محمد الغفاري

رسمت الألفية الجديدة بالنسبة للكيان المسيطر على العالم أنها “ألفية” الخنوع والخضوع لما تسمى بالدول العظمى والتي تختفي تحت عباءة “الحرية والمساواة والتقدم والتطور والانفتاح الفكري” وغيره من الغزو الدخيل على الأمة العربية والإسلامية، وهذا ما رسمته رسالة مكونة من سبعة وستين كلمة، والتي بعثها وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور عام١٩١٧م إلى عضو يهودي في مجلس اللوردات البريطاني، والتي هدفت إلى تغيير العالم من أجل يولد من بين سطورها “الكيان الصهيوني”، والتي عرفة فيما بعد بـ”وعد بلفور”.
ومن عنوان اللورد روتشلد في وسط لندن إلى آفاق سياسية بعيدة المدى متبوعة بمصالح بريطانية وأحلام صهيونية، وطبقت تلك الرسالة للسيطرة على العالم بشكل عام والعالم العربي “الاسلامي” بشكل خاص، وهذا ما حدث من بعد ما يسمى “بوعد بلفور”، فهناك دخائل عن الإسلام ورموز سعت إلى تدمير الاسلام بإسم “الدين” ونجحت هذا الخطوة بامتياز، فكان الإسلام في منحدر “اللا إسلام” وأصبح الدين مجرد “لحية في الذقن وعباية على المرأة وثوب قصير للرجل وسواك على اليد”.

وهنا برزت العديد من الغايات والأهداف الساعية لتدمير الدول بشكل عام وتدمير الإسلام بشكل خاص، وقد تجلى ذلك أولا عبر الهدف الاقتصادي، ففي الوقت الذي كان النظام السابق يبيع منابع النفط بشكل عام للخارج ولفترة من الزمن بأسعار ضئيلة إجماليها أقل بأضعاف لتكاليف نقل لسفينة واحدة، كان المواطن اليمني يسعى للحصول على أسطوانة غاز منزلي أَو دبة بترول بصعوبة نظراً لحجم الفقر المهول الذي خلفته فواتير فساد وإفساد النظام.
ناهيك عن سيطرة بعض المسؤولين والمشائخ على آبار النفط وفي كل بئر نفط توجد لافته مكتوب عليها اسم الشخص الذي له الحق في الحصول على العائدات المالية وحق التصرف فيها، بينما المواطن العادي يقاتل قوة يومه.
وتحت ذريعة حديث مكذوب: (أطع الأمير وإن قصم ظهرك وأخذ مالك)، غيبت إغاثة الملهوف رغم أنها كانت من أبرز الصفات التي امتاز بها العرب في جاهليتهم الأولى واستبدلت بأن يكون المؤمن جباناً في الجاهلية الأُخرى، فالمذهب الوهَّـابي سيق الناس كالعبيد تحت ما يسمى بطاعة ولي الأمر.. وهذا ما تناقض مع عادات وتقاليد وحمية وقبيلة أهل اليمن.
أما الجهاد الذي كان له النصيب الأكبر في الاستهداف الأكبر عبر مذهب الوهَّـابية والذي اقتصرت أهميته فقط على زمان الرسول -صلوات الله عليه وآله- وإن اضطروا إلى ذكر الجهاد فَـإنَّهم يربطونه بشخصيات أشبه ما تكون من ورق ليست إلا شخصيات اسموها آبائهم كأصنام قريش.
فعملت الوهابية على طمس زيدية آل البيت الذي قال فيهم الرسول: “إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي آل بيتي فقد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقى حتى يردا عليّ الحوض”.
أما من الهدف الاخر ومن منطلق “إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ”، وعندما بلغت الثقافات المغلوطة والعقائد الباطلة وثقافة الذل والقبول بحالة الهوان ذروتها فأوفى الله بوعده.
فكان لا بد أن يظهر هادي هذا القوم في تلك المرحلة من جغرافيا قال فيها الرسول “إني لأجد نفس الرحمن من اليمن”، من ورثة الكتاب ومن عترة آل البيت، هم سفينة نوح لهذا الزمان، إنه الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين بن أمير الدين الحوثي، والذي يعود نسبُه إلى الإمام علي عليهم السلام.

من هو الشهيد القائد

ولد في شهر شعبان 1379هـ في مدينة الرويس بني بحر التابعة لمديرية ساقين بمحافظة صعده، نشــأ وترعرع في رحاب القرآن الكريم وعلـوم أهل بيت النبوة صلوات الله عليهم فنهل من هــذا المعين الصافي النقي وتعلم من أبيه العالم الزاهد الشعور بالمسئوليـة العظيمة تجاه أمته ودينه، وكلما شب منحه الله من العلم والوعي والحكمة والبصيرة والكرم والأخــلاق العالية والتعقل والصبر وسعــة الصدر والشجاعة وغيرهــا من صفات الكمـال ما يبهر كل من عرفه وجالسه.

معلميه

نشأ في بيوت العلم والتقى، ونهل من معين الحق والهدى، فقد كانت التربية الإيمانية هي أساس تربيته، والهدى النبوي مبدأ تنشئته، بدءاً من التربية العظيمة على يد والده السيد العلامة فقيه القرآن بدر الدين أمير الدين الحوثي -رحمة الله تغشاه-، ولم يخف السيد حسين الدور العظيم لوالده فقد كان يقول: “بأن كل ما لديه هو من بركات والده الذي رباه تربية قرآنية” منشأة العلم والقران الكريم وأصوله والفقه وحب ال البيت ونهج سيرتهم.

شخصية الشهيد القائد

الحديث عن شخصية بحجم الشهيد القائد تكون دون مستوى هذا القائد والعلم رضوان الله عليه، ولذلك سنحاول أن نقتبس أبرز ملامح شخصية الشهيد القائد رضوان الله عليه من خطابات السيد القائد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي سلام الله عليه، على شكل نقاط ومنها ما يلي:-

غيرته:

تحرك بحمية الإيمان وعزة الإيمان ورحمة جده محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، غيوراً على أمة جده أن تستباح، أن يستباح دمها، أن يستباح عرضها، أن يستباح شرفها، غيورًا على أمة جده أن تُذل وتُسحق وتُقهر وتُستعبد من دون الله.

إباؤه:

كان أبياً يأبى الضيم، ويأبى الظلم وحراً، وهذه من القيم التي غابت إلى حدٍ كبير في واقع الأمة، بل أصبحت في تلك المرحلة التي تحرك فيها ثقافة الذل والترويج للذل والترويج للقبول بحالة الهوان.

رجل المرحلة:

لقد كان بحق رجل المرحلة، يعي هذه المرحلة التي يمر بها شعبه وتمر بها أمته عموماً، يعيها جيداً يعي خطورتها، يعي ما تتطلبه هذه المرحلة، يعي تداعياتها ويعي ما يجب أن تكون عليه الأمة في مواجهة هذا الواقع وفي الخروج منه، وفي مواجهة تلك التداعيات.

رجل المسؤولية:

كان بحق رجل المسئولية، يعي مسؤوليته، ومسؤولية الأمة من حوله تجاه هذا الواقع المرير، تجاه هذه المرحلة الخطرة، ويحمل روحية المسئولية بما تحتاج إليه، من عزم ومن إرادة ومن صدق ومن جد ومن اهتمام ومن وعي ومن إيمان ومن عزيمة.

إيمانه الكامل:

كان أمة من الأخلاق والقيم، رجلاً متكاملاً في إيمانه، في وعيه، في أخلاقه، في سؤدده، في قيمه وأدرك الواقع أدرك الواقع على المستوى العالمي، وعلى مستوى واقع الأمة، وأدرك بعمق حجم المأساة التي تعيشها أمته، ويعيشها شعبه، وخطورة الوضع، وخطورة المرحلة.

من هو والده؟

والده: هو السيد المجاهد فقيه القرآن/ بدر الدين بن أمير الدين بن الحسين ابن محمد الحوثي رحمه الله. فأبوه هو الذي عرف بين الجميع بعلمه وتقواه وخشيته من الله واستشعاره للمسؤولية، وشجاعته في قول الحق، وبأنه لا يخشى في الله لومة لائم وعرف بين الخــاصة والعــامة بالـورع والتقوى وممارسة الأعمـــال الصالحـة، وكان كثير الاهتمام بإرشـاد الناس وإصلاحهم وتعليمهم أمور دينهم ودنيــاهم وحل جميع مشاكلـــهم، وكان يولي الفقراء والمحتــاجين اهتماماً خاصاً فكان بيتــه عـامراً بطلاب العلـم وأصحـاب الحاجات وحل المشــاكل وقضــاء الحوائـج، وكان يستخــدم مـنبر الجمـعة والمنـاسبات الدينية لتربية الناس وتوعيتهم وتوجيههم.
ويوضح السيد حسين كيف كان والده يدفع به وبإخوته إلى تحمل المسئولية الدينية مهما كانت التضحيات ففي محاضرة “توصيات لطلاب الدورة” تحدث بأن والده الذي يملك ثلاثة عشر ولدا هو أحدهم لم يسمع منه في يوم من الأيام بأنه كان يقول لأحد من أولاده أن يترك العمل الذي فيه لله رضا أو يطلب منه أن يحافظ على حياته وهو يتحرك ويعمل للحق.
ويؤكد السيد حسين بأن ذلك لا يعني بأن والده لم يكن يهمه سلامة أولاده ولكنه يعرف بأن الأفضل لولده أن يدخل في أعمال وإن كان فيها تضحية بنفسه لا يمنعه من ذلك أو يدفعه إلى الابتعاد عن هذا العمل أو يربيه على الجبن والخوف أو التخلي عن المسئولية.

رؤية الشهيد القائد لواقع الأمة

ومن خـلال غوصه في أعماق القرآن الكريم عرف الــداء الذي يفتك بجسم الأمة والذي طرحها أرضاً تئن تحت أقدام اليـهود والنصــارى إنها الثقافــات المغلوطة والعقائد الباطلة فقد كان يقول : “إذا تأمل الإنسـان في واقع الناس يجــد أننا ضحية عقائد باطلة وثقــافات مغــلوطة جاءتنــا من خارج الثقلين كتاب الله وعترة رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) ومن كلام له في لقائه مع مجموعه من طلاب العلم: يجب علينا أن نعتمد على القرآن الكريم اعتــماداً كبيراً وأن نتوب إلى الله” ومما قال: “نحن إذا ما انطلقنا من الأساس وعنوان ثقافتنا أن نتثقف بالقرآن الكريم سنجد القرآن الكريم هو هكذا، عندما نتعلمه ونتبعه يزكينا يسمو بنا، يمنحنا الله به الحكمة، يمنحنا القوة، يمنحنا كل القيم، كل القيم التي لما ضاعت ضاعت الأمة بضياعها، كما هو حاصل الآن في وضع المسلمين، وفي وضع العرب بالذات، وشرف عظيم جداً لنا، ونتمنى أن نكون بمستوى أن نثقف الآخرين بالقرآن الكريم، وأن نتثقف بثقافة القرآن الكريم “ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ يؤتيه من يشاء”، فلنحاول أن نكون ممن يشاء الله أن يؤتوا هذا الفضل العظيم أن نكون ممن يمن الله علينا بفضله.

من لم يكن معنا فهو ضدنا

في مطلع العام 2002م وفي تحد صارخ لكل الشعوب العربية عقب حادثة تفجيرات نيويورك التي عرفت بـ”هجمات 11 سبتمبر” والتي أعلن الرئيس الأمريكي حينها بوش بكل صراحة ووقاحة قائلاً: “من لم يكن معنا فهو ضدنا”، ارتدت كُـلّ الأنظمة أقنعة الذل والخوف وتحاشى كل الدول عن الأنظار والخوف من أن يوجهه لأحد منهم اصبع الإتهام جاعلت من صمت المقابر موقفاً وشعاراً لها فكانت أحداث ١١سبتمبر مسمار يدق في نعش الإسلام وما هي هذه الواقعة إلا صنيعة وعد بلفور ومنهاجه الذي يسعى لتدمير الاسلام والمسلمين .
“لَتَجِدَنَّ أشَدَّ النّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ والَّذِينَ أشْرَكُوا” وحين ظنت قوى الشر أنها قد أكملت هيمنتها.. وعندما بلغ فيها المشروع الأمريكي ذروته ليلوذ كُـلّ العالم بالتودد إلى أمريكا وإسرائيل زاعمين أنها هي من تمنح السلام في الأرض، أراد الله أن يكون هنالك متغير يقلب طاولة الموازين فهنالك من بعثه الله هاد للناس لا يخاف فالله لو مت لأم.

الصرخة في وجه المستكبرين سلاح وموقف

أراد الله لنوره أن ينير الأرض من أوليائه ففي يوم الخميس 17 يناير 2002م هو اليوم الذي انطلقت فيه من حناجر السيد حسين صرخة الحق والعزة والكرامة صرخة [الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام] ليعلن بذلك ولادة فجر يوماً جديد لا مكان فيه للذل ولا للهوان ولا للخوف والا للاستكبار والخنوع، يوم فتح فيه السيد حسين باب العزة والحرية والمواقف المشرفة التي ستعيد للأمة مجدها وسيادتها وتخلصها من تحت أقدام أعدائها، وترفعها من المستنقع الذي قد انغمست فيه.

الشعار من “جبال مران.. إلى إجتماع في جورجيا”

بعد ما أطلق الشهيد القائد الشعار وعلمت به أمريكا قبل أن يعلم أو يسمع به المسلمون شعرت هي بمدى خطورة هذا الشعار عليهم، فسرعان ما عقد في ولاية جورجيا الأمريكية اجتماع ضم الدول الثمان الصناعية وخلاف المعتاد حضر هذا الاجتماع الرئيس اليمني دون أن يعرف أحد المغزى والهدف من هذا الحضور إلا الله وزعماء تلك الدول ومن يسير في فلكهم في المنطقة ولم تكن التسريبات التي تحدث عنها الإعلام واللقاءات المشبوهة من قبل المخابرات الأمريكية بكل أنواعها ومسئولي مكافحة الإرهاب حول السيد حسين والمسيرة القرآنية بالشكل الذي يكشف حقيقة هذا الحضور المشبوه للزعيم اليمني، حيث لم يكن بالحسبان أن يرتكب الرئيس اليمني مثل هذه الحماقة بهذه السهولة، ولكنه حدث ما لم يكن يتوقعه أي محلل سياسي حيث عاد علي صالح بقرار الحرب الظالمة، وكما هي عادة التكفيريين علماء البلاط فقد أفتوا بكفر السيد حسين ووجوب قتاله والوقوف إلى جانب السلطة الظالمة و سعوا إلى قتال السيد حسين ومسيرته القرانية بكل جوارحهم وخططهم الوحشية وشن حرب بالوكالة باسم الدين والتي احرقت الحرث والنسل وكل ذلك لإرضاء أوليا نعمتهم .

غار حراء .. وجرف سلمان

لن يختلف الهدف ولكن قد تختلف بعض المسميات فأبو لهب الامس هو أبو لهب اليوم ما حدث أمس في غار حراء حدث اليوم وكما وصل طواغيت قريش إلى غار حراء، اذنابهم اليوم يزحفون على جبل مران وبعد عناء شديد وتضحيات جسيمة قدمتها السلطة قربانا للمعبد الأمريكي وصل المجرمون إلى معقل السيد حسين بعد حرب دامت أكثر من ثمانين يوماً دفعت فيها أثمانا باهظة فضاعت هيبتها وكسرت شوكتها وهيأت لسقوطها وزوالها ولو بعد حين.
لقد تصور الظالمون بأنهم كسبوا المعركة بسيطرتهم على معقل السيد حسين رضوان الله عليه في جبل مران وأنهم قد قضوا على المسيرة القرآنية بوحشيتهم التي أعادت إلى الأذهان كربلاء مرة أخرى عندما حاولوا إحراق السيد حسين وأفراد عائلته ومجموعة من الجرحى بالنار وهم في جرف سلمان من خلال قنابل كبيرة جدا وضعوها في فتحة الجرف من الأعلى وصب البترول إلى الجرف وإشعاله في وحشية لم يسمع عنها أحد في تاريخنا الحديث.

الشهيد القائد من.. حياة فانية إلى حياة ابدية

شتان بين من قتل لتموت أمة بعدة وبين من استشهد لتحيا أمة وينقذ أمة من استشهاده صحى أمة من سباتها حرك القران من بعد ما كان مجر مداد في صفحات لا يقرأونه إلا في صلاتهم، ضنوا أنه بعد أن يستشهد أنهم قضوا على المسيرة القرآنية وأنهم اجتثوا الحق من على الأرض ونسوا أن إرادة الله جعلت من روح الشهيد القائد أمة أحيت بداخلها الف الف حسين والف الف قائد والف الف مجاهد، كيف يخمد حق اناره الله بقرانه؟ كيف وهو قرين القرآن وسليل بيت النبوة القائد والمؤسس للمسيرة القرآنية السيد حسين بن بدر الدين الحوثي سلام الله عليه، رحل وقد عمل ما عليه وأسس لبناء أمة القرآن أمة الإسلام وقلبه مليء بالثقة بنصر الله لهذه المسيرة الإلهية مهما كانت التضحيات، لقد كان يقسم بأنه واثق من نصر الله حتى لو وصل جنود السلطة الظالمة إلى باب الجرف الذي كان فيه، وهكذا ختم حياته الدنيا كما ذكر من كان معه وهو يردد هذا الدعاء : (اللهم ثبتني بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) وثباته احيا أمة من بعد ما كنت عاطشة والقران بأيديهم .