السياسية ـ وكالات:

تترك الأحداث المفاجئة أثرًا نفسيًا لدى الفرد شاء أم أبى. وتشتد حدّة تلك الآثار وقوتها على قدر قوّة ذلك الحدث وشدّته. ولا عجب أن نرى تفاوتًا كبيرًا في الآثار بين شخص وآخر إزاء حدث واحد. مؤثرات عدّة تلعب دورًا كبيرًا في هذا المجال. الهزّة الارتدادية التي حدثت في لبنان فجر الاثنين تركت آثارًا نفسية لدى كثيرين. المحادثات مع من حولنا وجولات سريعة على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر الأثر النفسي الذي تركته ثوان أربعون على نفسية وروحية كثر. صحيح أنّ الهزّة المذكورة باتت وراء جزء تمكن من تخطيها وكأنها لم تكن، إلا أنّ جزءًا آخر لا يزال يعيش على أعصابه وهو الذي كان الأكثر تأثرًا من الناحية النفسية. شعور مختلط من القلق والخوف ينتاب البعض يجعلهم يترقبون هزّة مشابهة ويذهبون بعيدًا في التفكير راسمين صورًا سوداوية. الصور والفيديوهات التي شاهدوها والقصص التي سمعوا بها حول الزلزال المدمّر في تركيا وسوريا ساهمت في تذكية هذا التفكير السلبي. أضف الى الشائعات التي تنتشر كالنار في الهشيم ما يجعل البيئة مؤاتية لدى البعض للانخراط أكثر في هذا التوجه السلبي. فهل هذا القلق والخوف طبيعي؟ وكيف السبيل لتخطي هذه المحطّة المزعجة؟.

القلق والخوف أمر طبيعي جدًا

الأخصائي في طب النفس الدكتور فضل شحيمي يشدّد على أنّ الهزّة الارتدادية أحدثت صدمة نفسية لدى الناس. لكنّه يفسّر معظم ردات الفعل الحالية على أنها لا تزال ضمن المقبول. لغاية اليوم لا نزال نعيش ردات فعل طبيعية اذا لم يكن هناك شيء يهدّد الحياة. الصدمة التي حدثت والقلق والخوف هي أمور طبيعية جدًا. لغاية الآن لا نزال في دائرة القلق النفسي الطبيعي وهو ردة فعل فيزيولوجية لدى الانسان. نحن نشك في من لم يخف من الهزّة -يقول شحيمي- وهذا الأمر خارج الطبيعي ويحتاج الى تقييم نفسي.

متى يصبح القلق حالة مرضية؟ يجيب شحيمي عن هذا السؤال بالإشارة الى أنّه اذا بقي الخوف والقلق من أسبوع الى ثلاثة أسابيع فنحن هنا لا نزال نتحدّث عن حالة عادية. بعد مرور ثلاثة أسابيع اذا بقي لدينا حالات لا تتمكّن من النوم أو لا تزال تنام في السيارة أو خارج غرفتها أو تركت منزلها في المدينة وتوجهت الى القرية، أو لدينا حالات لا تتمكّن من تناول الطعام، أو لديها تخيلات وتهيؤات كأن تشعر بأن السقف يهتز وما الى هنالك، هذه الحالات هي حالات مرضية وبحاجة الى تقييم نفسي، وعلى أساسها إما يحتاج الفرد الى علاج نفسي بحت أو علاج دوائي حسب نوعية الإصابة.

نحن أمام قلق نفسي لا “فوبيا” ولا “اضطراب”

يشير شحيمي الى مجموعة مغالطات. منذ وقوع الهزّة بدأ البعض باستخدام مصطلحات لا تمت للعلم بصلة منها على سبيل المثال استخدام مصطلح “فوبيا”. هذا المصطلح غير صحيح استخدامه في هذا المورد لأنّ معظم الخوف عند الناس مبرّر والخوف المبرّر وغير المبالغ فيه هو قلق نفسي. مصطلح آخر جرى استخدامه “اضطراب ما بعد الصدمة”. كي نطلق هذا المصطلح على الأفراد الخائفين أو القلقين فنحن بحاجة الى فترة شهر أقله لتظهر عوارضه ونبدأ بالحديث عن تشخيص. وفق شحيمي، هذه المصطلحات من المبكر تناولها. يعيد ويكرّر ما يحصل مع الناس ردّة فعل قلقية حادة، وهي طبيعية. ردة الفعل هذه إما تخفّ أو تزداد وتتفاعل حسب سلوك الناس وتعاطيها.

من وجهة نظر شحيمي، ليست كل الناس التي تتعرّض لنفس الصدمة النفسية يكون لديها نفس ردة الفعل. بعض الأشخاص قد لا يتأثرون، وبعضهم قد يتأثر لنهار واحد، وبعضهم قد ينتج لديه “اضطراب ما بعد الصدمة” بعد شهرين مثلًا. الأمر يختلف حسب القابلية لدى كل منا. وهنا يؤكّد المتحدّث أنّ الشخص يتعلّم من كل صدمة تحدث لديه عبرًا وتترابط القضية نفسيًا اجتماعيًا عقائديًا. أحيانًا تكون هذه العبر مخيفة. على سبيل المثال قد يصبح لدى الشخص حالة ضعف ويشعر كم هو ضعيف وهذا يزيد من حالته النفسية خاصة في البلدان التي ليس لديها ارتباط عقائدي بالله. وفي بعض الأحيان قد يصبح لديه حالة اكتئابية فيسأل نفسه: لماذا سأعيش طالما سأموت في لحظة. وعلى المقلب الآخر، قد يتعلّم دروسًا إيجابية تقوّي مناعته النفسية وارتباطه بالله سبحانه وتعالى.

جملة عوامل زادت القلق النفسي

ولا يخفي شحيمي أنّ جملة عوامل زادت القلق النفسي لدى الناس. تلك العوامل يلخصها بالآتي:

-الشائعات: عادة ما تدغدغ الشائعة مشاعر الناس وتدخل سريعًا للفرد. وما بين الخبرية والشائعة، تلفت الأخيرة الشخص أكثر لأنها أقرب لمشاعره وتفكيره.

– تطور الوسائل التكنولوجية والإعلامية: الزلزال القوي الذي ضرب لبنان منذ عشرات السنين لم يأخذ الضجة التي أخذتها الهزّة اليوم رغم أنه أحدث ضحايا. حينها لم يكن هناك وسائل تكنولوجية وإعلامية تعمل على تضخيم الحدث. كان يحصل الزلزال، نسمع عنه مرة أو مرتين في الأخبار وتنتهي مفاعيله. وفي أغلب الأحيان كانت الأخبار علمية وممنهجة ومن مصادر موثوقة. أما اليوم فبات بإمكان أي شخص أن يغرّد على وسائل التواصل الاجتماعي ويلفّق أخبارًا بلا مصدر ومرجعية علمية وهذا الأمر يزيد القلق لدى الناس التي بات لديها رغبة للمعرفة أكثر.

– عدم التعود على نمط الهزّات: ما زاد الناس قلقًا هو أنّ هذا الجيل غير معتاد على هذا النمط فنحن لا نعيش في بلد يتعرّض لهزات قوية كل فترة كاليابان مثلًا.

-حدوث الهزّة الأرضية ليلًا والناس نيام: هذه النقطة لم يتم الالتفات اليها وهي زادت من القلق النفسي لدى الأشخاص. ثمّة حساسية مفرطة حيال الصدمة لدى النوم. أبسط مثال، لو أُغلق الباب بطريقة قوية بالقرب من شخص نائم، في هذا الموضع يعمل “الأدرينالين” بطريقة عالية فكيف اذا استيقظنا من النوم على هزّة أرضية، هنا ستتضاعف الصدمة النفسية.

-الصور والفيديوهات المتناقلة عن الزلزال المدمّر في تركيا وسوريا: هذه المشاهد غذّت هذه الصدمة.

نصائح

يُعطي شحيمي جملة نصائح للتغلب على الشعور بالقلق وتخطي المرحلة والدفاع عن النفس وتقوية المناعة:

-عدم قراءة كل المعلومات لأنّ 70 الى 80 بالمئة من المعلومات الطبية والعلمية والنفسية التي نأخذها عبر “السوشال ميديا” هي أخبار كاذبة. كلما ابتعدنا عن القراءة في هذا الإطار كلما قلّت نسبة القلق النفسي لدينا والخوف.

-عدم المشاركة في نشر الخبريات والشائعات والتأكد من مصادر المعلومات.

-محاولة العودة سريعًا الى نمط الحياة السابق. النوم والاستيقاظ في ذات الوقت. عدم تجنب أمور معينة كالنوم في غرفة أخرى، أو الذهاب الى الضيعة هربًا من دمار البنايات، أو أخذ إجازة من العمل، بل ممارسةالحياة بشكل طبيعي كما كانت قبل الهزّة الارتدادية.