شنت المملكة العربية السعودية قبل أربع سنوات عملية عسكرية على جارتها اليمن , حيث تنشط حركة التمرد الحوثي , تمكن الصراع، الذي يتمحور حول اتفاق وقف اطلاق النار في مدينة الحديدة الساحلية ، من حصد أرواح عشرات الآلاف من المدنيين وتجزئة البلد.

 

بقلم : ماريان منيه

 

(صحيفة” لوكروا” الفرنسية- ترجمة: أسماء بجاش- سبأ)

 

الأخبار الجيدة من اليمن تكاد تكون نادرة , وبالرغم من ذلك , إلا أنها تبعث الأمل , إذ تظهر تلك الأخبار في الغالب بشكل سلبي في حين أنها تصبح بعد ذلك باعثة لأمل يلوح في أفق الواقع اليمني.

يعتبر الوضع الحاصل في اليمن معقداً للغاية , فالحاصل في ذلك الجزء من العالم فيها حرباً سطرت احرف اولى فصولها ليلة 25 مارس من العام 2015.

قبل أربع سنوات وحتى يومنا هذا ، شنت المملكة العربية السعودية عملية عسكرية على جارتها اليمن بقيادة الأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع والذي أصبح اليوم ولي للعهد.

يخشى الأمن القومي السعودي استمرار موجة المعارضة التي انطلقت منذ ما يقرب من ستة أشهر فيما يخص قضية الحرب في اليمن , إما الوقوف مع أنصار الرئيس عبد ربة منصور هادي المعترف به من قبل المجتمع الدولي أو سلطة الأمر الواقع المتمردون الحوثيون الذين اجتاحوا العاصمة صنعاء واستولوا على السلطة فيها.

ينتمي هذا الفصيل الأخير إلى الأقلية الزيدية ، احد فروع المذهب الشيعي ، أضف إلى كونه يتمتع على الأقل بالدعم الأيديولوجي من إيران الشيعية.

سبب إضافي أخر يكمن خلف اتخاذ الرياض قرار شن هذه الحرب ، وهو الخلاف مع طهران ، فهي تريد “إعادة الآمل” في اليمن ولكن عن طريق الأسلحة , وهو الاسم الحالي للعملية العسكرية السعودية على جارتها الجنوبية والتي انضمت إليها عدد من الدول , فجميعها منضوية تحت راية تحالف عربي يسعى إلى إعادة الرئيس هادي إلى السلطة , من بين تلك دولة الإمارات العربية المتحدة التي تخشى بشكل خاص من عودة ظهور تنظيم القاعدة ولعب دوراً كبيراً في المنطقة برمتها.

سقوط أكثر من 67 ألف شخص وفقا لمجموعة من الباحثين

 خلال الأسابيع القليلة الماضية , تم تسليط الضوء على مجموعة من الأخبار حول الصراع الدائر في اليمن خلال سنوات الحرب الأربع , حيث تم وضع 20 مليون شخص من أصل 30 مليون في حالة من الاعتماد الكامل على المساعدات الإنسانية الغذائية , بالإضافة إلى أن هذا الصراع القى بظلاله أيضا على ما يقرب من 3.4 ملايين نازح وآلاف القتلى.

ووفقا لتقييم الجزئي للإحصائيات الأولية لمنظمة الصحة العالمية , يعتقد أن عدد ضحايا الصرع اليمني بلغ 10 آلاف شخص , وذلك استناداً إلى الأرقام المقدمة في وقت مبكر من العام 2017 من قبل المراكز الصحية اليمنية.

ارتفع هذا الرقم إلى أكثر من 67 ألف شخص منذ يناير من العام 2016 ، وذلك وفقاً لمشروع بيانات الموقع والأحداث الخاصة بالنزاعات المسلحة  ACLED مشروع تحليل مفصل للنزاعات ورسم خرائط للأزمات – فهو الأعلى جودة والأكثر استخداماً ومصدر البيانات والتحليلات الحقيقية للعنف السياسي والاحتجاج في العالم النامي ,  يعتمد الممارسون والباحثون والحكومات عليه للحصول على أحدث المعلومات الموثوقة حول أنماط الصراع والاضطرابات الحالية.

تكمن الإشارات الإيجابية التي أبلغ عنها المشروع انخفاض بنسبة 20 ٪ في عدد الوفيات في الفترة ما بين يناير إلى فبراير مقارنة مع التقرير الصادر عن عدد الوفيات في الشهرين السابقين والتي تظهر انخفاض بمعدل 1000 حالة وفاة , وكذلك انخفض عدد الغارات الجوية , والتي بلغت 161 غارة خلال شهر فبراير من العام 2019 ، أي أقل مرتين من عدد الغارات التي شنها التحالف العربي خلال يناير من العام 2018.

يعزو الباحث والمحلل “أندريا كاربوني” في مشروع ” “ACLED هذا الانخفاض إلى حد كبير إلى اتفاقية وقف إطلاق النار , وذلك في إشارة منه إلى اتفاقية السلام الموقعة في ستوكهولم ، تحت رعاية الأمم المتحدة في ديسمبر من العام الماضي ، فهذه الجولة كانت الأولى بعد مباحثات السلام التي جمعت بين الفرقاء منذ العام 2016.

شمل اتفاق وقف إطلاق النار محافظة الحديدة ، حيث تحتضن هذه المدينة الساحلية ميناء البلد الكبير , والذي يحمل نفس الاسم ، كما يعتبر نقطة ولوج ثلثي الواردات والمساعدات الإنسانية , فهذه المدينة تعرضت لهجوم واسع في يونيو الماضي.

تم احترام وقف إطلاق النار إلى حد كبير بين الأطراف المتصارعة ، في حين لم يتم تنفيذ بقية الاتفاقية ، بما في ذلك ملف تبادل الأسرى وإعادة نشر المقاتلين , في حين لا يزال المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، البريطاني مارتن غريفيث ، على المسار الصحيح , حيث أعلن في 19 مارس ، عن عرضاً “سريع” لخطة لسحب المقاتلين من مدينة  الحديدة.

تقول رضية المتوكل ، رئيسة منظمة “مواطنه” لحقوق الإنسان ومقرها في العاصمة صنعاء , أن اتفاق ستوكهولم يواصل تعزيز الأمل في ايجاد حل مع المجتمع المدني , فهذه هي فرصة للسلام التي تعتبر الأكثر نفعاً منذ بداية الحرب.

كُشف النقاب عن أن اليمنيين أصبحوا مدينون لذلك الحدث الأشر: اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي ، في 2 أكتوبر من العام المنصرم في قنصلية بلاده في مدينة اسطنبول التركية من قبل قوات الكوماندوس السعودي.

شوهت عملية الاغتيال تلك سمعة الأمير محمد بن سلمان ، إذ أعطت الذريعة للدبلوماسيين الغربيين للضغط على الأخير ، بالرغم من اعتمادهم عليه في حرب اليمن.

ومن جانبه , يقول فرانك ميرمير ، عالم الأنثروبولوجيا ومدير الأبحاث في المركز الوطني الفرنسي  للبحث العلم والمختص في الشأن اليمني , أن له وجهة نظر متشددة فالبلد لم يعد بإمكانه الصمود أكثر في ظل ذلك الصراع المميت.

تشهد بعض جبهات القتال في المحافظات الاخرى ارتفاع وتيرة العنف والعمليات القتالية , على عكس الهدنة المتفق عليها في مدينة الحديدة الساحلية , مثل جبهة حجة في الشمال الغربي , وعلى وجه الخصوص في جبهة تعز في الجنوب الغربي , وحتى في المدينة الساحلية نفسها , لا يزال الوضع هشاً.

أشار جوناثان كونليف رئيس العمليات في منظمة العمل ضد الجوع إلى أنه على الرغم من أن مستوى العنف قد انخفض هناك ، إلا أنه لا يزال موجوداً ، مشيراً إلى مقتل احد موظفي المنظمة متأثراً بجراحه جراء شظايا أصابته عندما كان على سطح منزله في مدينة الحديدة في 19 مارس الماضي.

تجزئة اليمن

عملت هذه الحرب على تجزئة البلد الموحد والذي رأى النور لأول مرة في العام  1990, واليوم يسيطر المتمردون الحوثيون على ما يقرب من 20 ٪ من أجمالي الأراضي اليمنية , والتي يقع معظمها في الجزء الشمالي من البلد ، بما في ذلك العاصمة صنعاء , في حين تسيطر القوات الحكومية الموالية للرئيس هادي وقوات التحالف العربي ، في الوقت نفسه ، على 80 ٪ من البلد ، والواقعة في الجزء الجنوبي , ولكن أيا من هذه المناطق لا يقدم حالة متجانسة.

وفي حال , تم توحيد القوة في المناطق الشمالية ، فإن موقعها يظل متفاوتا , ومن جانبه , استرسل الباحث فرانك ميرمير حديثة إلى أنه من الصعب تقييم درجة تمسك السكان في المناطق الشمالية بالقوة الحوثية ، فهناك توجد معارضة قوية, وفي المقابل ينتهج  المتمردون الحوثيون ذو “الأصولية الشيعية العمليات الإرهابية”، حيث تمارس هذه الجماعة كافة أنواع العمليات الرقابية المتيقظة على الأماكن العامة , وأماكن الاجتماعات , والتحركات أو حتى على تلك النزاعات القبلية , أضف إلى أن الأحداث التي تنظمها النساء ، خاصة تلك التي نظمتها ضد تكاليف وغلاء المعيشة المرتفعة أو تلك التي أخذت على عاتقها الدفاع عن السجناء , يتم قمعها بسرعة كبيرة.

تسود تجزئة القوات في المناطق الجنوبية الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية وقوات دول التحالف العربي , إذ يوجد في تلك المناطق الجنوبية جيش حكومي ، كما يوجد أيضا فصائل مسلحة تقاتل إلى جانب دول التحالف ولا علاقة لها بالحكومة , ناهيك عن كونهم يتلقون اوامرهم من أبو ظبي أو الرياض.

ومن بين هذه الفصائل ، قام الانفصاليون الجنوبيون الذين يتلقون الدعم من قبل دول التحالف بصورة جزئية ، بإضعاف معسكر الرئيس هادي.

عرج احد الدبلوماسيين في منظومة التحالف العربي على قضية أن الحكومة اليمنية ليست حكومة فعالة أو ذات تأثير ، وبالتالي فنحن نعمل مع ما نجده في الحال.

التحالف يريد الانسحاب من اليمن

ترغب دول التحالف العربي في الانسحاب من المأزق اليمني المعقد مع العلم أنها تعي جيداً أن هذا الانسحاب بعيد المنال , وأضاف المصدر نفسه أنه من غير الواقعي الاعتقاد بأن الصراع اليمني سينتهي في العام 2019 , ولكننا نأمل أن يكون هذا العام عام التقدم نحو السلام “، مضيفًا ثلاثة شروط للانسحاب : القضاء على الميليشيات غير المندمجة في القوات الحكومية ، وتأمين الحدود وإنهاء الهجمات على الدول المجاورة.

علينا أن نترك اليمن في مواجهة على أمل تقسيم البلد شمالاً وجنوباً ؟ حيث إن مسألة اليمن تخص في المقام الأول اليمنيين ويجب عليهم حل مشكلتهم بأنفسهم ، وبالنسبة لنا فهذا لن يشكل أي مشكلة , فالحرب في اليمن اليوم معضلة وصراع كبير لمستقبل اليمن واليمنيين.

 

الحرب في اليمن من حرب أهلية إلى إقليمية

– في العام 2012 تنحى الرئيس علي عبد الله صالح الذي ظل متربعاً على عرش السلطة في اليمن الموحد منذ العام 1990 , وذلك على أثر اندلاع موجة الاحتجاجات العارمة التي جابت البلد تحت مسمى الربيع اليمني ، ليحل محله نائبه في ذلك الوقت عبد ربه منصور هادي والذي انتخب في فبراير من نفس العام.

– في سبتمبر من العام 2014 ، تمكن المتمردون الحوثيون من اجتياح العاصمة صنعاء , وفي يناير من العام التالي عملوا على محاصرة القصر الرئاسي , ووضع الرئيس هادي قيد الإقامة الجبرية , مما اضطره للهروب إلى مدينة عدن الجنوبية , حيث توالت الأحداث ولاجئ مرة اخرى إلى العاصمة السعودية الرياض , حيث ظل المتمردون يتلقون الدعم من قبل الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي اغتيل على أيديهم مطلع ديسمبر من العام 2017.

– في أواخر مارس من العام 2015 ، شنت المملكة العربية السعودية العملية العسكرية “عاصفة الحزم”على جارتها اليمن لإعادة الرئيس هادي إلى سدة الحكم.

– في مارس 2018 ، الذكرى السنوية لبدء تدخل التحالف ، أطلق المتمردون الحوثيون وابلاً من الصواريخ على الرياض والمناطق الجنوبية الغربية من المملكة العربية السعودية.

  في أغسطس من العام 2018 ، أبدت الأمم المتحدة قلقها البالغ من احتمال حدوث موجة ثالثة من وباء الكوليرا ، بعد موجتي الانتشار التي شهدها البلد في العامين 2016 و 2017 , والتي نتج عنها حصد ارواح 2300 شخص على الأقل منذ عام 2016.