أيمن الرفاتي*

عقوبات “قانون قيصر” الأميركي لا تختلف كثيراً عن السياسات التي فرضها الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة منذ العام 2007.

لا يختلف المشهد كثيراً بين فظاعة الحصار والخناق المالي اللذين يفرضهما المجتمع الدولي على عدد من المناطق في الشرق الأوسط، والجرائم بحق الإنسانية التي يرتكبها العدوان الأميركي والصهيوني ، فكلاهما يزيدان في عذابات وويلات الشعوب الرافضة لسياساتهما في المنطقة، فالحال في قطاع غزة المحاصر منذ أكثر من 17 عاماً لا تختلف كثيراً عن سوريا، التي لم تخرج من الحرب والحصار اللذين يرهقانها منذ 11 عاماً، إلى جانب “قانون قيصر” الذي فرض عليها قبل عامين، وكلتا المنطقتين أصبحتا ضحية للكوارث الطبيعية.

الحصاران على سوريا ومن قبلها غزة هما بمنزلة عقاب جماعي، إذ أنهكا القدرات المحلية والحكومية على مواجهة الكوارث الطبيعية، وهو الأمر الذي كانت له تبعات خطيرة حصدت أراوح كثير من الناس، وباتت الأجهزة الحكومية عاجزة أمام الكوارث؛ لتصبح المصيبة مضاعفة بفعل الإجراءات المشددة التي أعاقت وصول المساعدات الفورية، ومن قبلها منعت تحديث المعدات اللازمة للإنقاذ وتجاوز الكوارث الطبيعية.

في قطاع غزة، وتحديداً عام 2014، عندما وقعت كارثة الفيضان والأمطار الكثيفة في مناطق عدّة من المدينة المحاصرة؛ وأدّت إلى غرق آلاف المنازل وتشريد أكثر من 4 آلاف مواطن في كارثة طبيعية هي الأشد، وقفت حينها الأجهزة الحكومية عاجزة عن تقديم الخدمات بالشكل الأمثل للمواطنين؛ نتيجة منع الاحتلال على مدار سنوات إدخال المعدات اللازمة لمواجهة مخاطر وكوارث كهذه، إضافة إلى الحروب المتواصلة التي دمّرت البنية التحتية والحكومية مرات عدّة، وهذا الأمر لا يختلف كثيراً عما حدث في الجمهورية العربية السورية التي أرهقتها سنون الحرب والحصار وقانون “قيصر” الظالم.

فقد أدّى “قانون قيصر” إلى إضعاف قدرات الحكومة السورية (المنهكة من الأصل بفعل الحرب)؛ عبر استهداف الأفراد والشركات التي تعمل مع الحكومة، إضافة إلى استهداف الصناعات السورية بما في ذلك الشركات المُتعلِّقة بالبنية التحتية، والصيانة العسكرية، وإنتاج الطاقة، والوقود والاستيراد والتصدير؛ الأمر الذي أضرّ بكل مواطن سوري، وهو الأمر ذاته الذي حدث مع قطاع غزة حينما أغلق الاحتلال المعابر، ومنع تحويل الأموال، ومنع إدخال الوقود والمعدات، بل ومنع الخروج من القطاع والدخول إليه؛ ليطال الضرر جميع السكان بلا استثناء من مرضى وطلبة وأطفال وكبار.

إنّ عقوبات “قانون قيصر” الأميركي لا تختلف كثيراً عن السياسات التي فرضها الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة منذ العام 2007، إذ استخدمت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني الأداة الاقتصادية بهدف استبدال نظام الحكم بآخر متوافق مع سياساتهما ولا يعمل ضد مصلحتيهما أو مصلحة حلفائهما في المنطقة، وقد فُرض الحصار بعدما فشلت وسيلة الحرب الخشنة في تحقيق هذا الهدف، وبات متواصلًا كعقاب جماعي حتى يومنا الحالي.

مؤخراً؛ أعاق “قانون قيصر” وصول المساعدات الإنسانية إلى الجمهورية السورية؛ ما تسبب في تأخير إنقاذ المنكوبين والمتضررين من الزلزال وإغاثتهم، وذلك إلى حين أخذ دول العالم -وللأسف منها دول عربية-الإذن من الإدارة الأميركية لإيصال المساعدات إلى الأراضي السورية، على الرغم من النداءات والاستغاثات المتكررة منذ أول أيام الزلزال.

إنّ الحصار الصهيوني وقانون قيصر الأميركي يمثلان انتقاماً من الشعبين السوري والفلسطيني، وحكومتيهما اللتين رفضتا الانصياع للمواقف والإرادة الأميركية، ورفضتا وجود الكيان الصهيوني والتطبيع معه، وحينما لم تنجح مخططات تدميرهما ذاتياً أو داخلياً عبر حروب أهلية، سعت الإدارة الأميركية إلى معاقبتهما وتقويضهما عبر الحرب الاقتصادية والحصار.

بعد الفضيحة ووضوح حجم الجريمة الكبيرة للإدارة الأميركية، وتسببها في عدم إغاثة المتضررين من الزلزال، اضطرت واشنطن إلى إصدار قرار بتجميد جزئي لـ”قانون قيصر” لمدة 180 يوماً فقط، بعدما أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية “أوفاك” الترخيص السوري لعام 2023، والذي يتيح ويسمح بالمعاملات المتعلقة بالإغاثة من الزلزال، وهي التي كانت محظورة قبل القرار بموجب لوائح العقوبات المفروضة على سوريا.

وبرغم ذلك، فإنّه ما يزال ممنوعاً على سوريا استيراد الآليات الخاصة بإزالة الأنقاض، إذ إنّ هذا الأمر يحتم على الجهة التي ستورّد المعدات إلى السوريين الحصول على رخصة من الخزانة الأميركية كي لا تطالها العقوبات، فيما لا يزال التحريض متواصلًا بأنّ هذه المعدات ستستخدم في العمليات العسكرية السورية، كما أنّ عمليات إدخال الوقود إلى سوريا ما تزال مقيّدة، برغم قرار التجميد الجزئي للعقوبات؛ إذ يحتاج مورّدو الوقود إلى الحصول على موافقة من الخزانة الأميركية وهو أمر يتطلب كثيراً من الإجراءات البيروقراطية قد يستغرق إنجازها أكثر من شهرين.

نفهم من ذلك أنّ الإدارة الأميركية تريد فقط تسهيل دخول المواد الإغاثية للمنكوبين من الزلزال، لكنها ما تزال تمنع أي بادرة يمكن من خلالها إعادة إعمار ما دُمِّر خلال الزلزال ومن قبله مخلفات الأزمة والمعارك التي بدأت في المدن السورية في العام 2011؛ وهو ما يعني استمرار رهن إعادة إعمار سوريا بالمواقف السياسية واتّباع السياسة الأميركية.

يجب أن يتوقف الظلم الذي يتعرض له السوريون شعباً وحكومةً، وأن تتوقف العقوبات الجماعية التي ما زالت تحول دون انتشال اقتصاد المواطن السوري، وتمنع انطلاق عملية إعادة الإعمار، فمن غير المعقول إنسانياً استمرار هذه الحال وبقاء مئات الآلاف مشرَّدين، ومنع مئات الآلاف من إعادة بناء مدنهم التي دُمّرت سواء بفعل الزلزال أو الحرب.

* المصدر: الميادين نت
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع