هل رُفعت العقوبات الأميركية عن سوريا فعلاً؟
إبراهيم علوش *
ما كانت الإدارة الأميركية لتضطر أن تصدر الرخصة 23 لرفع العقوبات، لولا تزايد الحملة الشعبية لرفع الحصار، فهي لم ترفعه، رغم محاولة إيهامنا بذلك، ولكنها تراجعت معنوياً لا فعلياً، خطوةً إلى الخلف، إزاء شعورها بالضعف حيال الحملة لرفع الحصار عن سوريا.
أصدر “مكتب مراقبة الأصول الأجنبية” التابع لوزارة الخزانة الأميركية، مساء يوم 9/2/2023 في واشنطن، أي بعد منتصف الليل يوم 10/2/2023 في دمشق، الرخصة العامة رقم 23 General License، المعرّفة اختصاراً بالرمز GL23، والتي تعلق الحظر على بعض المعاملات المتعلقة بسوريا حتى الساعة 12 ظهراً بتوقيت الساحل الشرقي للولايات المتحدة، أي واشنطن، يوم 8 آب / أغسطس 2023.
تنص الرخصة 23 بوضوح أن غايتها هي السماح بتحويل الأموال من سوريا وإليها لغرض محدد هو تسهيل جهود الإغاثة المتعلقة بالزلزال تحديداً، لا بأي غرض آخر. وتتحمّل الجهة المحوّلة للمال المسؤولية في إثبات صلة حوالتها بجهود الإغاثة الزلزالية، وتعفي الرخصة المؤسسات المالية وشركات الصرافة الأميركية من مسؤولية إثبات صلة الحوالة بالإغاثة الزلزالية إلا إذا كانت تعرف مسبقاً، أو “لديها سببٌ كي تعرف” (هكذا حرفياً)، أنها لا تتصل بها.
رفع الحظر عن تحويل الأموال إلى سوريا لغرض تمويل جهود الإغاثة الزلزالية لا ينطبق على الدولة السورية أو أي من مؤسساتها أو فروعها، وضمنها البنك المركزي السوري، ولا ينطبق على أي شركة أو جمعية تسيطر عليها الدولة السورية، مباشرة أو غير مباشرة، داخل سوريا وخارجها، كما لا ينطبق على أي شخص يعمل لمصلحة أيٍ من تلك الجهات.
أخيراً، لا تعفي الرخصة رقم 23 أي شخص من الامتثال لأي قانون فيدرالي أميركي آخر ذي صلة.
يوضح البيان الصحفي الذي نشر بالترافق مع الرخصة 23 في موقع وزارة الخزانة الأميركية أنها تمثل استمراراً لسياستها في تخفيف العقوبات لـ”أغراض إنسانية” عن الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية وحكومة الولايات المتحدة الأميركية كي تتمكن من الانخراط في معاملات مالية لدعم نشاطات غير ربحية معينة (أي ليس كلها) في سوريا.
يتابع البيان الصحفي ذاته أن وزارة الخزانة الأميركية ستواصل مراقبة الوضع في سوريا، وستستمر في الانخراط مع الجهات الرئيسية المعنية بالمساعدة الإنسانية وإغاثة الكوارث، ومنها المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية والشركاء الرئيسيون والحلفاء، لـ”فهم التحديات الرئيسية التي قد يواجهونها في تقديم الخدمات” في سوريا.
الطريف أن الرخصة 23 تثبّت الحظر على استيراد النفط السوري ومشتقاته إلى الولايات المتحدة الأميركية، إلا بتصريح خاص، بموجب البند 542.208 من أنظمة العقوبات على سوريا.
هذا طريف طبعاً لأن الولايات المتحدة وأدواتها يسيطرون على 90% من آبار النفط السوري، الذي يشحن معظمه إلى شمال العراق حيث يباع بأسعار بخسة، تصل إلى 15 دولاراً للبرميل أحياناً، ثم يكرر ويستخدم محلياً، أو يخلط مع النفط هناك لتشتريه تركيا، حيث يستهلك بعضه ويصدر بعضه الآخر إلى وجهات مختلفة منها الكيان الصهيوني. فالولايات المتحدة الأميركية، بصفتها قوة احتلال في المنطقة الشرقية لسوريا، هي الجهة المصدّرِة للنفط السوري المسروق (وغيره)، لا الجهة المستوردة له.
ماذا تريد الإدارة الأميركية من إصدار الرخصة رقم 23؟
أفلام هوليوود، كمنتج أميركي متميز، هي نتاج العقلية الأميركية، إذ إن الأساس في هوليوود هو الصورة، الانطباع، وجعل ما لا يصدق قابلاً للتصديق من خلال التلاعب بالانطباعات. بناءً عليه، فإن الأثر المتوخى إعلامياً وسياسياً من إصدار الرخصة رقم 23 أهم بكثير من أثرها الفعلي اقتصادياً ومالياً.
الرخصة 23، أولاً، موجّهة إلى المؤسسات الدولية والأميركية والمنظمات غير الحكومية التابعة لها ولحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. وهي تستثني كل ما يتصل بالدولة السورية ومؤسساتها وشركاتها من إعفاء تحويل الأموال لأغراض الإغاثة، وعلى رأسها مصرف سوريا المركزي. وهذا يعني أن أي جهد إغاثي يجب أن يجري بعيداً من الدولة السورية، أي يجب أن يسهم في تقويض سيادة الدولة السورية أو أنه لن يتم.
والرخصة 23، ثانياً، جزئية ومحددة ومؤقتة. فهي لا تسقِط منظومة عقوبات متراكمة تحرم سوريا من المعدات الطبية والآليات، وما يتيح لسوريا أن تقوم بعمل إغاثي حقيقي، وعلى رأسها الأعمدة الرئيسية لقانون “قيصر” الذي يستهدف قطاعات النفط والغاز وإعادة الإعمار والطيران في سوريا. ويذكر أن مصرف سوريا المركزي فرضت عليه عقوبات منذ عام 2004 أخرجت سوريا من المنظومة المالية الدولية فعلياً.
والرخصة 23 التي تدّعي أن المواد الإنسانية لا تخضع للعقوبات الأميركية، ثالثاً، تتعارض مع قانون عقوبات أميركي جديد هو قانون “الكبتاغون”، الذي ستُعلن آلياته التنفيذية في شهر حزيران / يونيو المقبل، والذي يهدد قطاع الدواء السوري مباشرة (انظر “قانون الكبتاغون: الحصار السوري يشتد” في الميادين نت في 25/1/2023).
ولكنّ الرخصة 23، رابعاً، تمثل محاولة لاستيعاب الضغط الشعبي المتصاعد بعد الزلزال من أجل رفع الحصار عن سوريا؛ وهو حصار مطبق، لا عقوبات فحسب. وما هي إلا محاولة إعلامية رثة للحفاظ على ماء وجه الإدارة الأميركية بعدما تزلزلت صورتها المدافعة عن “حقوق الإنسان”.
والرخصة 23، خامساً، تمثل مخرجاً للأنظمة العربية التي تحاصر سوريا فعلياً، ولو كان قرار الحصار أميركياً-صهيونياً، كي تستوعب الضغط الشعبي العربي، بعد الزلزال، لرفع حصارها عن سوريا، من دون أن تنهار منظومة الحصار بالكامل.
باختصار، يجب أن نضع الرخصة 23 في مكانها الصحيح كإهانة للسوريين والعرب وكل أحرار العالم، إذ إن من المعيب أن يقرر مكتب صغير يقع مقابل وزارة المالية الأميركية في واشنطن كيف يجب أن يعامل 22 نظاماً عربياً وكل دول العالم دمشق!
لكنْ، ما كانت الإدارة الأميركية لتضطر أن تصدر الرخصة 23 لولا تزايد زخم الحملة الشعبية لرفع الحصار عن سوريا. فهي لم ترفعه، رغم محاولة إيهامنا بذلك، ولكنها تراجعت معنوياً، لا فعلياً، خطوةً إلى الخلف، وفي ذلك عبرةٌ أن واشنطن تشعر بالضعف إزاء حملة رفع الحصار عن سوريا، فلا بد من تصعيدها إذاً..
المصدر: الميادين نت
المقاله الصحفية نقلت حرفيا من المصدر وتعبر عن جه نظر الكاتب