السياسية || محمد محسن الجوهري*

في عام 1734، أسس مجموعة من رجال الدين البروتستنت مدرسة متخصصة في كتابة التاريخ، ولكن حسب رواية ما يسمى بالعهد القديم، أو الرواية الإسرائيلية، واختاروا مدينة غوتنغن الألمانية مقراً لها، وذلك بعد أن غلبت العقيدة البروتستنتية على غيرها من العقائد، وبات التعاطف مع اليهود هو الفكر السائد لدى سكان المنطقة.

وكان لهذه المدرسة تأثيراً كبيراً على كتابة التاريخ وتقديمه، وأسهمت في تكريس عدداً من المصطلحات التي أُقحمت في التاريخ وتحولت إلى أسس ومرتكزات ينبغي إعمالها قبل تقديم أي دراسات متعلقة بالتاريخ، خاصة القديم منه، حيث يلف الغموض أغلب أحداثه.

ومن هنا ظهرت مصطلحات كالسامية والحامية، وكذلك تم تقسيم الأعراق حسب عوامل عنصرية كالبيض والسود والقوقاز والمنغوليين والعرق الأصفر والعرق الأحمر والزنوج والهنود الحمر وغيرهم، كما أسهمت في تعميم الوثنية باعتبارها الديانة الأصلية للشعوب قبل انتشار اليهودية، إضافة إلى كتابة تاريخ افتراضي لكل بلد على حدة بما في ذلك البلاد العربية، حيث أصبحت مصر فرعونية والعراق سومرية وسورية أشورية، إضافة إلى الحميريين في اليمن، وألغت فكرة التاريخ العربي المشترك لكل المنطقة.

ومن أبرز أساتذتها والمؤسسين لها المستشرق الألماني يوهان دافيد ميخائيلس - المتخصص في تاريخ اللغات، وكان من المتعصبين للثقافة اليهودية واشتهر بكتابة "النحو العبري" وأساسيات الحروف المتحركة في العبرية (vowel points in Hebrew) معتمداً في ذلك على دراسته للغة العربية ومنها اقتبس تاريخاً تخيلياً للغة اليهود المزعومة.

ومن أساتذتها أيضاً المؤرخ الألماني (أوغست لودفيج فون شلوزر) الذي اخترع مصطلح "السامية" وأطلقه في البداية على الشعوب العربية لتجنب استخدام كلمة "عربي" أثناء كتابة التاريخ العبري، ولاعتماد تاريخ بديل للشعوب العربية في المنطقة، ومن هنا ظهر الحديث عن قوميات جديدة مثل الأشوريين والسومريين والأنباط وغيرهم، والهدف تمييع الحديث عنها واعتبارها شعوب منفصلة عن بعضها البعض رغم أنها جميعاً تنتمي لقومية واحدة هي العربية.

كما ضمت المدرسة عدداً كبيراً من أساتذة التاريخ التوراتي من أمثال: يوهان كريستوف جاترير وكريستيان جوتلوب هاين وكريستوف مينرز ويوهان جوتفريد إيشهورن ولودفيج تيموثيوس سبيتلر وبلومنباخ وأرنولد هيرين، وغيرهم الكثير ممن لا تزال بصماتهم قائمة حتى اليوم.

وممن تأثروا بهذه المدرسة الدكتور العراقي فاضل الربيعي الذي يسعى لكتابة تاريخ بديل لليمن معتمداً على الرؤية التوراتية المحرفة، والدكتور أحمد صالح - المتخصص فيما يسمى بالمصريات أو التاريخ الفرعوني، وكذلك الدكتور أحمد فخري صاحب كتاب "مصر الفرعونية".

وقد تكفل الإنجليز بدعم التوجهات التاريخية التي أسستها مدرسة غوتنغن خلال الحقبة الاستعمارية للعالم العربي، ومن هنا أصبح لليمن - مثلاً - تاريخ حميري يختلف عن تاريخ الشعوب العربية، وكذلك في كل بلد عربي، حيث كُتب له تاريخ خاص به حسب الحدود السياسية التي رسمتها معاهدة "سايكس- بيكو" المشؤومة.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب