنيست الأفضل لتقديم المشورة بشأن الاستيطان في غزة، فإن هذين المرشحين هما الخيار الأمثل لك.
وبينما تواصل "إسرائيل" استعداداتها لجعل هذا حقيقة واقعة، ربما تكون القطعة الأخيرة من اللغز قد سقطت للتو في مكانها. فإنّ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تضع الدعم الأميركي لضمّ "إسرائيل" لشمال غزة على الطاولة بقوة. سواء كان ذلك في سياق "صفقة القرن" المعدّلة أو اتفاق أقل فخامة حيث يحصل نتنياهو على ما يريد في مقابل "إنهاء" الأعمال العدائية في جنوب القطاع، فإنّ الاستيلاء الإسرائيلي الدائم على جزء على الأقل من المنطقة يبدو وشيكاً بشكل خطير.
في غضون ذلك، أعلن بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية اليميني المتطرّف في "إسرائيل"، أنّه يضع نصب عينيه جائزة أكبر: السيادة على الضفة الغربية في غضون العام المقبل. وفي ظل الحرب، قطع سموتريتش بالفعل خطوات كبيرة نحو هذا الهدف، بناءً على نجاحات حركة المستوطنين في السنوات الماضية. ومن الذي يقول إن ترامب لن يستجيب له؟
لأكثر من عام، فشلت الضغوط الدولية في وضع حد للهجوم "الإسرائيلي" المجنون على غزة، والذي وصفه العديد من الخبراء بالإبادة الجماعية. إنّ المحاكم الدولية غير قادرة على مواكبة المذبحة على الأرض، في حين أنّ سلسلة التهديدات الفارغة من واشنطن قد شجّعت حكومة اليمين المتطرف في "إسرائيل" وقاعدتها، الذين سيشعرون بأنّهم لا يقهرون بعد فوز ترامب.
قد يتأثّر الرئيس المنتخب، على الرغم من تقلّباته، في اتجاه مختلف من قبل المقرّبين منه السعوديين، أو قد تتخذ إدارة بايدن المنتهية ولايتها ضربة وداع حاسمة لـ "إسرائيل" في أسابيعها الأخيرة. ولكن مع احتمالية أنّ كلا السيناريوهين يعدّان بعيدين، فإنّ الأمر متروك لبقية المجتمع الدولي لممارسة ضغوط حقيقية ضد "إسرائيل" في شكل حظر الأسلحة والعقوبات الشاملة. بالنسبة لأكثر من 43 آلاف فلسطيني قُتلوا حتى الآن في هجوم "إسرائيل" على غزة، وهو ما قد يكون أقل بكثير من العدد الحقيقي، فقد فات الأوان بالفعل، لكنّ عدداً لا يحصى من الأرواح يعتمد على ذلك.
* المادة نقلت حرفيا من موقع الميادين نت ـ الكاتب: بن ريف