كاظم الموسوي*

زلزلت الأرض زلزالها في جنوب تركيا وشمال سوريا، في المدن الحدودية بين البلدين، وكان زلزالاً كبيراً أحدث كارثة إنسانية لم تشهد مثلها المنطقة منذ سنين. الخسائر البشرية كبيرة، فضلاً عن الخسائر المادية. مدن انهدّت مبانيها على سكانها، في ظروف مناخية قاسية أيضاً. السلطات لم تكن متهيئة للإغاثة المطلوبة في البلدين. في سوريا، تعكس الصعوبات وجهاً للعقوبات المفروضة واستمرارها. الأرقام عن الضحايا تزداد كل ساعة، لا يعرف مداها اليوم. ولكن الصور المباشرة التي تقدّمها الفضائيات تشرح الكارثة وتكشف زلزالاً مصاحباً في الضمير الإنساني، عرّاه أمام الجميع وفضحه ما مورس فعلياً أمام المأساة، الكارثة البشرية خصوصاً. خريطة الطائرات التي نشرت أخبارها لإرسال مساعدات للمنكوبين في تركيا، ولم ير مثلها في سوريا، وجميل من رسم قلوب حب مرسلة إلى الشعب السوري على الخريطة مقابل طائرات الغرب وبعض العرب المتسابقة في تعرية نفسها وإعلان ذاتها.

بكل الأحوال، كشف زلزال الطبيعة زلزالاً في الضمير الإنساني لمن زعم بملكيّته في الإعلام والتكاذب اليومي وغسل الأدمغة المتسابقة مع آلام الكارثة وادّعاءات البكاء على الضحايا أو صور مأساتهم الموزعة في وسائل الإعلام المختلفة، ولا سيما الناطقة باللغة العربية وأسماء أصحابها مرسومة على طائرات المساعدات التي وصلت تركيا وحدها من دون أيّ خجل أو ادّعاء ضمير مضمر فيها، والتركيز عليها فقط من دون إشارة إلى أيّ مساعدات أخرى من بلدان أخرى.

تذرّع بعض من تلكّأ أو ناور، أو عبّر عن ازدواجيّته المعروفة، بقرارات العقوبات الغربية الأحادية على سوريا، والتي للأسف لو توفرت محاكم دولية عادلة ومستقلة لحكمت على هذه القرارات وأصحابها بجرائم الحرب وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، وهي تنتهك القانون الدولي وحقوق الإنسان ومواثيق المنظمات الدولية. لا حجة أمام الكارثة، ولا سبب أمام طفلة تحمي رأس أختها تحت ركام بيتها، ولا مبرر أمام طفلة لم تجد أهلها معها في مستشفى مكشوف، وتتوالى الأيام ولم يتحرك هؤلاء الذين تفرجوا على الكارثة. ستبقى وصمة عار كبيرة على وجوههم ومن يصمت عليهم. لا وقت للتفرج أمام الكارثة الإنسانية. لقد زلزل الزلزال الطبيعي الضمير الإنساني وأصبح الأمر محكّاً له ولمن يزعم به.

كل الفخر بكل من هزّه ضميره وتحرّك بأيّ شكل لمساعدة منكوبي سوريا الآن بعد ما حصل وجرى أمام الجميع. وكل التقدير لمن هزّته الكارثة ووقف مع المنكوبين حتى ولو بالكلمة.

وأمام كل ما نرى، ممّا حصل من زلزال طبيعي في تركيا وسوريا وما أعقبته من هزات حصدت أعداداً غير قليلة من البشر والحجر، ومن ازدواجية معايير وأخلاق وممارسات، من أصحاب القرار السياسي والحكم في كل البلدان، تصبح المطالبة بزلزال شعبي يحدث مقابلاً في رفض قرارات الحصار والعقوبات ومحاكمة المصرّين عليها أو المروّجين لها وفتح كل الفرص والحدود والمجالات أمام المساعدات والدعم والتضامن وإنقاذ الضمير الإنساني.

إنها ساعة الاختبار، زلزال شعبي يهزّ الضمير الإنساني ومحاكمته في الواقع والتاريخ.

* كاتب عراقي

* المصدر: الاخبار اللبنانية

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع